نساء الشتات فى مجمع التحرير الحصول على الإقامة وتجديدها قطعة من عذاب لا ينتهى

نساء الشتات فى مجمع التحرير الحصول على الإقامة وتجديدها قطعة من عذاب لا ينتهى
- إهمال الموظفين
- الأراضى المصرية
- الحدود البرية
- اللون الأبيض
- المدارس المصرية
- تأشيرة دخول
- جنسيات مختلفة
- حقيبة يد
- سى فى
- عبور الشارع
- إهمال الموظفين
- الأراضى المصرية
- الحدود البرية
- اللون الأبيض
- المدارس المصرية
- تأشيرة دخول
- جنسيات مختلفة
- حقيبة يد
- سى فى
- عبور الشارع
فى قلب ميدان التحرير وأمام ساحة مجمعه اجتمع حشد كبير من مختلف الأجناس والأعمار امتدت صفوفهم حتى بوابات مجمع التحرير الضخمة فى انتظار دورهم للدخول، ولكن الوضع كان لافتاً بالنسبة للسوريين الذين قاموا بحجز دور أمام نوافذ المجمع الخارجية على طريقتهم الخاصة، حيث افترشوا الأرض أمام المبنى منذ الليل أملاً فى قبول أوراقهم.
{long_qoute_1}
سنة ونصف من العذاب قضتها ميساء محمد صاحبة الـ42 عاماً فى التردد أسبوعياً بين محل إقامتها فى شقة صغيرة بالحى السادس فى مدينة 6 أكتوبر، ومجمع التحرير بمنطقة وسط البلد لإنهاء إجراءات استخراج وتجديد إقامتها لمدة سنه أخرى، ظروف الحرب فى دمشق وريفها دفعت ميساء إلى ترك مسقط رأسها ومحل سكنها ومغادرة سوريا بأكملها تاركة خلفها زوجها وأولادها واضطرت للرحيل إلى مصر تهريباً عن طريق الحدود البرية السودانية فى أكتوبر عام 2016 لعدم قدرتها على استخراج تأشيرة دخول، فرضتها مصر أواخر عام 2013، لتبدأ ميساء فى مصر رحلة العناء منذ أن وطئت قدماها الأراضى المصرية بأيام قليلة بداية من استخراج كارت اللجوء من مفوضية اللاجئين فى الزمالك مروراً بوزارة الخارجية لتقديم طلب استخراج إقامة استمر قرابة الـ45 يوماً للحصول على الموافقة وليس انتهاء بالتوجه لمجمع التحرير لإنهاء الإجراءات والوجود فى مصر بشكل قانونى يضمن للسيدة الأربعينية جميع حقوقها «إجراءات الورق هون كتيرة جداً ومرهقة وممكن تختصر يعنى ليه أقعد أنتظر بالـ40 يوم وبعض الأحيان بتوصل للشهرين عشان آخد ميعاد على شباك الإقامات الخارجى اللى المفروض يحدد لى ميعاد عشان أدخل المجمع وجواه مأساة تانية وشهور عشان تطلع الإقامة».
تتجسد معاناة ميساء بالاستيقاظ فى الخامسة صباحاً لتصلى الفجر وترتدى ملابسها، وفى كثير من الأحيان لا يسعها الوقت لتتناول إفطارها فتحمل فى حقيبة يدها زجاجة ماء وعدداً من التمرات تتناولها فى طريقها إلى المجمع: «هاى أول مرة أجدد فيها الإقامة لأن المرة اللى فاتت استخرجتها بس وتسلمتها بعد 9 شهور وهلا ما بعرف امتى راح أستلمها، أنا ضيفة دايمة عند المجمع وكل الموظفين تقريباً صاروا بيعرفونى والمرة اللى فاتت ما لحقت أستلم الإقامة وبدأت مرة تانية فى إجراءات تجديدهاعشان ماتتأخر وأضطر أدفع غرامة».
