وائل لطفى يكتب: الدعاة الجدد.. عشرون عاماً من الخداع (الحلقة الثانية)

وائل لطفى يكتب: الدعاة الجدد.. عشرون عاماً من الخداع (الحلقة الثانية)
- الدعاة الجدد
- عمرو خالد
- الإخوان الإرهابية
- وائل لطفي
- الدعاة الجدد
- عمرو خالد
- الإخوان الإرهابية
- وائل لطفي
فى بيت عمرو خالد
تابع كاتب هذه السطور عمرو خالد منذ عام ٢٠٠٢، وكان لإسهاماته فى الكتابة عن ظاهرة الدعاة الجدد نصيب من التقدير العلمى، ورأيت أنه آن الأوان للاستماع لـ«عمرو»، وقد احتوى الحوار أسئلة عن المحاور الرئيسية فى رحلته.. علاقته بالإخوان، والغرب، والسياسة، وتأثره بالبروتستانتية، إلخ.. وأُجرى الحوار فى بيته فى مارس ٢٠١٨.. وهذه أهم محاوره.
الإخوان.. غرام وانتقام!
علاقة عمرو خالد بالإخوان تبدو معقدة، فهو بدا كأحد كوادر الجماعة الطلابية فى جامعة القاهرة، كان رئيساً لاتحاد طلاب كلية التجارة فى منتصف الثمانينات، وهناك ألقى أول دروس وعظية فى حياته، كان أيضاً أحد أعضاء الفريق الانتخابى للمستشار مأمون الهضيبى فى دائرة الدقى عام ١٩٨٧، وتلميذاً مخلصاً للداعية الإخوانى وجدى غنيم وقتها، وحين غضب عليه الإخوان أذاعوا له مقطعاً من فيديو قديم يقدم فيه وجدى غنيم لجمهور الحاضرين كما يليق بتلميذ أن يقدم أستاذه.
الأكيد أنه بدأ دوره كداعية وهو عضو فى الجماعة، وأن شبابها ساندوه بقوة وكانوا جزءاً من فرق عمله وجمهوره، ولا شك أنه ترك مسافة بينه وبين الجماعة بحثاً عن مساحة حركة أكبر، لكن العلاقة لم تنقلب لعداء صريح إلا بعد ذلك بسنوات.
حين تحدثت عنه مجلة «روز اليوسف» كظاهرة جماهيرية عام ٢٠٠٢ ذكرت علاقته بالإخوان كدليل على أنه ليس مجرد واعظ اجتماعى للمراهقين كما يقدم نفسه، وكتدليل على أن مشروعه الوعظى يصب فى النهاية فى صالح الجماعة ويخدم فكرة بناء الفرد المسلم (الملتزم دينياً) كنواة لبناء المجتمع المسلم، ثم الدولة المسلمة، كما طالب مؤسس الجماعة حسن البنا أتباعه. واصطف الإخوان خلف عمرو خالد بدرجات متفاوتة حتى صدمهم فى ٣٠ يونيو فكان العداء المعلن.
قابلت «عمرو» فى منزله فى شهر مارس ٢٠١٨ بوساطة من صحفى صديق، وكان الهدف من الحوار هو الحصول على شهادته عن كل ما أُثير ضده خلال عشرين عاماً بدءاً من علاقته الملتبسة والمتراوحة بالإخوان، وبالوعظ البروتستانتى، والرغبة فى التحول من داعية إلى سياسى، والسعى وراء الثروة الشخصية والمكسب المادى، وتقديم نفسه للغرب كبديل.. إلخ.. واستغرق الحوار وقتاً طويلاً، واستغرق منى وقتاً أطول فى التفكير فى كيفية معالجته بشكل لا يخل بموضوعية العرض وأمانة النقل فى نفس الوقت الذى لا يتحول إلى منصة دعائية أو لا يتطرق إلى قضايا غير التى يطرحها الكتاب.
{long_qoute_1}
بدا عمرو حين قابلته مهموماً بالدفاع عن نفسه ضد اتهامات كثيرة طاردته بها على مدى عشرين عاماً، وقد بدا دارساً لهذه الاتهامات والانتقادات التى قيلت فى حقه لأقصى درجة.. وقد صمم أن نبدأ حوارنا بمقدمة استرسل فيها فى طرح عدة أفكار، وقد بدأها بالسؤال: (عمرو خالد جاى منين؟.. جاى من الطبقة الوسطى).. كانت فكرته ببساطة أنه داعية الطبقة الوسطى التى جاء منها، وأنه ليس داعية الأثرياء ورجال الأعمال، وأنه ظل محافظاً على انتمائه الاجتماعى للطبقة الوسطى رغم تراكم أرباحه من عمله كداعية ومقدم برامج.
