«الطب الشرعى».. الحل «العلمى» لاستبيان الحقيقة وتطبيق العدالة

كتب: طارق عباس

«الطب الشرعى».. الحل «العلمى» لاستبيان الحقيقة وتطبيق العدالة

«الطب الشرعى».. الحل «العلمى» لاستبيان الحقيقة وتطبيق العدالة

إذا كان «الاعتراف سيد الأدلة»، فإن تقرير الطب الشرعى هو الحل السحرى والعلمى لاستبيان الحقيقة، و«مفتاح لغز القضايا» فى الجرائم التى تثير الجدل فى تفاصيلها، والوقائع التى يكتنفها الغموض، وقد يقود ذلك التقرير -مع أدلة أخرى- متهماً إلى حبل المشنقة، أو يخرجه من ظلمات السجن بريئاً إلى الحياة مرة أخرى، وهو ما يُعرف فى القضايا بـ«الأدلة الفنية»، التى تعتمد عليها جهات التحقيق وهيئات المحاكم فى الفصل فى قضايا عديدة، تختبئ الحقيقة فيها، ويكشفها «الطب الشرعى».

مصلحة الطب الشرعى تلعب دور الطبيب الجراح الذى يكتشف ورماً خبيثاً ويخرجه من جسد المريض بحرفية شديدة، ويحسم أطباؤها من خلال الكشف والتشريح والفحص والتحاليل والدراسة كل القضايا التى ترد إليهم لمعرفة طبيعة وفاة شخص، أو الآلة التى قُتل بها آخر، أو العقار الذى أنهى حياة ثالث، والإصابات التى لحقت بغيره، والكثير والكثير من الأدلة التى تقود جهات التحقيق إلى التوصل لتصور واضح لحدوث الواقعة، وتوقيت حدوثها، وبالتبعية تسهل الوصول لمرتكبها.

فى قضايا الرأى العام، دائماً ما تكون هناك رغبة ملحة لدى المتابعين فى معرفة التفاصيل، وفى بعض الأحيان يدخل فريقان من المواطنين فى جدال ونقاش يحمل فيه كل منهما وجهة نظر حول القضية، إلى أن يصدر تقرير الطب الشرعى فيصمت الجميع، وتتضح الحقيقة، وهو ما حدث مؤخراً فى قضية مقتل طفلى الدقهلية، عندما شكك البعض فى اعتراف الأب نفسه الذى أكد قتلهما رمياً فى النيل، حيث أثبت التقرير فيما بعد أن الأب كان قد تعاطى مخدرى الحشيش والترامادول، وأن سبب وفاة الطفلين «إسفكسيا الغرق» وهو ما يؤكد اعترافات الأب بأنه ألقاهما أحياء فى المياه، وأنه كان تحت تأثير إدمان المخدرات التى أصابته بحالة اكتئاب دفعته لقتل طفليه، ليغلق الباب فى القضية بتصديق رواية الأب والشروع فى محاكمته خلال الأيام المقبلة.

{long_qoute_1}

وللطب الشرعى تاريخ حافل بإنجاز وكشف القضايا المثيرة للجدل، التى اهتم بها الرأى العام لفترات طويلة، وكان آخرها قضية مقتل شاب يدعى محمد عبدالحكيم وشهرته «عفروتو»، فى قسم شرطة المقطم، على يد ضابط وأمين شرطة، واتجهت التحقيقات إلى أنه كان يحاول الهرب وعند مطاردته سقط على الرصيف ولقى مصرعه، إلا أن الطب الشرعى أثبت تعرضه للضرب وإصابته بتهتك فى الطحال أدى لوفاته، ما قاد جهات التحقيق لتوجيه اتهام للضابط وأمين الشرطة بضربه حتى الموت، وأحيلا للمحاكمة التى لا تزال مستمرة.

ومن بين القضايا التى حسم الطب الشرعى الجدل فيها بعد أن استمر طويلاً، قضية الطالبة مريم عام 2015، التى عُرفت باسم «طالبة صفر الثانوية العامة»، عندما اتهمت قيادات بالتربية والتعليم بتزوير أوراق إجاباتها، ثم برأهم الطب الشرعى فى النهاية، ثم أعادت الامتحان مرة أخرى وحصلت على مجموع كبير أدخلها كلية الصيدلة لتتفوق فيها.

