«تسونامى الاقتصاد» يواصل ضرباته.. المدير التنفيذى لصندوق النقد: زيادة مشاركة النساء فى مجالس البنوك والرقابة المالية ترفع نسب استقرارها

كتب: أحمد مصطفى أحمد

«تسونامى الاقتصاد» يواصل ضرباته.. المدير التنفيذى لصندوق النقد: زيادة مشاركة النساء فى مجالس البنوك والرقابة المالية ترفع نسب استقرارها

«تسونامى الاقتصاد» يواصل ضرباته.. المدير التنفيذى لصندوق النقد: زيادة مشاركة النساء فى مجالس البنوك والرقابة المالية ترفع نسب استقرارها

فى مثل هذا اليوم منذ عقد مضى انقلب العالم رأساً على عقب، البنوك تفلس والشركات تغلق، أصبح الخوف من الإفلاس هو الهاجس الأول لمئات الملايين من البشر، كل هذا بدأ فعلياً مع إعلان بنك «ليمان براذرز» رابع أكبر بنوك أمريكا إفلاسه، لم تكن أزمة عادية فالبنوك التى أفلست جراء تلك الأزمة صمدت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية لكنها فشلت فى التصدى لتسونامى الاقتصاد، خلال فترة اندلاع الأزمة المالية العالمية خسر نحو 8.7 مليون شخص أمريكى وظائفهم، وشملت مختلف القطاعات مع انهيار عدد من البنوك.

بمناسبة مرور عشر سنوات على الأزمة الاقتصادية العالمية التى سميت حينها بأزمة «الرهن العقارى» كتبت كريستين لاجارد، المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، مقالاً نشره الموقع الرسمى للصندوق، قالت فيه إن الأزمة لم تنته حتى الآن ويجب اتخاذ قرارات حاسم للوقوف ضد آثارها.

كريستين صنفت أزمة الرهن العقارى كواحد من الأحداث الحاسمة فى عصرنا، أزمة تحملها المواطنون العاديون وزاد الغضب الشعبى من تدخل الحكومات لتنقذ البنوك، وهروب المصرفيين من العقاب، فى الوقت الذى استمرت فيه الأجور الحقيقية فى الركود، كل ذلك أدى إلى رد فعل عنيف من الشعوب ضد العولمة التى ربطت العالم ببعضه، وبسبب هذا الترابط انتشرت العدوى فى كل البلاد بلا استثناء، وتآكلت الثقة فى الحكومة والمؤسسات الأخرى، وقال صندوق النقد الدولى، فى تقرير صدر فى 2009، إن الدول الفقيرة أكثر عرضة للتأثر بالأزمة الراهنة لأنها أصبحت أكثر اندماجاً بالاقتصاد العالمى مما كانت فى الماضى.

{long_qoute_1}

المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى أكدت أن أزمة الرهن العقارى ما زالت تلقى بظلالها الطويلة، ولا تظهر أى بادرة على الانحسار فى أى وقت قريب، ومع ذلك، فإن الذكرى السنوية العاشرة لانهيار «ليمان براذرز» (البقرة المقدسة)، هى فرصة لتقييم الاستجابة للأزمة على مدى العقد الماضى، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الأمريكى العادى سيخسر 70 ألف دولار فى الدخل على مدى حياته بسبب الأزمة، فى حين أن الحكومات تشعر بالضيق أيضاً، فقد ارتفع الدين العام فى الاقتصادات المتقدمة بأكثر من 30% من الناتج المحلى الإجمالى، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضعف الاقتصادى الذى اضطرها للتدخل لإنقاذ البنوك المتعثرة، أدى إفلاس بنك ليمان إلى خسارة أكثر من 46 مليار دولار من قيمته السوقية فى طريقها إلى الاندثار، بعد الإفلاس مباشرة، بدأت السوق المالية المتعثرة نحو التقلب الشديد، ما تبع ذلك كان ما يسميه كثيرون بـ«العاصفة المثالية» من عوامل الضائقة الاقتصادية، «لاجارد» قالت إن هناك عدداً من الأسباب التى كان لها الدور الكبير فى اندلاع الأزمة، ورغم أن تلك الأسباب كانت واضحة حينها إلا أن معظم الاقتصاديين فشل فى التنبؤ بما سيحدث، واعتبرته درساً واقعياً فى التفكير الجماعى، لكن ما نقاط الضغط هذه؟.. تجيب كريستين أن أهم الأسباب هى التوسع المالى للدور الحكومى الذى تجاوز دور التنظيم والإشراف، حيث بدأت المؤسسات المالية -خاصة فى الولايات المتحدة وأوروبا- فى نوبة من المخاطرة المتهورة، حيث تم الاعتماد بشكل أقل على الودائع التقليدية وأكثر على التمويل قصير الأجل، وخفض شروط الإقراض بشكل كبير، ودفع القروض خارج الميزانية العمومية عن طريق الضمانات الغامضة، وبشكل أعم، نقل النشاط إلى الزوايا المخفية للقطاع المالى التى كانت خاضعة لرقابة تنظيمية أقل، على سبيل المثال، بلغت الحصة السوقية من الرهون العقارية عالية المخاطر فى الولايات المتحدة 40٪ من إجمالى الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقارى بحلول عام 2006، ارتفاعاً من لا شىء تقريباً فى أوائل التسعينات.