بخطوات سريعة تتوجه ميساء إلى مجمع التحرير لحجز دور أمام النافذة الخارجية لإنهاء إجراءات معينة قبل السماح لها بالصعود إلى الطابق الأول فى المجمع، وفى الطابق الأول كانت الأعداد ضخمة ولم يكن هناك مكتب محدد لاستخراج الأوراق الخاصة بالسوريين، فكانت النوافذ تخدم جميع الوافدين من جنسيات مختلفة، وأمام إحدى النوافذ الخاصة بتجديد الإقامات الواقعة على جانب واحد من الممرات المكتظة بالناس امتد طابور طويل وقفت السيدة الأربعينية فى منتصفه تحمل أوراقها داخل حافظة صفراء منتظرة دورها، وخلف النافذة جلس موظف خمسينى وقد زحف اللون الأبيض على ما تبقى من شعره، مختص فى ختم الأوراق، يتناول إفطاره ويشرب كوب قهوته الصباحى غير مبالٍ بالأعداد التى تقف منذ أكثر من ساعتين للحصول على ختم لا يتجاوز مدة طبعه على الورق ثانيتين، ما اضطر عدداً كبيراً من الواقفين فى الطابور من النساء وكبار السن إلى ترك أماكنهم والجلوس على الأرض لانشغال المقاعد ولحين حلول دورهم.
ينهض الرجل بمعدل كل 20 دقيقة ليدخن سيجارته بعيداً عن الطابور احتراماً للافتة التى علقت أعلى مكتبه، والتى تنص على منع التدخين فى المكان، وتزامناً مع الانتهاء من سيجارته الأخيرة كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً ليلملم الرجل متعلقاته على عجل وينهض مسرعاً نحو باب الخروج، معلناً انتهاء فترة عمله لهذا اليوم ومتجاهلاً الأعداد المنتظرة أمام نافذته لتنفض الطوابير، تدير ميساء ظهرها للمجمع مستقبلة بابه الخارجى بوجه عبوس وصوت يخنقه البكاء لا يكف عن ترديد «لا حول ولا قوة إلا بالله»، تستقبلها صديقتها يمان عبدالله، 30 عاماً، فى الساحة الداخلية للمجمع بابتسامة مصطنعة لتخفف عن رفيقتها عناء اليوم «كل يوم على هالحال يا إما الموظف يمشى قبل ميعاده أو مثلاً يرجعك عشان فيه ورقة ناقصة مع إنه ما بيطلبها أصلاً وتتفاجئى بيها لما ييجى الدور عليكى».
{long_qoute_2}
تستند ميساء إلى صديقتها الشابة التى رافقتها رحلتها من البداية لنفس السبب، تفضفض لها عما لاقته من معاناة داخل أروقة المبنى دون جدوى فى إيجاد حل لمشكلتها، وهو الأمر الذى لا يخفى على يمان التى كانت وما زالت لها صولات وجولات داخل المكان، ملقية عليها هموم اليوم الطويل، يدور حديث بين الصديقتين وتمازح يمان صديقتها: «شو رأيك أوديكى الملاهى لحتى تنسى اللى صار هون ولا أحكيلك ما راح تلحقى تنسى لأنك بتخلصى لعب وتيجى بسرعة هنا تحجزى دور» تبتسم ميساء وتمسك بيد رفيقتها لعبور الشارع فى طريقهما للعودة إلى منزلهما استعداداً ليوم جديد من الشقاء، ورغم وجود مكتب خاص لاستخراج الوثائق للسوريين فى مدينة 6 أكتوبر إلا أن السيدة الأربعينية تفضل المجمع عن غيره، لأنه ورغم ما تتعرض له من إهمال الموظفين فى إنهاء الأوراق فإنه لا يقارن بما يتعرضون له فى مكتب أكتوبر من إهانة وتعطيل للورق بشكل مبالغ فيه دون إبداء أية أسباب، ما اضطرها إلى دفع غرامة تبلغ 3050 جنيهاً بسبب تأخير التجديد، وهو الأمر الذى تقول عنه: «ما إلى يد فيه بس شو أعمل راح أدفع وأنا ساكتة»، وتضيف أنها ورغم ما تتعرض له فإنها محظوظة كون نجلها ابن الـ13 عاماً طالباً فى المدارس المصرية، لأنه لولاه لما تمكنت من استخراج إقامة لمدة سنة كونها والدته مضيفة: «كان زمانى ما عرفت أطلع إقامة أو على أحسن الظروف كنت راح أكون زى أغلب السوريين اللى هون إقامتهم 6 شهور بس، وبناء على هيك كل مصالحك بتتعطل لأن هاى المدة قصيرة كتير ما بتلحق تعمل فيها أى شىء».
«ميساء» أمام المجمع