دراسة حديثة تحذر: دلتا النيل.. أولى ضحايا «نقص المياه»

كتب: محمد أبوعمرة

دراسة حديثة تحذر: دلتا النيل.. أولى ضحايا «نقص المياه»

دراسة حديثة تحذر: دلتا النيل.. أولى ضحايا «نقص المياه»

تعد دلتا نهر النيل المتضرر الرئيسى من بناء سد النهضة، ويشعر المزارعون فيها بالخوف الدائم من نقص المياه السطحية، لأنها تضم نصف سكان البلاد، كما تعد واحدة من أكبر دلتاوات الأنهار فى العالم، فالزراعة بها تتضرر ببطء حتى قبل أن تظهر تأثيرات سد النهضة. وبسبب تسارع الزيادة السكانية والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وسوء منظومة الصرف الزراعى والصحى باتت المنطقة الخصبة مهددة بشكل أكبر من ذى قبل، وبات سد النهضة وتأثيره السلبى على المياه الجوفية مباشراً، فالنهر بالكاد قادر على توفير احتياجات السكان من الماء. يأتى ذلك بينما يتواصل بناء سد النهضة كما أن المفاوضات الثلاثية بين حكومات القاهرة والخرطوم وأديس أبابا لم تتوقف، وكل الدراسات والأبحاث الدولية والإقليمية لم تتوقف، فالسد هو الأكبر فى أفريقيا والعاشر عالمياً، وتكلفته تبلغ 6 مليارات دولار، والأعمال فيه تخطت الـ60%. الدكتور أسامة سلام، أستاذ المياه بمركز بحوث المياه، أوضح، من خلال الدراسة التى حصلت «الوطن» عليها، مخاطر السد على المياه الجوفية فى دلتا نهر النيل، حيث تؤكد الدراسة أن للسد أضراراً لا حصر لها، وتأثيراته لن تتوقف على فترات ملء السد، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تؤدى إلى اختلاط الخزان الجوفى للدلتا بمياه البحر المالحة، ما قد يؤدى إلى القضاء على الخزان إلى الأبد. وبوار 38.9% من الأراضى الزراعية فى الدلتا، فضلاً عن انخفاض التخزين النشط لبحيرة ناصر.

{long_qoute_1}

كشفت الدراسة التى أعدها الدكتور أسامة سلام، الأستاذ المساعد بالمركز القومى لبحوث المياه بوزارة الموارد المائية والرى، عن تعرُّض الأراضى الزراعية لخسائر فى دلتا النيل بسبب انخفاض التدفقات المائية بسبب التخزين المتوقع لسد النهضة الإثيوبى للمياه بنسبة تصل إلى 38.937٪، وذلك وفقاً للسيناريوهات المحتملة لنقص مياه النيل نتيجة لبناء السد الإثيوبى، وتوقعت الدراسة أن يتم تعويض المياه باستخدام آبار المياه الجوفية، التى تُستخدم حالياً عندما يكون هناك نقص فى المياه السطحية، حيث ستتراوح كمية المياه الجوفية المطلوبة من 2.85 إلى 15.65 مليار متر مكعب سنوياً فى سيناريو الحالة الأسوأ.

وأوضحت الدراسة أنه استناداً إلى نتائج عدد من الدراسات الهيدرولوجية التى تم نشرها فى عدد من المجلات العلمية العالمية تم تقدير تقريبى للآثار المحتملة على التدفقات الخارجة من السد العالى بسبب بناء السد الإثيوبى، وتأثيرها على نقص المياه لأغراض الزراعة والاستخدامات الأخرى، ومن ضمنها بالطبع التأثيرات المحتملة على المياه الجوفية فى دلتا النيل لمواجهة النقص المتوقع فى مياه النيل، والذى يمكن استخدامه كمعيار أساسى خلال تطوير الرؤية المستقبلية لإدارة المياه الجوفية فى دلتا النيل. وتم اختبار بعض السيناريوهات التشغيلية المختلفة باستخدام النمذجة الرياضية للتنبؤ بتأثيرات إنشاء السدود الإثيوبية على موارد المياه المصرية كما وردت فى عدد من الدراسات وعواقبها على تناقص تخزين بحيرة ناصر، طبقاً لعدد سنوات ملء خزان سد النهضة، حيث سينخفض التخزين النشط لبحيرة ناصر بين 13.28 و54.415 مليار متر مكعب إذا تم الملء على 6 سنوات، و3 سنوات على التوالى.