بحسب بعض التقديرات خسر الاقتصاد العالمى 45% من قيمته، وفى المقابل، تسببت العولمة والترابط المتزايد للخدمات المصرفية والمالية فى تنقل الأزمة بسرعة وبشكل خطير، حيث كانت البنوك الأوروبية المشترى الرئيسى للأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية الأمريكية، فى الوقت نفسه، أدى إدخال اليورو إلى تدفقات رأسمالية كبيرة إلى الأطراف مع انخفاض تكاليف الاقتراض، وتم تمويل هذه التدفقات من البنوك ما تسبب فى انتقال «العدوى المالية»، كما ساهمت العولمة فى هذه المشكلة من خلال المراجحة التنظيمية، حيث تمكنت المؤسسات المالية من المطالبة بمراقبة أكثر صرامة بناءً على قدرتها على التخفيف من الصلاحيات القضائية الأكثر ملاءمة، وتكبد البنك البريطانى «رويال بنك أوف سكوتلاند» فى 2009 خسارة صافية بمبلغ 34 مليار دولار خلال عام 2008، وهى أكبر خسارة فى تاريخ البنوك والشركات البريطانية، وفى حين كانت استجابة السياسة لمخاطر ما قبل الأزمة غير كافية، كانت الاستجابة السياسية الفورية للأزمة مثيرة للإعجاب، قامت حكومات الاقتصادات الرئيسية ممثلة فى مجموعة العشرين بتنسيق السياسات على المستوى العالمى، وقللت البلدان التى تعانى من مشاكل مصرفية من آثار انهيار القطاعات المالية على الاقتصاد الحقيقى، عبر اتخاذ تدابير مضادة، مثل دعم رأس المال فى القطاع المالى وضمان ديونها وشراء الأصول التى تتبع مؤسسات ذلك القطاع، وخفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة، ثم استعانت بسياسة نقدية غير تقليدية، ودعمت الطلب فى أسواقها بمحفزات مالية كبيرة، وأشارت «لاجارد» لدور صندوق النقد الدولى فى الأزمة، حيث حشدت الدول الأعضاء لتوسيع موارده المالية بشكل كبير، ونتيجة لذلك تمكن الصندوق من تقديم ما يقرب من 500 مليار دولار للبلدان التى تضررت من الأزمة، وتضيف: كما قمنا بضخ مبلغ غير مسبوق بقيمة 250 مليار دولار من السيولة العالمية فى الأنظمة الاقتصادية العالمية، لقد قمنا بتحديث قواعد الإقراض لدينا، للسماح باستجابة أسرع وأكثر مرونة لاحتياجات الدول، بما فى ذلك تقديم قروض بمعدلات فائدة «صفر» للبلدان منخفضة الدخل، ووفقاً لكلام لاجارد فقد تمت إعادة النظر بجدية فى الاقتصاد الكلى، للحصول على أفضل ما فات، بما فى ذلك الروابط المعقدة بين القطاع المالى والاقتصاد الحقيقى، وكان البنك المركزى النيوزيلندى فى تقديره لحجم الخسائر فى 2009 قد أعلن أن حجم الأموال التى فقدت فى أسواق المال العالمية تقدر بنحو 30 تريليون دولار، وهو مبلغ يكفى للقضاء على الفقر فى الدول النامية فى العالم فى غضون عشرة أعوام، وكان صندوق النقد الدولى قد فعّل آلية طوارئ مالية خاصة لمساعدة الدول المتضررة بالأزمة التى تعصف بأسواق المال العالمية، التى كان قد وصفها دومينيك ستراوس، مدير الصندوق حينها، بالأزمة التى جعلت العالم يقف على شفا الركود الاقتصادى، إلا أن كريستين التى كانت تعمل وقتها فى مؤسسة مالية فرنسية، تقول إنه رغم هذه السياسات مجتمعة والعمل الدولى الجماعى لم يكن تفادى الأزمة أمراً مؤكداً، فى أعقاب إفلاس «ليمان»، «كان الجميع يحدق إلى الهاوية»، وتضيف: السياسة الجديدة أيضاً ركزت على توضيح الأخطاء التى أدت إلى الأزمة، وأصبحت البنوك تتمتع بمراكز رأسمال وسيولة أكثر صحة، أما الكيانات خارج الميزانية العمومية فقد تم تقليصها وجلبها تحت مظلة تنظيمية، والبنوك الكبيرة تشدد من قوانينها، وقروض الرهن العقارى الثانوى اختفت إلى حد كبير، كل شىء جيد، ولكن لا يزال غير جيد بما فيه الكفاية، فالكثير من البنوك، خاصة فى أوروبا، لا تزال ضعيفة، وعلى الأرجح أنه لا بد من رفع رأسمال بعض البنوك أكثر، لتصل لمستوى تكون فيه أكبر من أن تفشل، وأيضاً لم يتحقق تقدم كاف حول كيفية حل البنوك الفاشلة، لا سيما العابرة للحدود منها، الكثير من الأنشطة المظلمة تتجه نحو قطاع الظل المصرفى، علاوة على ذلك، يضاف الابتكار المالى المستمر -بما فى ذلك التداول عالى التكرار وFINTECH- إلى تحديات الاستقرار المالى، بالإضافة إلى ذلك، وربما الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق هو مواجهة صانعى السياسات ضغوطاً كبيرة من الصناع للتراجع عن اللوائح التى قاموا باتخاذها للوقوف ضد الأزمات، وقالت «لاجارد» إن هناك مجالاً مهماً آخر لم يتغير كثيراً، وهو الثقافة والأخلاق، موضحة أن القطاع المالى ما زال يضع الربح فوق الحرص أو الحذر، وتضيف: الأخلاقيات ليست مهمة فقط من أجل المؤسسات الخاصة، ولكن الثغرات الأخلاقية لها عواقب اقتصادية واضحة، وقد يكون للتنظيم والإشراف الجيد دور كبير فى هذا الشأن، لكن لا يمكنهما فعل كل شىء، يجب أن يبدأ الإصلاح داخل المؤسسات المالية نفسها.

