الأطفال ضحايا الحروق.. تعددت الحكايات والوجع واحد

كتب: آية الألفى

الأطفال ضحايا الحروق.. تعددت الحكايات والوجع واحد

الأطفال ضحايا الحروق.. تعددت الحكايات والوجع واحد

أعمار متقاربة وحكايات مختلفة يسردها ألم واحد، لعب القدر دوره بها ليغير مجرى حياة أصحابها بين ليلة وضحاها، إصابات الحروق التى دمغت أجسادهم النحيلة وبشرتهم البريئة، وتركت على ملامحهم ذكريات يصعب على الزمن محوها، فمنهم من أصيب بألم جسدى وصل لحد التشوهات وآخرون تسبب لهم الأمر بألم نفسى يصعب تجاوزه بسبب سوء تعامل المجتمع الخارجى معهم، دون النظر لكم المعاناة التى يتعرض لها كل منهم يومياً، فأغلبهم لديه طموحات وأحلام يأمل أن يحققها، ونتيجة لتلك المضايقات فإن بعضهم يفضل العزلة أو يتحول سلوكه للعدائية مع الآخرين، وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية فإن عدد ضحايا الحروق سنوياًَ يصل إلى أكثر من 195 ألف حالة.. «الوطن» رصدت حكايات الأطفال المصابين بالحروق وتحدثت معهم عن حياتهم اليومية، واستعانت بخبراء السلامة والصحة المهنية وأطباء جراحة وتجميل الحروق، بالإضافة إلى الإخصائيين النفسيين من أجل التعرف على سبل العلاج وطرق الوقاية من الحروق والأساليب والأدوات اللازمة لمواجهة الحرائق وإخمادها.

الأول من ديسمبر عام 2010، تاريخ لن ينسى فى حياة عائلة نور عماد حمدى، ذلك الطفل صاحب الـ16 عاماً، الذى يقطن مع أسرته المكونة من 5 أفراد فى مركز بشتيل بحى إمبابة، وقتها لم يكن قد تجاوز الـ12 عاماً بعد، دخل إلى «مطبخ» البيت أملاً فى تحضير إفطاره الصباحى لتنفجر شعلة البوتاجاز فى وجهه تاركة أثرها حتى يومنا هذا فى جسده وجسد كل أفراد أسرته.

{long_qoute_1}

الحادث الأليم الذى تسبب فى إحداث تشوهات طالتهم جميعاً يتردد على ذهن والدة نور كلما نظرت إلى أحد أبنائها، فتقول: «أنا فاكرة اليوم ده كويس كنت جايبة بوتاجاز صغير ملياه غاز وبحضر الفطار لأولادى الصبح وخرجت أصحيهم، فجأة سمعت صوت انفجار عالى فى المطبخ ولقيت ابنى نور النار مسكت فيه»، وتابعت حديثها متأثرة: «حاولت أوصل له.. النار هبت فيّا ومسكت فى البيت كله ووقعت سقفه وجوزى حاول ينقذه النار مسكت فيه ومسكت بعدها فى أخته الصغيرة ندى»، يلتقط ابنها «نور عماد» أطراف الحديث منها، وعلى ملامحه تتضح آثار النيران التى أحدثت تشوهات عميقة طالت براءة وجهه الطفولى، لتستحوذ البقع الداكنة على أغلب مناطق جسده النحيل، قائلاً: «أنا فجأة لقتنى جوا النار وأغمى عليّا ومش حاسس بجسمى غير وأنا فى عربية الإسعاف والناس شيلانى»، ما كنتش بقدر أتحرك من كتر الوجع، ولا بعرف آكل أو أشرب»، لتعاود الأم الحديث، مبينة أنه تم نقلهم جميعاً من قبل الجيران إلى المستشفى ليتلقوا العلاج الذى دام لمدة شهر فيما عدا نور الذى استمر علاجه لمدة سنة ونصف كونه ظل داخل النيران لمدة ربع ساعة، على حسب وصفها، فتقول محاولة حبس دموعها: «نور أكتر واحد فى إخواته خد وقت فى العلاج ما بين المستشفى والبيت، كان بييجى عليه وقت ما بيقدرش يقوم من كتر الوجع عشان ياكل، وكان بيرجع دم والدكاترة قالوا لى ابنك هيموت ولكن بفضل ربنا حالته اتحسنت تدريجياً»، موضحة أنه قام بعمل أربع عمليات منها ثلاث عمليات فى قدمه كى يستطيع السير عليها بعدما تسببت النيران فى إحداث تشوهات حركية بها وأخرى فى رأسه «زرع شعر».

