لقاء فى المركز الثقافى
هاجم تابعون لجماعة الإخوان، فى فرنسا، المركز الثقافى المصرى مرتين فى أواخر الشهر الماضى: مرة لإفشال ندوة للكاتبة غادة الوكيل، التى كتبت عمّا تعرضت له من تطاول وألفاظ تستحى منها البذاءة، ومنعها «الناس بتوع ربنا» من التواصل مع المواطنين المصريين الذين جاءوا للاستماع إلى تجربتها وأفكارها، وخرجت الكاتبة فى حراسة الشرطة الفرنسية.
المرة الثانية كانت ضد الفنان رمسيس مرزوق أثناء عرض فيلمه التسجيلى القصير عن الأحداث التى شهدتها بلادنا بعد الإطاحة بحكم محمد مرسى وجماعته، وإن كان لا يزال «الأهل والعشيرة» منتشرين فى العديد من مفاصل الدولة. كان الهجوم على مخرج الفيلم شرسا وعنيفا؛ فهو فنان، والفن عندهم أصلا حرام، ويعرض فيلمه فى المركز الثقافى، والثقافة رجس من عمل الشيطان!! وقامت الشرطة الفرنسية بحماية الرجل، وألقت القبض على عدد من المهاجمين. ويوم الخميس الماضى دعانى المركز الثقافى للقاء مع جمهور معظمه من المصريين، وكنت قد سمعت عما جرى لغادة الوكيل ورمسيس مرزوق، لكنى وافقت، دون لحظة تردد واحدة، وبالطبع هلّ أعداء الثقافة والفن والإعلام، ومن ثمّ، أعداء الحياة وكارهو أم الدنيا، واستماتوا لدخول المركز، لكن الشرطة الفرنسية، بعد تجربتها مع «احترامهم» للحوار، رفضت السماح لهم بالدخول، وبعد مناقشات، تذكروا خلالها أنهم «مصريون» ومن حقهم دخول المركز المصرى، تمسكت الشرطة بمنعهم.. كان الهم الأكبر لكل من حضر الندوة هو كيفية وقف نزيف الدم واستهداف جيشنا وشرطتنا وأزهرنا وكنيستنا، وباختصار، استهداف مصر الوطن. معظم الأسئلة كانت عن الإعلام ودوره فى المرحلة الدقيقة التى تمر بها مصر، كانت الأسئلة تعكس قلقا واضحا حيال عدم مواجهة مرتكبى الاغتيالات وأعمال الحرق والتخريب، مواجهة حاسمة ووفق القواعد القانونية، خاصة وقد كان اللقاء غداة حدثين كان لهما أثر بليغ فى نفوس كل المصريين، فما بالك بما تضيفه الغربة، وهم يسمعون عن إحراق علم مصر واغتيال أكثر من عشرة جنود وإصابة العشرات منهم فى سيناء؟ عبّرت لهم عن اعتقادى أن ما يفعله الإخوان الآن دليل إفلاس وهو أيضا نوع من الغباء السياسى. وإلا كيف يتوقعون ألا يزداد الرفض المصرى لهم، بعد كل جرائمهم ومن أكثرها رمزية حرق العلم الوطنى؟ صحيح أنهم لا يعترفون بقيمة الوطن، لكن الصحيح أيضا أن قصورهم عن إدراك حب المصريين لوطنهم إلى حدّ الاستشهاد كان العامل الأساسى فى وضعهم فى خانة الأعداء.. وكان الناس يستشهدون بإعلان حالة استنفار قصوى فى صفوف شرطة باريس لإلقاء القبض على رجل يدعى عبدالكريم ديخار، اقتحم مقر جريدة «ليبراسيون» وكذلك مقر قناة تليفزيونية وأطلق النار من بندقيته فأصاب مصورا صحفيا بجراح. وبعد أربع وعشرين ساعة، وقع «عبدالكريم» فى قبضة البوليس، وهو الآن قيد التحقيق.. كانت هناك ملاحظتان بهذا الصدد، الأولى: أن الدولة كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى ولم تتراخَ بعد أن لاذ الرجل بالفرار، والملاحظة الأخرى: أنه كان يتحرك وحده، وليس فى مجموعات كما بتنا نشاهد الآن وفى مشهد من أعجب ما يمكن رؤيته.
من ناحية أخرى، تساءل البعض عن التناقض الصارخ أحيانا فى الدول الغربية، التى تعلن التعبئة العامة حال خرق أى فرد فيها للقانون، بينما تطالبنا نحن بالصبر على الإرهابيين القتلة واستمرارهم فى ترويع خلق الله، ويتناوب المسئولون فيها على «إسداء النصح» بالتحاور معهم.. المهم أن الندوة مرت بسلام وتلقيت اتصالا هاتفيا رقيقا من السيد السفير يرحب بى ويعبر عن أسفه لعدم الحضور لارتباطه بواجب دبلوماسى، بينما حضر ثلاثة من أعضاء السفارة والعاملين بالمركز.. تذكرت كيف كان المركز الثقافى المصرى، فى السبعينات والثمانينات، منارة للثقافة فى عاصمة النور وكيف كان المصريون والعرب وحتى الفرنسيون يتزاحمون للمشاركة فى فعالياته؛ حيث كانت الجموع تتشوق للاطلاع على الفن المصرى، سواء كان فيلما سينمائيا أو نشاطا مسرحيا أو فرقة غنائية أو غير ذلك من كنوز الإبداع المصرى!! كان المركز الثقافى قـبلة المحبين للفن والثقافة، ولم أكن أتخيل، فى أشد كوابيسى، أن تتحول هذه المنارة الثقافية إلى هدف لأعداء الثقافة بكل فروعها.. وعندما فشلوا فى إفشال الندوة، كتبوا على «فيس بوك» أنها ندوة «صهيونية» بقيادة الصهيونية الكبيرة فريدة الشوباشى!! وكأننى أنا التى خاطبت شيمون بيريز رئيس إسرائيل بـ«صديقى العظيم»!! وكمان، تمنيت لبلاده الرغد!!