أستاذ طب نفسى: المريض النفسى يقتل أطفاله أحياناً خوفاً عليهم ولا يندم على فعلته أو يحاول الهرب من ملاحقة الشرطة.. ولم أعد أندهش من تلك الجرائم

أستاذ طب نفسى: المريض النفسى يقتل أطفاله أحياناً خوفاً عليهم ولا يندم على فعلته أو يحاول الهرب من ملاحقة الشرطة.. ولم أعد أندهش من تلك الجرائم
- أستاذ الطب النفسى
- أشهر الأمراض
- الاضطرابات الشخصية
- الجهات المعنية
- الدكتور طارق
- أستاذ الطب النفسى
- أشهر الأمراض
- الاضطرابات الشخصية
- الجهات المعنية
- الدكتور طارق
قال الدكتور طارق أسعد، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن معظم حالات الجرائم الأسرية تُشير إلى وجود مرض نفسى، رافضاً، فى حواره لـ«الوطن»، إطلاق مسمى «ظاهرة» على تلك النوعية من الجرائم، لأنها لا تعتمد على إحصائيات أو نسب مُحددة، وطالب «أسعد» بعدم تسليط الضوء عليها بشكل مُبالغ فيه، خوفاً من زيادة أعداد جرائم الأسرة، وأوضح أن المرض النفسى ما زال فى مصر يُعتبر وصمة لصاحبه.. وإلى الحوار.
* كيف ترى انتشار جرائم الأسرة داخل المجتمع المصرى خلال الآونة الأخيرة؟
- فى البداية، أحب أن أبدى اعتراضاً بسيطاً على اعتبار أن هذه الحوادث ظاهرة فى المجتمع المصرى، لأنه من الناحية العلمية لكى نُطلق عليها ظاهرة يجب أن يكون لدينا إحصائيات بصورة علمية مع نسبة حدوثها، ومن خلال ذلك نستطيع أن نحدد إذا كانت بالفعل ظاهرة منتشرة أم لا، وهى بالفعل ليست ظاهرة، لكنها جرائم فردية، وتصادف وقوعها فى فترة زمنية قريبة، ومعظم الحالات التى قرأت عنها وتابعتها تُشير إلى وجود مرض نفسى، وليست ظاهرة اجتماعية لها أسبابها الاجتماعية أو دوافع نفسية منتشرة فى المجتمع ككل، أما عن أهم الدوافع التى تجعل الشخص يُقبل على مثل تلك الأفعال فهى «الاكتئاب»، لأنه يجعل الإنسان يصل إلى درجة من اليأس لا يستطيع من خلالها تحمُّل الحياة، وتفسير تلك الحالات من خلال مرض الاكتئاب أن الشخص يحب أبناءه وزوجته كثيراً ولا يريد أن يتركهم ليعيشوا من دونه، أو أن يواجهوا صعوبات فى حياتهم ويُعذبوا من بعده، لذلك يُقدم على قتلهم عن اقتناع تام، وفى حالات كثيرة عقب قتلهم يفشل فى الانتحار بسبب الخوف، وذلك الوضع يُفسر حالات قتل للأبناء كثيرة كانت العلاقة بينهم جيدة للغاية، ويُسمى الانتحار الجماعى، وهناك حالات أخرى من العنف الأسرى وراءها «اضطرابات ذهانية» كالفصام، ويكون لدى المريض اعتقاد خاطئ بأن هناك مَن يتربص به وسيؤذيه، وغالباً أقرب الأشخاص لديه يكونون ضمن تلك المنظومة الضلالية، وفى تلك الحالة المريض لا يكون مسئولاً عن تصرفاته، أما الجانب الثالث فهو «الاضطرابات الشخصية»، وتضم عاملاً نفسياً واجتماعياً فى نفس الوقت، وعلى سبيل المثال أن تكون الزوجة شخصية «سيكوباتية» على علاقة بشخص آخر ولا يعنيها سوى المصلحة الشخصية واللذة والمتعة فقط، وتتفق مع عشيقها على قتل الزوج، لأن لديها اضطراباً شخصياً والقانون لا يعفيها من العقاب، وتكون مسئولة بشكل كامل، ولا أريد أن يتناول الإعلام تلك الحوادث الفردية على أنها ظاهرة انتشرت فى المجتمع، لأنه لا داعى لتسليط الضوء عليها كظاهرة.
