«الأب المسكين» رسَّم «إبيفانيوس» راهباً.. والأنبا ميخائيل سيّمه قساً.. والبابا تواضروس اختاره أسقفاً

كتب: مصطفى رحومة

«الأب المسكين» رسَّم «إبيفانيوس» راهباً.. والأنبا ميخائيل سيّمه قساً.. والبابا تواضروس اختاره أسقفاً

«الأب المسكين» رسَّم «إبيفانيوس» راهباً.. والأنبا ميخائيل سيّمه قساً.. والبابا تواضروس اختاره أسقفاً

فى أسرة تتصف بالتدين والارتباط بالكنيسة تربى «تادرس»، الذى وُلد فى 27 يونيو عام 1954، بمدينة طنطا، فى محافظة الغربية، وسماه والده «زكى تادرس»، عضو مجلس كنيسة مارجرجس بالحمرة، على اسم جده.

الابن «كان يتصف بالذكاء المتوقد والبساطة وحب الاطلاع»، هكذا وصفه الراهب يوحنا المقارى، رئيس تحرير مجلة مرقس الناطقة بلسان دير أبومقار، مضيفاً: كان خادماً بكنيسة مارجرجس التى بجوار سكنهم، وقد أُسندت إليه مسئولية مكتبة استعارة الكتب فى أوائل السبعينات، حتى شب تادرس والتحق بكلية الطب، وكان خادماً نشيطاً بالكنيسة، يأخذ مجموعات صغيرة من الشباب ويقومون برحلات إلى أديرة وادى النطرون، ومنها دير أبومقار الذى كان فى هذا الوقت فى مرحلة إعادة إعماره، قبل أن يتعلق «تادرس» بالدير، ويداوم على زيارته، لا سيما مع بدء تعرفه على الأب متى المسكين، خاصة خلال «أسبوع الآلام».

{long_qoute_1}

وأضاف يوحنا: «بعدما تخرّج الدكتور تادرس من كلية الطب عام 1978 وأمضى سنة التكليف بإحدى محافظات الوجه البحرى، ثم تعيينه طبيباً مقيماً (نائب أنف وأذن وحنجرة) بمستشفى سوهاج التعليمى، ازدادت فترة تردده على الدير، حتى اتخذ قراره النهائى بدخول الدير».

وتابع يوحنا المقارى أنه «حينما استقرت رغبة الدكتور تادرس وأحد زملائه على دخول الدير، التقيت بهما عند بوابة الدير وجلست معهما، وبعدها طلبا مهلة بسيطة لتصفية متعلقاتهما، واعتذرت لهما عن عدم إمكانية مبيتهما بالدير لظروف خاصة ووصلتهما حتى الأوتوبيس الصحراوى، ولكن ما هو إلا أسبوع حتى عاد الأخ تادرس إلى الدير، وبعد أسبوع آخر حضر زميله، وصباح الاثنين الذى وافق أول أيام الصوم الأربعينى المقدس عام 1984 تم إلباسهما زى الابتداء البنى بيد الراهب الراحل القمص كيرلس المقارى».

وأوضح رئيس تحرير مجلة مرقس أن الأخ تادرس بدأ عمله فى الدير فى حظيرة تربية الدواجن البياضة فى عنبر البيض، بجانب مساعدته للأطباء فى خدمة المرضى من الرهبان والعمال، ولشغفه الشديد بالقراءة والاطلاع لفت انتباه الأب الروحى للدير القمص متى المسكين فنقله بعد فترة للعمل فى المطبعة، ورُسم راهباً فى نهاية الصوم الأربعينى المقدس «ليلة سبت النور» عام 1984، مع 8 رهبان آخرين، وأطلق الأب متى المسكين عليه اسم الراهب إبيفانيوس، وهو اسم معناه «الطهور الإلهى»، وبعد ذلك أُسندت إليه مهمة مساعدة الرهبان المشرفين على مكتبة الدير التى تضم مراجع ومخطوطات تعود للقرن السابع الميلادى.

وتابع يوحنا أن الأب متى المسكين اختاره مع 8 رهبان آخرين لرسامتهم قسوساً بيد الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل، والذى كان رئيساً على الدير، وذلك فى 17 أكتوبر 2002.

وكان الراهب إبيفانيوس مرافقاً للأب متى المسكين فى رحلته العلاجية بأمريكا عام 1997، كما رافق الراهب يوحنا المقارى فى رحلتَى علاجه لألمانيا أواخر 2002، وكان يتابع الرهبان الذين كانوا فى مراحل خطيرة من مرضهم ويعمل على خدمتهم حتى وفاتهم.