فى نفس الإطار كان يهمه التأكيد على فكرة أنه شخص عصامى صنع نجاحه بنفسه على مدى هذه السنوات.. (لم يساعدنى أحد)! هكذا قال لى.. لأتلقف الكرة وأسأله: حتى جماعة الإخوان لم تساعدك؟ ليجيب: (هناك فرق بين أن تعجبهم ظاهرة عمرو خالد، ويحاولوا الاستفادة منها، وبين أن يتبنوا الظاهرة).. من وجهة نظرى لم يكن ما قاله عمرو خالد صحيحاً، كان محاولة للتخلص من الإخوان بعد أن احترقت مراكبهم. لشباب الإخوان شهادات موثقة حول العلاقة العضوية بين الجماعة والداعية وكيف تم تدعيمه على أكثر من مستوى، وهى علاقة استمرت رغم نفى عمرو خالد لعلاقته بالإخوان منذ بداية ظهوره، أهم هذه الشهادات كانت شهادة الصحفى عبدالمنعم محمود، وهو من شباب الإخوان الذين تركوا الجماعة على خلفية خلاف حول التعامل مع ثورة يناير، وقد فصل فى شهادته المنشورة على صفحته الشخصية على موقع الـ«فيس بوك»، بعد أن خرج عمرو خالد على شاشة قناة المحور فى نهاية ٢٠١٧ لينفى أى علاقة له بالإخوان، وكان من أهم ما قاله «محمود» أن د. محمد يحيى، الأستاذ بكلية الهندسة، لعب فى حياة عمرو خالد مزيجاً من دور الرائد الفكرى، والمعلم، والمستشار، د. يحيى نفسه هو أحد قيادات قسم التربية فى جماعة الإخوان، وقال عمرو خالد إنه قطع علاقته به فيما بعد يونيو ٢٠١٣، لكن هذا لا يعنى أن العلاقة لم تكن موجودة طوال هذه السنوات رغم أن عمرو خالد ينفى علاقته بالإخوان منذ عام ٢٠٠٢ على الأقل، «محمود» تحدث أيضاً عن علاقة وثيقة جمعت عمرو خالد بالدكتور عصام الحداد، مستشار الرئيس السابق محمد مرسى للشئون الخارجية، وبنجله جهاد الحداد.. وعن تفاصيل أخرى عن دعم شباب الإخوان للحملات التى كان «عمرو» يطلقها فى برامجه المختلفة، فإذا وضعنا كل هذه المعلومات إلى جوار بعضها البعض وإلى جوار معلومات أخرى عن نشأته الإخوانية فى الثمانينات، فإن علينا أن نراجع ما يقوله حول (استفادة) الإخوان منه، أو (استغلالهم) له.
الـ(ع) الرابعة..
كان الجلوس مع «عمرو» إضافة كبيرة بالنسبة لى، ورغم أن لقائى به لم يحمل مفاجآت، إذ بدا أداؤه فى الحوار تماماً مثل أدائه فى البرامج معداً مسبقاً ومرتباً بعناية، إلا أنه كشف عن طريقة تفكيره فى نفسه بعد عشرين عاماً من احتراف الدعوة.. هو ليس صاحب رسالة.. ولا حتى واعظاً محترفاً.. هو نجم من نجوم هذا المجتمع.. وسيستمر كما يستمر النجوم!
كان يرد على اتهامه بالتلون حسب العصر، وبالتحديد كان يرد على (اتهامى)له بالتلون: (أنت اتهمتنى بالتلون، ولكن أنا لم أُكرم فى أى عهد من العهود، لم يكرمنى أحد حتى الإخوان الذين تقول إنهم ساعدونى.. أنا أظهر فى رمضان منذ عشرين عاماً، ومع ذلك كل عام أبحث عن قناة أظهر فيها قبل رمضان! أنا عصامى ولدى إصرار على الاستمرار، أنا مثل عصام الحضرى، وعادل إمام، وعمرو دياب! لدى إصرار على الاستمرار، لماذا لا أكون رابع هؤلاء الثلاثة؟ وكل واحد من هؤلاء كان لديه من المرونة والتعامل مع العصر الذى يعيش فيه، أم كلثوم كانت عندها هذه المرونة، عبدالحليم كانت عنده هذه المرونة.. أنا ابتعدت عن الدين.. وأتحدث بشكل إنسانى كبنى آدم عايش فى وطن).
الداعية والغرب!