* هل تقصد أن تكرار وتسليط الضوء على مثل تلك الجرائم يؤثر على زيادة أعدادها؟
- للأسف، وفى حالات الانتحار بالتحديد علمياً ثبت ذلك، وتوصيات منظمة الصحة تؤكد أن حوادث الانتحار تزداد بإذاعتها، وعند تسليط الضوء عليها فى الإعلام يعطى نوعاً من التسهيل لدى المرضى النفسيين، لأن من الممكن ألا يكون لمريض الاكتئاب الجرأة على فعل تلك الحوادث، لكنه يتشجع فيما بعد مع رؤية الآخرين يفعلونها، خاصة المشاهير، لأن لديهم تأثيراً أكبر.* بم تفسر قتل الأب لأفراد أسرته بطرق بشعة ومنها فصل الرؤوس عن الجسد؟- عادة مريض الاكتئاب عند فعل تلك الحوادث لا يقوم بتشويه الضحايا ويكون «قتلاً رحيماً»، لكن فى أوقات كثيرة لطرق القتل الصعبة تكون وراءها أفكار أو ضلالات، ولدى تفكير المريض غاية يريد أن يصل إليها ويفعلها فى وقتها.
* وهل كل مَن أقدم على مثل تلك الجرائم مريض نفسى؟
- لا نستطيع تعميم كل تلك النوعية من الجرائم على أنهم مرضى نفسيون، لأننا رأينا الكثير من الحالات تكون تحت تأثير المواد المُخدرة أثناء فعل الجريمة، ومن المؤكد أن حالات كثيرة من الانتحار وجرائم الأسرة وراءها مرض نفسى، ولا نستطيع إغفال دور المخدرات، لأن من الممكن أن يحدث للفرد اضطراب ذهانى عنيف، ويصبح غير واعٍ بما يفعل فى وقتها، ويُفاجأ بعدما يعود إلى وعيه، وخاصة المخدرات الجديدة أو الحشيش المُخلق مثل الاستروكس والفودو.
* كيف يكون شعور أو حالة القاتل أثناء قتل أقرب الناس إليه؟
- يختلف بين حالة وأخرى، على سبيل المثال مريض «الاكتئاب» أثناء قتل أقرب الناس إليه قبل انتحاره يكون واعياً تماماً ولا يندم على ما فعله، ومن الممكن أن يُطالب بإعدامه بشكل طبيعى، لأنه ارتاح بما فعله معهم، وينطبق ذلك أيضاً على مرضى «الفصام»، لأنه يعتقد أن الضحية تستحق الموت، والذى يؤكد ذلك أنهم لا يهربون عقب الحادث، ولو هرب الفاعل عقب الجريمة نشك أنه مريض نفسى، لذلك لا ينكر المريض فعلته ويظل متزناً وثابتاً أثناء تمثيل الجريمة فى التحقيقات دون انهيار أو ندم على قتل الأقرب إليه.
* ما أعراض المرض النفسى التى تؤدى إلى حدوث وقائع مُشابهة؟
- مريض الاكتئاب يُلاحظ عليه أعراض المرض النفسى، لكن أثناء الواقعة يكون فى أحسن حالاته، وهى نقطة خادعة للغاية لأنه تائه بين تفكيرَين، الموت كافراً والارتياح من مرضه بالانتحار، لذا فى حالات كثيرة نرى الشخص قبل انتحاره سعيداً، لأنه بالفعل اتخذ القرار بالانتحار، وعلى سبيل المثال فى مرض «الاكتئاب» يشعر المريض أنه لم يُصبح مستمتعاً بما كان يُحبه من قبل، والآخرون يُلاحظون أعراض المرض من خلال ترك مَن كان يهتم بهم، أو عدم الانتظام فى العمل كما كان، أو الانعزال عمن حوله، والابتعاد عن هواياته، ويجب على مَن حوله فى هذه الحالة أن يُشجعوه على الذهاب إلى الطبيب النفسى، لأن الاكتئاب من الأمراض التى تُعالج، ونسبة شفائها عالية.
* على مدار سنوات طويلة فى علاج المرضى النفسيين، هل مرت عليك حالات لديها نفس الدافع؟ وكيف تردهم عن هذا الفعل؟
- بالتأكيد مرت الكثير من الحالات والمرضى لديهم دافع العنف تجاه الأقرب إليهم، ونلاحظها أثناء الحديث معهم ومن خلال شكواهم، وفى حالة إذا كان لديه أفكار انتحارية جادة أو ضلالات إيذاء تجاه الآخرين يكون مسموحاً لى أن أحجزه فى المستشفى دون موافقته، ولكن بعد الحصول على موافقة أهل المريض، وإذا رفضوا لأى سبب تقع عليهم المسئولية كاملة، ولكن فى الغالب أهله لا يمانعون فى دخوله للمستشفى، لأنه فى هذه الحالة يصبح المريض فاقد الحكم على الأمور السليمة، أما من كان لديه الانتحار مجرد تفكير سيصبح مع العلاج أفضل كثيراً.
