انتحار الإنسانية فى هولندا
- الشركة المنفذة
- د. ناجح إبراهيم
- نوبات اكتئاب
- أبنائها
- أحاسيس
- أحياء
- ناجح إبراهيم
- الشركة المنفذة
- د. ناجح إبراهيم
- نوبات اكتئاب
- أبنائها
- أحاسيس
- أحياء
- ناجح إبراهيم
كان شاباً متديناً فى أوائل الثمانينات، خاف أن يُقبض عليه فى هوجة القبض العام عقب اغتيال «السادات»، ذهب إلى هولندا، عاش فيها وحمل جنسيتها وألف مجتمعها وأهلها وتزوج هولندية، وأنجب منها.
طابت له الحياة، كانت ابنته، التى جاوزت العشرين عاماً، تعانى من نوبات اكتئاب، التى تنتشر هناك فى هولندا والسويد والدانمارك والنرويج.
زار الأب مصر مع أسرته مراراً دون عوائق، ظن أن الحياة طابت له، وأنه احتضن السعادة الأبدية، وآه من اللحظات التى يعتقد فيها الإنسان امتلاكه للسعادة المطلقة، وآه ثم آه من لحظة يفكر فى سعادتها بعد أن قطع الصلة بربه الكريم أو انصرف عن محراب عبوديته أو شرف الانتساب إليه سبحانه.
رن هاتفه المحمول، جاء صوته غريباً ليحمل أسوأ نبأ تلقاه فى حياته، قال فى برود عجيب: نحن مكتب الانتحار القانونى نريد أن نخبرك أن موعد إعدام ابنتك الاختيارى بعد غد الساعة الواحدة ظهراً، هكذا دون تعقيب وكأنه يزف إلى الآخرين نبأً سعيداً فلا مشاعر ولا أحاسيس ولا حتى مواساة ولا أى شىء.
شعر أن الدنيا كلها أظلمت فى وجهه، ابنتى تختار الموت على الحياة، ابنتى تريد أن تنتحر رسمياً بيد الحكومة، تختار أن تقتلنا جميعاً، وتقتل فرحتنا أبد الدهر، ترى ماذا ينقصها؟ الدنيا كلها تحت أقدامها؟ هكذا بهذه البساطة تموت ابنتى باختيارها، وبيد القانون الآثم وتحت أعيننا، من أجل حالة اكتئاب طفيفة تمر بها بين الحين والآخر، وهكذا سيتم التنفيذ بعد غد ونحن آخر من يعلم؟ ودون إرادة أو مشاورة لنا؟ كيف تجحد أباها وأمها بهذه الطريقة؟ ولا تأبه بولاية الأب والأم؟ وكأنها معدومة الوالدين.
لقد نسى أنه وأسرته كانا السبب فى ذلك فقد قلدا المجتمع الهولندى فى جحد ولاية الرب سبحانه على خلقه وهى أعظم وأعلى من ولاية الأب على ابنته، فولاية الأب فرع عن ولاية الرب سبحانه، وأمومة الأم لأبنائها فرع من رحمة الرب لخلقه، ومن جحد ربوبية وولاية الله سبحانه سيجحد ولاية الأب والأم ومكانتهما لا محالة، آه من الحصاد المر لثمار الجحود التى بذرها مع زوجته.
رفض الاستسلام، ذهب للحكومة والشرطة والقضاء دون جدوى، اختفت الفتاة، لم يتصور أن تستجيب الحكومة لرغبتها بالموت فى لحظة انهيار نفسى مؤقت أو عدم لقاء أسرتها حتى لا تضغط عليها للعدول عن قرارها الآثم، الحكومة تضع نفسها فى مكانة أكبر من مكانة الأب والأم والأسرة، إنه خلل خطير فى القوانين.
استسلمت الأسرة للحضور ساعة التنفيذ من وراء زجاج، ورفضت الأم الحضور، قام الطبيب بحقن الفتاة بمخدر، وأتبعها بحقنة الموت التى أوقفت القلب.ماتت الإنسانية فى قلوب هؤلاء الذين يرفضون إعدام القتلة والمجرمين، ويوافقون على هذا الإعدام لأناس لا يعرفون مصلحتهم الحقيقية ولا رسالتهم فى الحياة فى لحظة ضعف إنسانية، فى ثلاث دول هى هولندا ولوكسمبورج وبلجيكا، إنه الحَوَل فى التشريع والقانون والإنسانية.
كانت هذه الفتاة تعيش فى أرقى أحياء هولندا وحيدة بعد انفصال والديها ورفضها العيش مع أحدهما، الهدوء القاتل والدعة وغياب الهدف والغاية والرسالة، مع الوحدة القاتلة وعدم الارتباط بالله المحبوب الأعظم حوّل رفاهيتها إلى تعاسة.
حتى الموت عندهم له ثمن، كانت تتقاضى 900 دولار شهرياً كإعانة بطالة من الحكومة، ستأخذها الشركة المنفذة للإعدام لمدة عشر سنوات، تخيل ابنك يموت باختياره أمام عينيك دون أن يسمع نصحك وبكاءك واستغاثتك.
فى عام 2013 تم تنفيذ الانتحار القانونى فى هولندا وحدها على 4188 حالة، كان 78% منهم مريضاً بالسرطان، تأمل الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يبشر مرضى السرطان والفشل الكلوى والكبدى: «المبطون شهيد»، هؤلاء نالوا أعظم وسام بعد وسام النبوة والصديقية، لذا لا ينتحر المؤمن لأنه قريب من الفردوس الأعلى ولقاء المحبوب الأعظم وزوال الألم.
ما أعظم الإيمان وأجمله، وما أسوأ الانتحار الذى توعدت الشريعة أصحابه بالخلود فى النار، فروحك وأرواح الآخرين ملك لله وحده وليست ملكاً لأحد.