وربما القضية الأبرز خلال تلك الفترة هى قضية «خالد سعيد» إحدى أشهر القضايا التى ساهمت فى اندلاع ثورة 25 يناير، وهو الشاب الذى قُتل على أيدى اثنين من مخبرى قسم شرطة سيدى جابر بالإسكندرية، فى أكتوبر عام 2010، وتعد من أشهر القضايا التى أثارت جدلاً واسعاً، سواء داخل مصلحة الطب الشرعى، أو خارجها، بسبب الخطأ الذى وقع فيه «الطب الشرعى» نتيجة تكليف طبيب شرعى حديث التعيين بتشريح الجثمان وكتابة تقرير عن سبب الوفاة، وهو ما جعله يقع فى بعض الأخطاء التى تم اكتشافها فيما بعد، وفى النهاية جاء تقرير الطب الشرعى النهائى ليثبت تعرض «خالد» للتعذيب، وتم بناء على التقرير إحالة عدد من أفراد قسم شرطة سيدى جابر إلى الجنايات التى قضت بالسجن 15 عاماً لكل منهم.

أما قضية الشاب السلفى سيد بلال، الذى توفى داخل مقر «أمن الدولة» بالإسكندرية فى يناير 2011 أثناء استجوابه بعد وقوع تفجير «كنيسة القديسين»، وبعد عرض الضحية على الطب الشرعى، فقد ثبت تعرضه للتعذيب والصعق بالكهرباء وتم القبض على عدد من الضباط وإحالتهم للجنايات، التى أصدرت أحكاماً متفاوتة على المتهمين ما بين المؤبد و10 أعوام.

{long_qoute_2}

أيضاً قضية الناشطة السياسية شيماء الصباغ، التى توفيت بطلق «خرطوش» أثناء مشاركتها فى مظاهرة بمنطقة وسط البلد، فى ذكرى ثورة 25 يناير 2015، وبعد عرض جثمان الضحية على الطب الشرعى تبين وفاتها بطلق خرطوش خاص يحمله رجال الداخلية، إضافة إلى تحديد مسافة إطلاق الخرطوش، ورغم إنكار القوة الأمنية التى كانت مكلفة بفض تلك التظاهرة فضلاً عن كونهم ملثمين، عرضت النيابة العامة مقاطع الفيديو على الدكتور هشام عبدالحميد، المتحدث باسم المصلحة ومدير عام دار التشريح فى «زينهم» وقتها، ليحدد الضابط القاتل، ويتم القبض عليه وإحالته إلى الجنايات التى حكمت عليه بالسجن 15 عاماً.

ومن أشهر القضايا أيضاً قضية مجدى مكين، الذى قتل داخل قسم شرطة الأميرية نتيجة التعذيب على أيدى الضابط كريم مجدى، معاون مباحث القسم و3 أمناء شرطة فى نوفمبر 2016، ورغم ادعاء القوة التى ألقت القبض على «مكين» عدم تعذيبه، وإنكار المتهمين الآخرين اللذين كانا بصحبة المجنى عليه وتم ضبطهما معه بعدم تعرضهما للتعذيب داخل قسم الشرطة، فإن الطب الشرعى كان له رأى مختلف، حيث أثبت التقرير النهائى الخاص بسبب وفاة المتهم أنه تعرض للتعذيب.

ومن القضايا التى حسمها الطب الشرعى، كذلك، قضية مقتل طلعت شبيب داخل قسم شرطة الأقصر فى نوفمبر 2015، ذلك الشاب الذى صفعه ضابط شرطة بعد ضبطه، فقام برد الصفعة للضابط، ما دفع الأخير والقوة المرافقة له إلى القبض على «شبيب» وتعذيبه داخل القسم حتى لقى مصرعه، ثم نقلوه إلى المستشفى بدعوى أن وفاته طبيعية، وجاء تقرير الطب الشرعى ليؤكد أن سبب الوفاة هو تعرض المجنى عليه للتعذيب داخل القسم. وأخيراً، كانت قضية «طفلة البامبرز»، الطفلة التى اتهمت أسرتها عاطلاً يبلغ من العمر 36 عاماً باغتصابها، وقررت النيابة العامة عرض الطفلة على الطب الشرعى، ليأتى التقرير بوجود بعض الإصابات والقطع فى المناطق التناسلية وهو ما يؤكد تعرضها للاغتصاب، وبناء عليه قررت النيابة العامة حبس المتهم وإحالته إلى محاكمة عاجلة.


مواضيع متعلقة