فى أول حوار لصحيفة عربية.. عائلة الشهيدة «بارين كوبانى»: العالم تخلى عنا.. والجريمة شاهدة على وحشية «أنقرة» التى لم ترحم جثامين الضحايا

كتب: رسالة سوريا: أحمد العميد

فى أول حوار لصحيفة عربية.. عائلة الشهيدة «بارين كوبانى»: العالم تخلى عنا.. والجريمة شاهدة على وحشية «أنقرة» التى لم ترحم جثامين الضحايا

فى أول حوار لصحيفة عربية.. عائلة الشهيدة «بارين كوبانى»: العالم تخلى عنا.. والجريمة شاهدة على وحشية «أنقرة» التى لم ترحم جثامين الضحايا

«جثة ملقاة على الأرض، ونحو 10 مقاتلين ملتفون حولها، يرفع أحدهم يده ويقول (والله بدل كل شهيد ألف)، وتبدو الجثة أوضح أنها لفتاة».. مشهد قامت الدنيا له ولم تقعد، إنه أشهر مشهد فى حرب «غصن الزيتون» التى شنّتها تركيا ضد «عفرين» لاحتلالها، حيث التمثيل بجثة فتاة كردية تُدعى «بارين كوبانى» على يد مقاتلين موالين للجيش التركى، وهى الحادثة التى تحوّلت إلى رمز وشهادة ختمت على جبين حملة عسكرية لحرب غير إنسانية.

حدثت تلك الجريمة فى فبراير الماضى، وتم تصويرها، بل ترويجها على فضاء التواصل الاجتماعى، بهدف بث الرعب فى نفوس المقاتلين الأكراد الذين يتولون الدفاع عن مدينة عفرين، لكن ذلك لم يزدهم إلا إصراراً على القتال، وفقاً لرواية «أحمد» الذى يبلغ من العمر 32 عاماً، وهو شقيق الشهيدة «بارين»، أحد النازحين الموجودين فى مدينة كوبانى، الذى كان يشارك فى القتال على جبهة جنديرس -شمال غرب عفرين- وقت الجريمة، وعقب نشر الفيديو، وتداوله بين المقاتلين، كان يشاهده مثله مثل بقية المقاتلين، فلم يعرف الرجل أنها شقيقته، فآثار التعذيب والتشويه منعته من التعرف عليها، فظل يشاهدها لتزيد حماسته بين الحين والآخر، ويقول: «نحن طبعاً شُفنا الفيديو، وكنا نعرف أنها لرفيقة فى وحدات حماية المرأة، لكن الاسم والتفاصيل ما نشر عنها شىء، وأنا أكتر من يوم أتفرج على الفيديو ولا أعرف أنها أختى حتى شُفت على الصفحات أن اسم الشهيدة بارين كوبانى».

كانت المعلومات الأولى باستشهاد شقيقته والتمثيل بجسدها تصيبه بصدمة قوية، كان يريد إخفاء الخبر بين أصدقائه لحين التأكد، لكن فضحته مشاعره الحزينة وشعوره بالقهر عليها، وهو يرى جثتها يتم التمثيل بها: «أنا ما أحسنت أكبت الخبر، الرفاق شافونى متأثر بالفيديو، وكشفوا الأمر، وأنا كنت قبلها أشاهد الفيديو يوم كامل كل ساعتين، أو كل ما يكون عندى فرصة أشوفه، حتى يزيدنى إصراراً على القتال»، ويتعجّب الشقيق من أن المعارك المفترض أنها أمام دولة كبيرة ولها قوانين وأخلاق، وكيف أنه يتم التمثيل بالجثث بهذه الطريقة؟

{long_qoute_1}

وعن تفاصيل استشهادها، يقول «أحمد»: «أختى بارين التحقت بوحدات حماية المرأة بقوات سوريا الديمقراطية فى نهاية 2014، وهى عمرها 23 عاماً، واستُشهدت وهى عمرها 27 عاماً، ولها تجارب فى محاربة الفصائل الإرهابية، سواء كانت داعش أو جبهة النصرة فى منطقة أعزاز، وفى محاربة الفصائل الجهادية الإخوانية، وشاركت فى معركة تحرير الرقة»، مشيراً إلى أنه بعد انتهاء معركة «الرقة» عادت إلى عفرين، وتنقلت إلى عدة جبهات، منها جبهة جنديرس، ثم جبهة راجو، وكانت أقوى الجبهات خلال الحرب فى عفرين، وكانت قائدة مجموعة من 24 مقاتلة فى قرية اسمها قرنة موجودة على الحدود الشمالية الغربية، لكن تم محاصرتهن نتيجة القصف، وأصيب 3 من زملائها، لكن بارين وإحدى زميلاتها اتخذتا قرار المقاومة حتى الاستشهاد لتغطية انسحاب بقية المجموعة، وبعد تقدم الفصائل المسلحة قررت أنها هى التى تبقى أخيرة لتُغطى انسحاب زميلاتها بشكل كامل، وأنهن كن يسمعن الاشتباك الأخير بينها وبين المسلحين، معلقاً: «وحسب توقعات رفقاتها أنها أطلقت على نفسها طلقة الرحمة الأخيرة حتى لا تقع أسيرة، لكنهم مثّلوا بجثتها».