{long_qoute_2}

وأشارت الدراسة إلى أنه تم إجراء زيارة ميدانية لمحافظة المنوفية، فى مناطق نهاية القنوات، حيث يعانى المزارعون من نقص وتلوث مياه الرى، وفى قرى مركزى الباجور وأشمون زاد عدد آبار المياه الجوفية أكثر من خمس مرات منذ 2008، كما انخفضت مستويات المياه الجوفية بأكثر من 10 أمتار، حيث كان عمق المياه الجوفية فى عام 2005 من 4 إلى 5 أمتار، وهو الآن من 12 إلى 15 متراً، وهذا يشير إلى أن سحب المياه الجوفية فى وسط دلتا النيل يرتبط بمدى توافر المياه السطحية فى القنوات (مع عوامل مختلفة تسبب هذا)، حيث لا تُستخدم آبار المياه الجوفية إلا بشكل متقطع، وليس من السهل دائماً تقييم تكرار استخدام المزارعين لها. كما يستخدم المزارعون فى الغالب آبار المياه الجوفية خلال الصيف (يونيو ويوليو)، وقد لوحظ أيضاً أن الحكومة بدأت وضع المياه الجوفية فى الاعتبار عند تخصيص المياه السطحية عن طريق الحد من كمية المياه السطحية التى تزود المناطق المعروفة لتشجيع الاستخدام المشترك للمياه السطحية والجوفية. غير أن هذا يمكن أن يدفع المزارعين إلى حفر المزيد من الآبار على نحو متزايد والاعتماد على المياه الجوفية.

وأوضحت الدراسة أن الخزان الجوفى لدلتا نهر النيل يعانى حالياً، حتى بدون استكمال سد النهضة، من نقص مستمر فى المياه السطحية لأغراض الرى والشرب، وبالتالى ستواجه العديد من المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وأن هناك العديد من العوامل تتسبب فى تدهور جودة الخزان الجوفى فى دلتا النيل، منها: مبيدات الآفات الزراعية والنفايات الصناعية والمنزلية، وتسرب مياه البحر وزيادة ملوحة المياه الجوفية بسبب الضخ الجائر للمياه الجوفية، كما يُعد الاستخدام الحالى للمياه الجوفية فى الجزء الجنوبى من دلتا النيل استراتيجياً، ويضيف المرونة ويزيد من إمدادات المياه للمزارعين فى أوقات الذروة.

واستندت الدراسة إلى عدد من المعايير عند إعدادها لتقديم مقترحات وحلول للأزمة منها أن استخدام المياه الجوفية فى دلتا النيل يرتبط بمدى توافر مياه النيل فى القنوات، لذلك لا تُستخدم آبار المياه الجوفية إلا بشكل متقطع، وليس من السهل تقدير تواتر استخدامها من قبَل المزارعين. لذا، فإن أى عجز فى مياه النيل، نتيجة لبناء السد الإثيوبى، سيتم تغطيته فى الغالب بحفر المزيد من آبار المياه الجوفية، سواء بشكل قانونى أو غير قانونى، وكذلك الآثار السلبية لاستخراج المياه الجوفية غير المنضبط يمكن أن تنشأ بسرعة. وأيضاً التأثيرات السلبية المحتملة التى يمكن أن تسبب هبوطاً فى مناسيب المياه الجوفية وزيادة مستويات الملوحة، واستندت أيضاً إلى أن تكاليف ضخ المياه الجوفية مرتبطة بانخفاض مناسيب المياه الجوفية، والانتهاكات الإجرائية لحفر الآبار فى وسط الدلتا موجودة فى كل مكان ولا يوجد لدى المزارعين أى حافز لتسجيل آبارهم، وللخضوع لمثل هذه الإجراءات يتعين عليهم أيضاً دفع تكاليف تسجيل آبارهم. واستندت الدراسة إلى أن تطبيق قانون المياه الجوفية صعب لأسباب اجتماعية واقتصادية، ولما يعانيه المزارعون فى دلتا النيل من نقص فى إمدادات المياه، كما أن استخراج المياه من الآبار يكلف ضعف تكلفة استخراج المياه من القنوات، فضلاً عن أن ملكية الأراضى الزراعية مفتتة، وبالتالى فإن تركيب تكنولوجيات زراعية جديدة وأنظمة الرى تكون مكلفة دائماً وتواجه صعوبات وتضارب المصالح.

