حمى التنقيب عن الآثار تجتاح القليوبية.. «الدير وسنديون والقناطر» أكثر مواقع البحث عن الوهم
المتهمون بالتنقيب عن الآثار بعد إلقاء القبض عليهم
اجتاحت «حمى» البحث عن الآثار العديد من قرى القليوبية، خلال الفترة القليلة الماضية، من أجل تحقيق «وهم» الثراء السريع، الأمر الذى أصبح يشغل اهتمام الأجهزة الأمنية بالمحافظة، والتى تمكنت خلال الـ6 شهور الأخيرة، من القبض على أكثر من 35 شخصاً من المتهمين بالتنقيب عن الآثار، وفقاً لإحصائيات رسمية، بالإضافة إلى سقوط عدد من الضحايا فى بعض القرى، لعل آخرها ما حدث فى قرية «الدير»، التابعة لمركز طوخ، وقبلها قرية «رمادة»، بدائرة مركز قليوب، فضلاً عن أن عشرات المنازل أصبحت مهددة بالانهيار فوق رؤوس ساكنيها، بسبب أعمال الحفر تحتها، من ضمنها ما يزيد على 120 منزلاً بقرية «سنديون»، التابعة لمركز قليوب.
وبينما حذر تقرير هندسى لمجلس مدينة قليوب من «كارثة محققة» بمناطق التنقيب عن الآثار، وأوصى بضرورة إخلاء تلك المناطق، وإعادة إعمار المنازل من جديد، حفاظاً على أرواح السكان، فقد اضطر محافظ القليوبية، اللواء محمود العشماوى، إلى الاستعانة بعدد من رجال الأعمال، من أبناء المحافظة، لتحمل تكلفة صيانة المنازل المهددة، قبل وقوع «الكارثة»، إلا أن عمليات البحث عن «الموت السريع» فى باطن الأرض، لم تتوقف فى كثير من قرى القليوبية.
دجالون يخدعون ضحاياهم بأجهزة رؤية «صينية».. عشرات المنازل مهددة بالانهيار.. و35 متهماً بقبضة الأمن فى 6 شهور.. و«السيد»: 4 أسر رفضت إخلاء منازلها الآيلة للسقوط
«شوف لك شيخ يطلع الكنز»، جملة انتشرت بين العديد من الأهالى فى مناطق البحث عن «الوهم» فى مختلف أنحاء القليوبية، وأصبحت بمثابة كلمة السر لدخول عالم التنقيب عن الآثار، والانضمام إلى طابور طويل من الواهمين والحالمين بالثراء السريع، ضاربين عرض الحائط بالتاريخ والإرث الإنسانى والحضارى، الذى تُعد مصر بفضله فى مقدمة دول العالم بكنوزها الفريدة، حيث تمتلك أكثر من ثلث آثار العالم.
مصدر أمنى رفيع المستوى بإدارة البحث الجنائى بمديرية الأمن كشف لـ«الوطن» أن القليوبية تعد من أكثر المحافظات التى تشهد أعمالاً غير مشروعة للتنقيب عن الآثار، حيث سجلت ضبط أكثر من 35 شخصاً فى غضون الـ6 شهور الأخيرة، لاتهامهم بالتنقيب عن الآثار.
«محمد عبدالهادى»، خبير أثرى من أبناء المحافظة، أكد أن أشهر المواقع التى تشهد أعمال تنقيب عن الآثار منطقة «أتريب»، بمدينة بنها، التى ألقى فيها مؤخراً القبض على 10 أشخاص، لقيامهم بالتنقيب أسفل أحد المنازل بالمنطقة، والغريب أنهم كانوا ينقبون عن الآثار فى غرفة تم شراؤها بمبلغ 450 ألف جنيه، وكشف عن أن بعض الدجالين وسماسرة التنقيب عن الآثار يوهمون ضحاياهم من الحالمين بالثراء، بوجود الآثار عن طريق استخدام أجهزة رؤية، يتم جلبها من الصين، تعطى صوراً مجسمة لنقوش فرعونية ومقابر وهمية، لخداع أصحاب المنازل أو الراغبين فى المتاجرة بالآثار، ليتضح أن ذلك الحلم ما هو إلا «سراب»، بعد سقوطهم فى قبضة الأمن.