{long_qoute_3}

عبر نور عن استيائه من بعض المضايقات التى يتلقاها، فيقول: «أنا تعبان نفسياً أصلاً من أقرب موقف حصلى وضايقنى فى الجامع لما رُحت أصلى ووقفت فى الصف عادى زى باقى الناس بس مفيش حد راضى يقف فى الصف اللى أنا فيه»، ويضيف: «بحاول ما أحطش المواقف دى فى بالى عشان أقدر أتعامل مع المجتمع الخارجى لكن كل ما أفتكر إنى بعد شهور قليلة هكمل 8 سنين وأنا لسه كده بتصعب عليّا نفسى»، متمنياً فى نهاية حديثه أن يُشفى تماماً من هذه الحروق: «نفسى لو فيه مؤسسة تقدر تتكفل وتجيب لى المرهم عشان أقدر أكمل علاجى ووشى وإيديا يخفوا عشان الناس تتعامل معايا عادى».{left_qoute_1}

وباختلاف التفاصيل، تظل المأساة واحدة، عاشها علاء أحمد عبدالصمد، 13 عاماً، ذو ملامح الوجه الهادئة والجسد النحيل الذى أخذ يسرد قصته وعيناه تملأهما الدموع محاولاً الإمساك بها، فبالرغم من صغر سنه فإنه يحمل من عزة النفس ما يمنعه من البكاء أمام والديه، فعندما كان فى الصف الأول الابتدائى، وأثناء ذهابه إلى مدرسته فى بلدته بكفر الشيخ، تعرض لحادث حريق: «وأنا فى طريقى للمدرسة عديت من جنب النجار زى كل يوم وفجأة لقيت نشارة خشب مولعة نار مسكت فى شنطتى رماها بالغلط عليّا بدل ما تقع فى النيل، وبعدها بدأت تمسك فيّا وفى هدومى، حاولت أقلعها ومعرفتش لحد ما زقونى فى النيل»، يتدخل أحمد عبدالصمد، 40 عاماً، والد «علاء» ليكمل الحديث: «لما عرفت جريت على البيت، وأول ما شفت ابنى اتخضيت جريت بيه على أكتر من مستشفى فى بلدنا وسافرت بيه مصر وما سبتش مكان إلا ورُحته».

ويضيف أنه خلال فترة علاج «علاء» التى استمرت 40 يوماً منذ وقوع الحادث كان لا يمل من حمله والذهاب به إلى المستشفى من أجل تلقى العلاج، موضحاً أنها كانت من أصعب الأيام التى مرت عليه هو ووالدته، فيقول: «أنا كنت بروح بيه المستشفى فى البلد وأرجع شايله على إيدى ومن كتر ما جلده كان حساس كنت بلاقى إيدى كلها دم، وبنصحى فى عز الليل مفزوعين من صوت وجعه».

وبعد ذلك قرر والد «علاء» أن يترك بلده ومهنته التى تربى عليها منذ صغره وعمله كصياد ليسافر إلى القاهرة بصحبه أسرته ليكمل علاج ابنه: «سافرت مصر واشتغلت حارس عقار لعمارة فى ميدان الحجاز بمصر الجديدة عشان أقدر أصرف على علاج ابنى، أنا دفعت لحد دلوقتى على علاجه بس 100 ألف جنيه وتعبت واتغربت عشان يخف ويرجعلى سليم»، موضحاً أن هناك بعض السلوكيات التى تغيرت داخل ابنه فقد أصبح سريع الغضب وأكثر عنفاً عن ذى قبل، بالإضافة إلى أنه لم يسلم من مضايقات الناس له، فيقول: «كنت ساعات بدخل عليه ألاقيه بيعيط أسأله مالك ميرضاش يرد، بعرف إن حد قاله كلمة جرحته فى الشارع»، ليتابع «علاء» حديث والده معبراً عن ضيقه مما يتعرض له قائلاً: «أول ما رجعت المدرسة صحابى بعدوا عنى ومرضيوش يلعبوا معايا، ولما جيت مصر اشتغلت فى سوبر ماركت عشان أقدر أساعد أبويا، وكان صاحب الماركت بيهزقنى ويقولى امشى يا محروق»، وفى أثناء حديثه تمنى أن يشفى من إصابته تماماً كى يستطيع أن يصبح ضابط شرطة: «عايز أخف عشان لما أكبر أقدر أكون ظابط وأدافع عن بلدى وأموت شهيد فيها».