وبعد جلوس البابا تواضروس على الكرسى البابوى، أبدى الأنبا ميخائيل رغبته فى الاعتفاء عن رئاسة الدير، وتم عمل اقتراع سرى بين الرهبان، ووقع اختيارهم على القس إبيفانيوس بأغلبية الأصوات، وأيد هذا الاختيار الأنبا ميخائيل، والتقى البابا لأول مرة معه يوم 26 فبراير 2013، وأوصاه بوصية محددة، «أن يعيد لدير القديس أنبا مقار صورته المشرقة الأولى، ويلم شمل الدير».

وسيم الأنبا إبيفانيوس أسقفاً على الدير يوم 10 مارس 2013، وهو من أول رسامات البابا تواضروس، واستمر الأسقف بعد ذلك يشرف على مكتبة الدير الرئيسية وكتابة المقالات لمجلة مرقس ومجلة مدرسة الإسكندرية ربع السنوية، وله مؤلفات متعددة.

وعن حياته داخل الدير يقول الراهب يوحنا المقارى: «كان يعيش بيننا فى زهد وتجرد تام عن كل مظاهر الأسقفية، ببساطة الرهبان، بلا عمامة ولا عصا ولا صليب ذهبى، ولم يكن يسمح إطلاقاً لأحد بتقبيل يده أو السجود له تكريماً لرتبته الكهنوتية، ولا حتى إجراء الطقوس الخاصة بالأساقفة عند حضوره الكنيسة». ويضيف يوحنا: «الأسقف الراحل كان جريئاً فى الحق، يتصدى لإظهار الرأى الصائب فيما تختلف فيه الآراء أحياناً فى بعض القضايا التى تعوق وحدة الكنائس واتحاد الرأى فى أمور لا تحتمل الاختلاف، إذ لها إثباتاتها المفحمة من المراجع الأصلية والمخطوطات»، مشيراً إلى أنه سمع له حديثاً جريئاً قاله فى المجمع المقدس عن رأيه فى علاج الرهبنة من الداء الذى ألمّ بها وهو الرسامات الكهنوتية وتهافت الرهبان عليها وأن الأمر لم يكن كذلك فى بداية الرهبنة، حتى إن الرهبنة الباخومية لم تكن تسمح لرهبانها بالكهنوت إطلاقاً، أما رهبنة القديس مقاريوس فكانت تكتفى بعدد محدود للغاية لا يزيد على 8 كهنة لأربعة آلاف راهب فى كل البرية.

وتابع «يوحنا»: سُئل الأنبا إبيفانيوس مرة فى مؤتمر بوزى بإيطاليا عام 2015 عن رأيه بخصوص انقسام الكنيسة، فرد: «أنا لست لاهوتياً ولا أفهم فى الانقسامات، وأفهم فقط فى وحدة الكنيسة».

وعن مقتله يقول الراهب يوحنا: «استشهد وهو فى طريقه إلى الكنيسة لإقامة القداس الإلهى، وعلى بُعد ما يقرب من عشرة أمتار من قلايته (سكنه)، وكان يعرف أنه مستهدف ومهدد، ولكنه لم يطلب نجدة من أحد، وخرج وحده من قلايته ليقدم نفسه ذبيحة فى ديره».

أما الراهب باسيليوس المقارى، فيشير إلى أن «الخبر المؤسف وغير المتوقع بقتل رئيس الدير منتصف ليل 29 يوليو الماضى، لم نستطع استيعابه، وكنا فى حيرة وتساؤل، وكانت صدمة نبحث لها عن تفسير، ولكن لم نصل لنتيجة». ويصف الراهب باسيليوس الأسقف الراهب بالمتواضع والوديع، الذى لم يكن يلبس سوى ثوب الرهبان، ولا يقبل أن يقبّل أحد يده أو يسجد له «مطانية»، لافتاً إلى أن السجود للأسقف أو لأى شخص بسبب مركزه الدينى ليس أساساً إنجيلياً أو كنسياً، بل تسلل للكنيسة فى أيام الحكم العثمانى، ومعه تسرب لقب «سيدنا».

ويشير الراهب باسيليوس إلى اهتمام الأنبا إبيفانيوس بخدمة الرهبنة، حيث اهتم بإرسال بعثات من بعض الرهبان المحبين للتعليم اللاهوتى إلى الجامعات الكبرى فى العالم، كما شيد مبنى خاصاً للخلوة الروحية بالدير يتسع لأكبر عدد من الزوار الذين يقصدون الدير للتأمل والصلاة.


مواضيع متعلقة