وشهدت مدينة القناطر الخيرية واقعة مأساوية، راح ضحيتها سيدتان وأحد الدجالين، أثناء محاولتهم التنقيب عن الآثار داخل منزل قديم ومهجور بإحدى القرى، حيث أشعل الدجال نيراناً كثيفة لوضع البخور عليها، بزعم «استحضار الجن لإخراج كنز من أسفل المنزل»، ليلقوا جميعهم مصرعهم خنقاً نتيجة استنشاق الدخان، بينما كشفت واقعة انهيار حفرة على رأس عامل نظافة، أثناء محاولته التنقيب عن الآثار أسفل أحد المنازل بقرية «الدير» بمركز طوخ، مما أسفر عن وفاته فى الحال، عن وجود عدد من السراديب أسفل عشرات المنازل بالقرية، فى دلالة واضحة على أن معظم منازل القرية يستخدمها أصحابها، أو يقومون بتأجيرها لـ«سماسرة» التنقيب عن الآثار.
«عشماوى»: حراسة مشددة على أماكن التنقيب وإخطار «الآثار»
وفى قرية «سنديون»، التابعة لمركز قليوب، يعتقد عدد كبير من الأهالى أنها تعج بالآثار، خاصةً فى منطقة «العلوة»، التى يقول سكانها إنها «ربوة من الكنوز الأثرية»، انطلاقاً من أسطورة قديمة تناقلتها الأجيال، تقول إن المنطقة تعرضت للخسف فى القرون البعيدة، وكان أهلها يمتلكون الكثير من الكنوز، التى دُفنت معهم تحت الأرض، مما دفع عدداً كبيراً من الأهالى، الكبير والصغير والغنى والفقير، للبحث عن الآثار بها، الأمر الذى أصاب كثيراً من المنازل بالتصدع.
«صلاح حسب الله»، أحد أهالى «سنديون»، أكد أن اسم القرية يعنى باللغة الهيروغليفية «معبد الإله يون»، مشيراً إلى وجود عدد من الروايات حول المنطقة التى سُميت بـ«العلوة»، لأنها أعلى منطقة بالقرية، ويُعتقد أنها كانت موقعاً لأحد الأهرامات، مما زاد من اعتقاد الأهالى بوجود كنوز وآثار تحتها.
وفى المقابل، رفض عدد من أصحاب تلك المنازل اتهامهم بالتنقيب عن الآثار أسفل منازلهم، وأكدوا أن تلك المنازل آيلة للسقوط نتيجة ارتفاع مياه الصرف الصحى والمياه الجوفية تحتها، الأمر الذى دفع لجنة المنشآت الآيلة للسقوط لمطالبتهم بإخلاء منازلهم لإزالتها، بعد أن أصبحت تمثل خطراً على أرواحهم.
ومن جانبها، قالت رئيس مدينة قليوب، الدكتورة عزيزة السيد، إنه تم إخلاء وتسكين 10 أسر من أهالى منطقة «العلوة» بقرية «سنديون»، بعد أن أصبحت منازلهم تشكل خطراً على أرواحهم، بعد توفير شقق بديلة لهم فى سنديون ومدينة قليوب، على أن تتحمل المحافظة قيمة الإيجار، بينما رفضت 4 أسر الإخلاء، وقاموا بتوقيع إقرارات بتحملهم المسئولية.
وأكد محافظ القليوبية، اللواء محمود عشماوى، أن أى منزل يثبت قيام أصحابه أو مستأجريه بأعمال حفر أسفله، بغرض التنقيب عن الآثار، يتم تعيين حراسة مشددة عليه، وإخطار المسئولين بهيئة الآثار، لفحص المكان، وحذر المحافظ من خطورة الظاهرة، مطالباً المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أى أنشطة من هذا النوع، من أجل الحفاظ على أرواح المواطنين، وحماية الثروة العقارية، ومنع تكرار كوارث انهيار أماكن التنقيب، وسقوط ضحايا بها.
جانب من أعمال التنقيب عن الآثار