مجمع التحرير.. زحام وخناقات فى رحلة البحث عن «ختم النسر»

مجمع التحرير.. زحام وخناقات فى رحلة البحث عن «ختم النسر»
- أشعة الشمس
- البوابة الرئيسية
- الدول العربية
- الشمس الحارقة
- جوازات سفر
- ساعة ونص
- ساعة يد
- شركات القطاع الخاص
- عقارب الساعة
- أبواب
- أشعة الشمس
- البوابة الرئيسية
- الدول العربية
- الشمس الحارقة
- جوازات سفر
- ساعة ونص
- ساعة يد
- شركات القطاع الخاص
- عقارب الساعة
- أبواب
عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً يبدأ مجمع التحرير فى فتح أبوابه لاستقبال زواره من جميع الجنسيات.. طوابير طويلة، تصطف أمام البوابة الرئيسية وتمتد إلى الساحة الخارجية لتوضح حجم المعاناة اليومية التى يعيشها رواد المجمع.
10 ساعات هى المدة التى يقضيها بدوى أحمد، 40 سنة، ذهاباً وإياباً من مسقط رأسه فى مركز سمالوط بالمنيا، إلى مجمع التحرير بوسط القاهرة لإنهاء إجراءات أوراق خاصة به استعداداً لسفره إلى السعودية، بعد أن وفر له صديقه الذى يعمل هناك «فرصة العمر» كما يسميها، لتحسين دخله بشكل كبير، يدق جرس المنبه وتشير عقاربه إلى الواحدة صباحاً ينهض بدوى من الفراش ويرتدى ملابسه على عجالة مودعاً زوجته وأولاده، ثم يستقل «ميكروباص» ليصل إلى محطة القطار الذى عادة لا يكون موجوداً فى مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، مما يضطر «بدوى» لركوب مواصلة أخرى إلى محطة القطارات بمدينة المنيا ومن هناك يستقل القطار المتجه إلى القاهرة ليبدأ رحلة الشقاء، على حد تعبيره.
جلس صاحب الـ40 عاماً تحت أشعة الشمس الحارقة خارج المجمع على الرصيف المقابل للبوابة الرئيسية، ليسرد معاناته التى بدأها منذ شهر تقريباً، وقال: «خلصت ورق السفر كله بعد ما استحملت معاملة مهينة من الموظفين وطلعت ونزلت الـ8 أدوار بتوع المجمع 10 مرات تقريباً عشان آخد ختم أو أسلم ورقة لموظف» وتساءل بحزن: «مش عارف ليه مابيقولوش طلباتهم كلها مرة واحدة بدل ما إحنا طالعين نازلين كدا؟!».
{long_qoute_1}
وأضاف: «دلوقتى سفرى متعطل عشان شهادة التحركات وبقالى شهر دايخ وباسافر كل يومين عشان أشوفها خلصت ولا لأ وأستعجلهم»، وتابع الرجل الأربعينى بعد أن تصبب جبينه عرقاً وأنهكه التعب: «الموظف يقدر يخلص الورقة دى فى يومين بدل الشحططة والبهدلة، يعنى يرضى مين أسافر من المنيا للقاهرة عشان ورقة وموظف مكسل يشوف شغله».
يراقب «بدوى» ساعة يده وينفث دخان سيجارته من تحت شاربه الكثيف علَّه يزيح جزءاً من همومه، وواصل الحديث قائلاً: «الوقت بدرى لسه الساعة 12 وأنا ميعادى فى تسلم الورق الساعة 2 فقلت أطلع بره عشان أشم شوية هوا وماضطرش أتخانق مع حد من الموظفين اللى سايبين الناس واقفة طوابير وقاعدين يهزروا ويضحكوا، أنا راجل أرزقى يعنى شغال باليومية والفلوس على القد وماقدرش على مصاريف السفر بتاعة كل يوم، يعنى لازم يكون فى رحمة شوية بالناس».
«الموظفين دول فاكرينا شغالين عندهم ولا ساكنين فى الشارع اللى وراهم عشان يودونا ويجيبونا كل يوم على حاجات ممكن تخلص فى نفس اليوم»، كلمات خرجت بحزن من سعدية عبدالحميد، التى تعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص، وجاءت من مدينة نصر إلى المجمع للحصول على ختم لا يتعدى وضعه على الورق ثوانى معدودة، وكلفها صعود 5 أدوار على السلم رغم استنادها على عكاز خشبى يساعدها فى المشى، نظراً للعدد الكبير المنتظر أمام الأسانسير الذى يعمل بنصف طاقته بسبب تعطل الأسانسير الآخر، وأضافت: «أنا مستعجلة وعشان أستنى دورى فى ركوب الأسانسير مش هخلص»، لكنها بعد صعودها للطابق الخامس فوجئت بالموظف جالساً خلف الشباك يتناول وجبة غدائه وأشار لها بيده أن وقت العمل قد انتهى.
وقالت «سعدية» بانفعال وغضب شديد: «يعنى إيه تكون الساعة لسه 12 ونص الضهر وفاضل ساعة ونص على قفل الشباك وألاقى الموظف بيقول لى لأ يا مدام خلصنا شغل وابقى تعالى بكرة بدرى؟!، حاولت أفهمه إنى عايزة ختم بس وده مش هياخد وقت، لقيته قال الكلمتين دول وقام قعد بعيد يكمل أكل، وبقالى يومين واخدة أجازة من شغلى بالخصم وقلت مش مشكلة بس أخلص الورق، ولما آجى ألاقى المعاملة بالشكل ده يبقى المفروض أعمل إيه».
موقف مؤثر تعرض له المسن اليمنى، أنعم عبدالرازق، 74 عاماً، عندما سأل عن سبب التأخير فى تخليص الأوراق، بعدما أرهقه الوقوف من 10 صباحاً حتى 12 ظهراً فى طابور طويل أمام الشباك للحصول على ختم دخول مواطنى الدول العربية، فقام الموظف بالاشتباك معه، وتطور الأمر حيث قام الموظف بإلقاء حافظة الأوراق الخاصة به على الأرض فتبعثرت محتوياتها، واضطر العجوز السبعينى الذى انحنى ظهره إلى الجلوس على الأرض ليلملم أوراقه من تحت أقدام المارة، ولم يكتف الموظف بذلك بل وجه له وابلاً من الكلمات العنصرية قائلاً: «انت هتتنك علينا كمان، يعنى مش كفاية بنخلص لكو الورق وجاى تتأمَّر علينا، اتفضل اقف فى آخر الطابور عشان تبقى تعرف تعلمنا نشتغل إزاى»، ولم يجد الرجل العجوز حلاً سوى الامتثال لرغبة الموظف وذهب للوقوف فى آخر الصفوف امتثالاً للأوامر خوفاً من تعطيل أوراقه لأسابيع أخرى.
أمام المكاتب الخاصة بالجنسيات غير العربية، وقف الوافدون والعرب فى طوابير طويلة ممسكين بجوازات سفرهم فى محاولة لتحريك الهواء أمام وجوه أطفالهم الذين دخلوا فى حالة من البكاء والصراخ بسبب الزحام والحر الناتج عن تعطل المراوح، ما أدى إلى حالة من الغضب بسبب عدم حضور الموظف الخاص بشباك الأختام منذ التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ونشبت مشادات كلامية تخللتها لهجات شامية وأفريقية بين الواقفين فى الطوابير وبين الموظفين بسبب إرسالهم من مكتب لآخر من أجل الحصول على الختم.