{long_qoute_2}

بينما كان الأمر مختلفاً قليلاً بالنسبة إلى إبراهيم عبدالعاطى، الذى تسبب حادث بالخطأ تعرض له منذ أن كان رضيعاً لا يتجاوز العام والنصف، عندما سقط فى حوض به ماء ساخن فى إحداث تشوهات طالت يديه الاثنتين، ليكمل عامه الـ12 وما زالت آثار الحادث ظاهرة على يديه النحيلتين، محدثة بعض الندبات والبقع الدموية وأخرى بيضاء باهتة، لتبدأ والدة إبراهيم حديثها قائلة: «أول ما ابنى وقع فى حلة الميه السخنة جرينا بيه على المركز الصحى والدكتور ساعتها ما قصرش صراحة وحاول يفك إيديه عن بعضها بعد ما لزقت ولما قلعناه هدومه لقينا جلده كله بيتقشر معانا»، ليلتقط عبدالعاطى سعيد، والد إبراهيم، 38 عاماً، الذى يعمل فى «المحارة» عاملاً باليومية، أطراف الحديث منها ليسرد رحلة علاج ابنه التى استمرت خمس سنوات، قائلاً: «أول ما حصل لابنى كده كان جرح بسيط وممكن يتلحق لولا إنى سمعت كلام الناس هناك فى البلد لأنى كان نفسى يخف بأى طريقة ووقعت فى إيد دكاترة ما راعتش ربنا فى ابنى، ما كانش احتاج للعمليات ولا كانت الحالة اتأخرت كده»، موضحاًَ أن ابنه أجرى عمليتى ترقيع لجلده فى المركز الصحى فى بلده بالفيوم بمركز طامية، إحداهما عندما كان عمره عامين والأخرى بعدها بـ6 أشهر، ولكن نتيجة لكثرة التساؤلات من الناس حوله عما حدث لابنه قرر السفر به إلى القاهرة ليجرى عملية تجميل بقصر العينى الفرنساوى، فيقول: «من كتر اللى حواليا كانوا بيضايقونى بأسئلتهم كل ما يشوفوا إبراهيم، قررت إنى أسافر القاهرة عشان أعمله عملية تجميل لكن اتفاجأت إن إيده طلعت زى ما هى من العملية ومحصلش أى تطور ولو كنت عارف كده ماكنتش دفعت 20 ألف جنيه فيها»، لتتابع والدة إبراهيم الحديث معبرة عن استيائها مما حدث لابنها: «رمضان قبل اللى فات كان أسوأ رمضان عدى عليّا أول ما شوفته خارج من العمليات وهو يادوب 10 سنين اتخضيت من منظر إيده وكان هيغمى عليّا»، مضيفة أنه رفض أن يقوم بأى عمليات أخرى بقوله: «أنا تعبت من العمليات ومش عايز أعملها تانى لأنى مش حاسس بتغيير»، ومنذ ذلك الحين قرر إبراهيم ارتداء القمصان بدلاً من التيشرتات نتيجة للمضايقات التى كان يتعرض لها من زملائه فى المدرسة والشارع، فيقول: «كنت لما باجى ألعب مع العيال فى الشارع يقولولى امشى يا أبو إيد مسلوخة لا تعدينا، ومن ساعتها ما بقتش أحب ألبس تيشرتات بنص وخليت لبسى كله كم».

 

 


مواضيع متعلقة