«فى هذا السياق، سيكون العنصر الرئيسى فى الإصلاح هو زيادة العنصر النسائى فى مجال التمويل»، وفقاً لمدير صندوق النقد، التى اعتبرت أن التنوع الأكبر يؤدى دائماً إلى زيادة التفكير، ما يقلل من إمكانية التفكير الجماعى، كما يؤدى هذا التنوع أيضاً إلى مزيد من الحيطة، مع قلة من عملية اتخاذ القرارات المتهورة التى أثارت الأزمة، المفاجأة التى تثيرها لا جارد فى مقالها هى أنه كلما ارتفعت نسبة النساء فى مجالس البنوك ووكالات الرقابة المالية زاد الاستقرار فى هذه المؤسسات، قائلة: لو كان بنك «الأخوة ليمان» اسمه «الأخوات ليمان»، كان من الممكن أن يكون العالم اليوم مختلفاً كثيراً.

إذن أين نقف فى الذكرى السنوية العاشرة لانهيار بنك ليمان؟

خلاصة كلام «لاجارد» أن ثمة شوطاً طويلاً تم قطعه، لكنه غير كافٍ لجعل النظام آمناً بما يكفى، بعد أن انتعش النمو ولكن لم يتوزع عائد هذا النمو بشكل عادل، وتضيف: مع تعقد الأمور حالياً تحول مشهد الاقتصاد السياسى، وضعف التعاون الدولى للوقوف ضد الأزمات مقارنة بما كان عليه منذ عشر سنوات والدور الذى لعبته مجموعة العشرين وFSB وصندوق النقد الدولى وغيرهم ممن عملوا معاً بشكل جيد خلال العقد الماضى، فى الواقع إن أهمية التعاون الدولى فى مواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين هى أحد الدروس المستديمة للأزمة، وقالت إن العالم يواجه الآن آثاراً جديدة لمرحلة ما بعد الأزمة، من التراجع المحتمل فى التنظيم المالى، إلى التداعيات الناجمة عن التفاوت المفرط، وبزوغ سياسات الحمائية والسياسات الداخلية، والاختلالات العالمية المتصاعدة، واختتمت كلامها قائلة إن كيفية الاستجابة لهذه التحديات ستحدد ما إذا كنا قد استوعبنا الدروس بالكامل من بنك ليمان أم لا، بمعنى آخر لا يمكن تقييم الأزمة المالية التى ضربت العالم بعد عشر سنوات، لأنه ببساطة الأزمة لم تنته حتى الآن.


مواضيع متعلقة