{long_qoute_3}

وأكدت الدراسة ضرورة وضع رؤية مستقبلية لتطوير سياسة إدارة المياه الجوفية فى مصر والتغلب على التحديات الرئيسية المتوقعة لبناء السد الإثيوبى، حيث من المتوقع أن تكون المناطق الزراعية فى نهاية قنوات الرى واحدة من المناطق الأولى المتضررة من نقص المياه السطحية فى دلتا النيل بسبب بناء السد الإثيوبى. ويرتبط استخدام المياه الجوفية فى دلتا النيل ارتباطاً وثيقاً بتوافر مياه النيل فى القنوات، لذلك فإن أى عجز فى مياه النيل نتيجة لبناء السدود الإثيوبية، سيغطى معظمه بحفر المزيد من آبار المياه الجوفية، سواء بشكل قانونى أو غير قانونى، لذا فإن الركائز الأساسية لرؤية مستقبلية لإدارة المياه الجوفية فى دلتا النيل ترتبط مباشرة بحل قضايا المستخدم النهائى مثل تفتت ملكية الأراضى الزراعية، كما أنه لا يمكن تطوير أنظمة الرى واستخدام التقنيات الحديثة فى الزراعة فى دلتا النيل إلا إذا اتخذت الإجراءات اللازمة لمعالجة مشكلة تفتت ملكية الأراضى الزراعية، إما من خلال تكوين شركات زراعية أو جمعيات خاصة للمزارع الصغيرة، وطالبت الدراسة بضرورة تطبيق تكنولوجيات جديدة، واستخدام نظم الرى الأكثر فاعلية وتطبيق تكنولوجيات زراعية جديدة لتكييف الاستراتيجيات والسياسات الجديدة مع المياه الجوفية فى دلتا النيل، خاصة بالنسبة للقطاع الزراعى الذى يستهلك معظم المياه، وأنه فى حالة تطبيق التكنولوجيات المتوسطة كنظم زراعية محمية، يمكن الحصول على نفس الإنتاجية الحالية باستخدام 25٪ فقط من كمية المياه المستخدمة حالياً، وسيتطلب الانتقال من نظام الزراعة التقليدى إلى النظام الزراعى الحديث استثمارات ضخمة، يمكن إدارتها من خلال التمويل المحلى أو الخارجى أو من خلال الشركات الزراعية، والذى سيكون له عائد اقتصادى وفق دراسات الجدوى التى أُجريت فى مشروع البيوت الزراعية المحمية والتى بدأت الحكومة المصرية تنفيذها. وأشارت الدراسة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتطوير النظام الزراعى فى دلتا النيل لمعالجة النقص الحالى والمتوقع فى مياه النيل، بالإضافة إلى الحفاظ على احتياطات المياه الجوفية فى هذه المناطق، من بينها تسجيل آبار المياه الجوفية، واتخاذ إجراء لتسهيل تسجيل وترخيص آبار المياه الجوفية فى دلتا النيل، وزيادة وعى المزارعين بالحاجة إلى تسجيل الآبار، ووضع بعض اللوائح لمراقبة استخراج المياه الجوفية، وحماية طبقات المياه الجوفية، واتخاذ إجراء عاجل لإكمال نظام معالجة مياه الصرف الصحى فى جميع قرى دلتا النيل، وكذلك تشغيل نظام جمع النفايات الصلبة لمنع تلوث المياه السطحية والجوفية، فضلاً عن استخدام التكنولوجيات الجديدة مثل نمذجة المياه الجوفية وأجهزة المراقبة الأوتوماتيكية لتحديد القدرة القصوى والسحب الآمن من طبقات المياه الجوفية فى دلتا النيل.

وقالت الدراسة إن مصر تقع فى الحزام القاحل لشمال أفريقيا، ومناخها شبه جاف إلى جاف، وبسبب النمو السكانى من 59 مليوناً فى عام 2000 إلى أكثر من 94 مليوناً فى عام 2017، وكذلك التوسع الزراعى الأفقى وارتفاع مستوى معيشة الأفراد، ازداد الطلب على المياه العذبة لتلبية احتياجات الأنشطة الزراعية والصناعية والتعدينية، مما تسبب فى انخفاض مستمر فى نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة حتى وصلت فى عام 2017، لنحو 630 متراً مكعب للفرد، لذلك أُدرجت مصر فى قائمة من 10 دول مهدَّدة بنقص حاد فى المياه بحلول 2025.

 

الموضوعات المتعلقة 

 

مدير مشاريع المياه بـ«أبوظبى»: السدود الإثيوبية ستفاقم الإجهاد المائى.. ويجب إدارتها بمشاركة مصرية

 

التلوث والمبيدات وتداخل مياه البحر.. أسباب تدهور المياه الجوفية

 

 

 


مواضيع متعلقة