العلاقة بالغرب هى الفصل الأكثر حيوية ودراماتيكية فى مسيرة هذا الداعية، هو من البداية كان متماساً مع نمط الوعظ الغربى (البروتستانتى)، وفى حوارنا أكد كثيراً أنه لم يكن يقصد، ولم يتعمد.. كان هذا فى كل الأحوال عنصر تأثير كبير، وكان أيضاً أحد أسباب النجاح، وكما يروى لى فقد سافر للغرب مضطراً.. حيث تم منعه من الخطابة فى مصر فى عام ٢٠٠٢، فسافر إلى بيروت ليبقى هناك حتى حادث اغتيال «الحريرى» فى فبراير ٢٠٠٥، حيث اضطر بعدها للسفر إلى لندن..
لكن الحقيقة أن هناك محطة مهمة فى علاقته بالغرب سبقت سفره إلى لندن، وهى أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) والتى تفجرت حين نشرت صحيفة (يولاندس بوست) الدنماركية ١٢ صورة كاريكاتيرية مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) ما نتج عنه اعتراضات من المسلمين هناك، لكن الأزمة تفاقمت حين أصرت الجريدة على موقفها وقالت إن النشر من صميم حرية التعبير، وتصاعد الأمر أكثر حين أعادت مجموعة من الصحف الأوروبية نشر الرسوم كشكل من أشكال التضامن مع حرية التعبير، لتصعّد الجاليات الإسلامية من احتجاجها ويطوف وفد من مسلمى الدنمارك العالم الإسلامى ليصدّر الأزمة إلى الدول الإسلامية، وتتصاعد مشاعر الغضب، ويقود الشيخ يوسف القرضاوى، عبر قناة الجزيرة، حملة تحريض ضد الدنمارك، بينما تتصاعد مظاهرات فى دول إسلامية وعربية مختلفة كان من أبرز نتائجها حرق سفارتى النرويج والدنمارك فى دمشق فى ٤ فبراير ٢٠٠٦.
وفى وسط طوفان الغضب المتصاعد، وفى ظل موجات الكراهية التى يصدّرها داعية وعالم ذو تأثير كبير مثل يوسف القرضاوى يظهر صوت يدعو إلى الحوار كحل للأزمة، كان هذا الصوت هو عمرو خالد الذى لم يكتفِ بإطلاق دعوته، لكنه اصطحب وفداً من مريديه الشباب وذهب إلى الدنمارك عقب أسابيع قليلة من حرق سفارة الدنمارك فى دمشق ليشارك فى مؤتمر للحوار الدينى، وكان هذا كافياً لإثارة غضب «القرضاوى» الذى طلب من (الوعاظ) أن يلزموا حدود مساجدهم، وأن يتركوا الأمور الكبرى لعلماء الأمة كى يقرروا كيف تسير الأمور فيها..
{long_qoute_2}
كان هذا أول تمايز لعمرو خالد عن موقف تتخذه جماعة الإخوان.. أو بمعنى أصح موقف يقوده عالم كان عضواً فى الجماعة مثل يوسف القرضاوى.. وقد يبذل عمرو خالد وقتها جهداً لإرضائه، لكن الأكيد أنه كان بموقفه من أزمة الرسوم المسيئة قد لفت أنظار الغرب بشدة، إن لم يكن قد نال رضاه بشكل كامل.
العودة إلى لندن..
بحسب ما رواه لى عمرو خالد فى حوارنا فقد قضى عاماً فى بداية حياته العملية فى لندن، كان خريجاً حديثاً، وذهب فى ضيافة عم له ليتدرب فى فرع لأحد البنوك العربية كان عمه هذا مديراً له.. عاد بعدها ليعمل محاسباً، ثم يصبح داعية.. لا أحد يعرف ما الذى جرى فى هذا العام.. لكنه عاد بعد ذلك إلى لندن عام ٢٠٠٥، وأصبح الناس يعرفون بعض ما دار.