* ما أشهر الأمراض النفسية المنتشرة بين المصريين فى الفترة الحالية؟
- لا نستطيع أن نجزم بأمراض معينة فى تلك الفترة، ولكن الأمراض الداخلية الكيميائية كالاكتئاب والفصام والوسواس موجودة بشكل دائم وليس لها فترة محددة، ومن الأمراض التى تنتشر فى فترة مُعينة «الفوبيا»، وعلى سبيل المثال فى فترة ظهور إنفلونزا الطيور ظهرت الفوبيا من ذلك المرض، وهناك أمراض منتشرة بالأحداث كاضطراب ما بعد الصدمة أو الكرب.
* هل بالضرورة تؤثر الأزمات المادية المفاجئة على الفرد بشكل يُحوله إلى مريض نفسى؟
- يتوقف ذلك على شخصية الفرد وحجم الأزمة، على سبيل المثال عقب «أزمة الريان» جاءت لى حالات متعددة من «فقدان الذاكرة الهستيرى»، ومن ضمنهم حالة كانت الأصعب، لأنه كان يعيش بالخارج ووضع كل أمواله مع «الريان»، وفى فترة معينة سحب جميع المبالغ، وقبل التحفظ على أموال «الريان» بيوم واحد نصحه أحد الأصدقاء بأن يعود بأمواله مرة أخرى إلى «الريان»، وعندما قابلتُ ذلك الرجل بعدها كان لا يتذكر أى شىء، وفى تلك الحالة من فقدان الذاكرة الهستيرى كان النسيان مجرد وسيلة للدفاع حتى لا يتذكر ما يؤلمه.
* هل للدراما كالأفلام والمسلسلات دور مؤثر فى تشجيع العنف؟
- تأثيرها يظهر على الأطفال فقط، ولكن الإعلام والدراما بشكل عام لم ينجحوا فى برامج التوعية أو التحذير من خطورة الإدمان، فالدراما تُظهر الطبيب النفسى بشكل مختلف عن الحقيقة، سواء بالصورة الكوميدية مثل شخصية «دكتور خشبة» التى جسدها الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى، أو الشخص السيئ الذى يستغل المرضى كفيلم «كده رضا»، وجسدها الفنان خالد الصاوى، والشخصية الثالثة وهى الدكتور الذى يعيش مع المريض، وللأسف الثلاث صور غير حقيقية، ونادراً ما نجد شخصية تُظهر الطبيب بشكل طبيعى دون مُبالغة، وفى الحقيقة الطبيب النفسى مثل أى طبيب فى تخصص آخر، وهو ما تظهره دول الخارج لأنهم يهتمون بصورة الطبيب النفسى كما هى بدقة شديدة ومراعاة جميع التفاصيل فى شخصيته.
* ما الجهات المعنية بالحلول المجتمعية وتوعية المواطنين بالمرض النفسى؟
- تتبنى وزارة الصحة فى الفترة الحالية حملات للتوعية بالمرض النفسى على أنه مثل أى مرض عضوى آخر، لكن من أهم طرق التوعية، وهو ما يحدث فى دول الخارج، أن يخرج أحد المشاهير بجرأة ويتحدث صراحة عن أنه كان لديه اكتئاب وتعالج منه، ولكن هنا لا يحدث ذلك، لأن المرض النفسى ما زال له وصمة وخجل من الجهر به، ونحتاج إلى تغيير ثقافة المجتمع، من خلال توضيح حقيقة المرض النفسى مع استمرار حملات التوعية فى كل المجالات وليس الإعلام فقط، وبكل أسف تضخيم مثل تلك الجرائم والإشارة إلى أن الفاعل مريض يؤكد الوصمة على مَن يُعانى نفسياً.
* أى جرائم الأسرة فى الفترة الأخيرة استوقفتك وتابعت تفاصيلها؟
- أنا كطبيب نفسى لم أعد أندهش من تلك الجرائم، لأننى أعمل استشارياً فى الطب الشرعى، وتمر علىَّ يومياً حالات مثيلة لذلك، وبالتالى فالأمر ليس بالجديد بالنسبة لى.
* هل من السلامة أن تكون هناك زيارات دورية للطبيب النفسى؟
بالتأكيد، وهذا ما يحدث بالخارج، فالمواطن يذهب إلى الطبيب بشكل دورى من أجل الاستشارة، ولكننا نأمل فى أقل من ذلك، وهى أنه عندما يلاحظ أحد ظهور أى من أعراض الأمراض النفسية على مَن حوله أن يشجعه على التوجه إلى الطبيب النفسى وليس الشيوخ والدجَّالين.