ويضيف شقيق «بارين» أن «المسلحين كانوا معتادين إذا وجدوا جثة أحد الجنود يأخذون هاتفه، ويبعثون منها رسالة تهديد إلى أقاربه وزملائه المسجلين على الهاتف، لكن فى هذه المرة قرّروا التمثيل بجثتها، لتصبح وصمة عار عليهم»، مشيراً إلى أن الشهيدة كانت قليلة التردّد على المنزل بسبب انشغالها بالعسكرية، بعد استشهاد صديقتها، فعاهدت أن تبقى بالجبهة طوال الوقت، موضحاً أنه رأى جيداً وجوه من مثلوا بجثة شقيقته، وأنهم كانوا معروفين، وأنه كان يعرف أهلهم وأعمامهم وقريتهم التى يسكنون فيها وبعض من عائلتهم موجود فى وحدات حماية الشعب بقوات سوريا الديمقراطية، قائلاً: «هؤلاء أشخاص غير مرغوبين فيهم، وعائلاتهم ما لهم ذنب، والشخص الذى التقط معها صورة سيلفى أعرفه من قرية كفرناية جنوب منطقة أعزاز -شرق عفرين وتابعة لمحافظة حلب- والأصدقاء أخبرونى أن هذا الشخص من هذه المنطقة، وكان منتسباً لداعش وتحول إلى جبهة النصرة، ثم فصيل الجبهة الشامية، وكان معروفاً فى المنطقة بأنه داعشى».

{long_qoute_2}

وبسؤال «أحمد» الأخ الأكبر فى أسرة «بارين» المكونة من 8 أبناء وبنات، عما إذا كانت له رسالة حيال ما حدث، أو لمن مثلوا بجثة شقيقته، قال: «أنا ما يهمنى الشخص، أنا يهمنى الفكر اللى مزروع فى عقولهم، إذا بتجيبه لى ما أنتقم منه بشكل شخصى، لكن أسأل عن الذهنية مين اللى عم يغذيها بهذا الفكر الإرهابى المتطرف، لأنه ضحية لفكر الإخوان الجهادى»، مشيراً إلى أن الكثير مسئولون عما يحدث بسوريا من تمثيل أبناء الوطن الواحد بجثث بعضهم، منهم الدول التى تركت الحرب تجرى فى عفرين من دون أن تحرك ساكناً والازدواجية فى المواقف تجاه سوريا، معلقاً: «بدنا نقضى على الفكر وليس الشخص».

أما والدها مصطفى عمر، فى العقد السادس من عمره، يروى قصة أسرته التى لاحقتها الحرب، بأنه كان يقطن فى شمال مدينة الباب فى مسقط رأس بارين وإخوتها، لكن نتيجة اضطهاد الجماعات الإرهابية للمواطنين الأكراد، اضطر إلى أن ينتقل إلى «عفرين» الهادئة ذات الغالبية الكردية، قبل 5 سنوات، مشيراً إلى أنه تم تعذيبه على يد الجيش الحر لمدة 6 أيام، لكونه كردياً، وسرقوا منه مبلغاً مالياً، ما يقارب مليون ليرة، وأنه اضطر إلى اللجوء إليها، حتى إنه وجد بعض أهالى عناصر الجيش الحر نزحوا إليها، مضيفاً: «أنا مرة سألتهم، ليه ولادكم عم يقاتلون الأكراد فى الأعزاز، كانوا يقولون إن أولادنا يقولون لنا اذهبوا إلى عفرين، لأن بها الأمان، وكنت أتعجب يعنى هم يعرفوا إن الأكراد أغلبية فى عفرين ويطلبوا من أهاليهم يذهبوا إليها، لأنهم يعرفون أنهم صالحون، فليش يقتلونا فى أعزاز، وأهلهم بريئين منهم، هذا فكر إرهابى ما له علاقة بعربى ولا كردى».

وعن مشاعره لحظة رؤيته التمثيل بجثة ابنته، يروى «مصطفى»: «شُفت الفيديو، وطبعاً الموقف صعب، وتألمت كتير، بس أراجع نفسى، أعتبره شرف، لأنه كشف عن عمل وحشى تقوم به دولة كبيرة فى حلف الناتو، وأصبحت وصمة عار على جبين أردوغان، وكشفت النقاب عن جرائم الدولة التركية»، مشيراً إلى أنه يرى أن الحادثة كشفت عن الفكر الإخوانى الإجرامى.

ويستطرد: «هذه الجرائم اتضحت أكثر بعد سقوط عفرين، من سرق ونهب، حتى الميت ما سلم منهم، كانوا يخلعونه الخاتم، وإذا شافوا المرة ماشية تلبس دهب يشلحوها، يعنى ما فى رحمة»، مشيراً إلى أنه نزح إلى «كوبانى» التى استقبلته ورحبت به من دون أن تعرف أنه والد الشهيدة.

وعن جثة ابنته الشهيدة «بارين»، يضيف: لا أعرف أين جثتها، وإن كان الشخص الذى مثّل بجثتها حياً أم ميتاً، وأنه إذا كان حياً، ستكون رسالتى إليه هى «ارجع إلى صوابك».

اقرأ أيضًا:

«الوطن» على جبهات الحرب فى سوريا.. حكايات الفرار من الموت والخراب

الناجون من «عفرين»: شاهدنا صواريخ «الخليفة التركى» تدمر مدينتنا

ابنة «عفرين»: الإرهابيون كانوا يضعون أيديهم فوق رؤوس البنات ويكبّرون ثلاث مرات ثم يقولون: «هذه لنا»


مواضيع متعلقة