ذهب عمرو خالد إلى لندن وقد تشكلت ملامحه أمام الغرب، هو داعية يدعو إلى التعايش فى وقت يدعو فيه الآخرون إلى العنف، وهو يدعو إلى العمل من خلال المجتمع المدنى فى وقت يدعو فيه آخرون إلى (الجهاد)، بل إنه سجل نفسه كطالب فى جامعة (ويلز) البريطانية ليدرس موضوع (الإسلام والتعايش مع الغرب) على وجه التحديد، فهل هناك من هو أفضل ليتم تبنيه ومساعدته؟
أياً كان الأمر فقد نشرت جريدة (الصنداى تايمز) فى ٣٠ أبريل عام ٢٠٠٤ تقريراً بعنوان (خطط بريطانيا السرية للفوز بعقول وقلوب المسلمين).. وكان التقرير يتحدث عن خطة المكتب السادس البريطانى لاستمالة مجموعة من الدعاة المعتدلين للتأثير فى الجاليات الإسلامية هناك واستمالة أبنائها بعيداً عن شبح تنظيم القاعدة، الذى كان يضرب الأبواب بعنف وقتها، وقد سألت «عمرو» فى حوارنا عن صحة ما نُشر؟ فنفى أنه تعامل مع مسئولين أمنيين هناك، وأكد أنه تعامل مع سفراء ومسئولين فى الخارجية البريطانية، وقال: (عمرو خالد لا يتعامل مع أمنيين إنما يمكن أن أتعامل مع سفراء).. هل يعرف عمرو خالد أن الأمنيين يمكن أن يوجهوا السفراء؟! ربما.
أسس «عمرو» منظمة (رايت ستارت) فى لندن.. وقام بعدد من المشروعات الاجتماعية لرعاية أبناء الجاليات الإسلامية هناك، وحصلت منظمته على تمويل من داخل بريطانيا وقامت بمشروعات لمكافحة المخدرات بين أبناء الجالية الإسلامية فى بريطانيا، ومشروع آخر لرعاية السيدات المسلمات المطلقات.
لكن هذا التمويل الذى حصلت عليه (رايت ستارت) لم يكن هو التمويل الضخم الذى أشارت له هيئة الإذاعة البريطانية فيما بعد ونشرت عنه مجلة «روز اليوسف» وقتها منسوباً للموقع الإلكترونى لهيئة الإذاعة البريطانية.. كان التقرير يتحدث عن إجمالى دعم مقدم من صندوق (دعم الفرص) فى الخارجية البريطانية لروابط صناع الحياة التى أسسها عمرو خالد عام ٢٠٠٤، وهى سلسلة جمعيات تنموية تهدف للعمل الاجتماعى، تحدث التقرير وقتها عن دعم قيمته ٤٧ مليون إسترلينى لصناع الحياة.. وقد نشرت «روز اليوسف» الخبر لأول مرة فى مصر عام ٢٠٠٧، لكنه عاد للحياة مرة أخرى عقب ثورة ٣٠ يونيو التى وضعت «عمرو» تحت منظار النقد والتمحيص، وكان اللافت للنظر أن عدة مواقع إلكترونية عربية أعادت نشر خبر عن تأكيد الخارجية البريطانية للمعلومة وكان ذلك فى ١٣ يونيو ٢٠١٧، حيث قال الخبر إن الخارجية البريطانية أكدت المعلومة عقب تقديم استفسار لها بخصوصه.
على أن رد فعل عمرو خالد حين سألته عن دقة المعلومة لم يكن بقدر الجدية التى يثيرها اسم هيئة الإذاعة البريطانية فى الأذهان، حيث علق ضاحكاً: (لو كان عندى ٤٧ مليون إسترلينى لم أكن لأبقى فى مصر ثانية واحدة، هذه أول مرة أعرف أن الـ«بى بى سى» نشرت تقريراً مثل هذا، أنا يمكن أقاضيهم)، وحينما قلت له إنهم نشروا اسم الجهة المانحة بالتفصيل وهى (صندوق دعم الفرص) فى الخارجية البريطانية، استطرد قائلاً: (لو معنا ٤٧ مليوناً لكانت صناع الحياة قد فعلت الكثير، أو كنت سرقتهم وتحولت إلى ملياردير).
- جزء من حلقات كتاب «دعاة السوبر ماركت»
قابلت «عمرو» فى منزله فى شهر مارس ٢٠١٨ بوساطة من صحفى صديق، وكان الهدف من الحوار هو الحصول على شهادته عن كل ما أُثير ضده خلال عشرين عاماً بدءاً من علاقته الملتبسة والمتراوحة بالإخوان، وبالوعظ البروتستانتى، والرغبة فى التحول من داعية إلى سياسى، والسعى وراء الثروة الشخصية والمكسب المادى، وتقديم نفسه للغرب كبديل.. إلخ.. واستغرق الحوار وقتاً طويلاً، واستغرق منى وقتاً أطول فى التفكير فى كيفية معالجته بشكل لا يخل بموضوعية العرض وأمانة النقل فى نفس الوقت الذى لا يتحول إلى منصة دعائية أو لا يتطرق إلى قضايا غير التى يطرحها الكتاب.