ساعة حظ قبل «القيامة»..!
- الإنسان المصرى
- ذى الحجة
- علم التنجيم
- نهاية العالم
- يوم الجمعة
- يوم القيامة
- آثار
- آلام
- أخبار
- الإنسان المصرى
- ذى الحجة
- علم التنجيم
- نهاية العالم
- يوم الجمعة
- يوم القيامة
- آثار
- آلام
- أخبار
فلنترك «ابن وقته» لبعض الوقت، وقد نعود إليه ثانية، ونبحر عبر التاريخ لنرى كيف لا يختلف المصريون «أولاد زمان» عن «ابن وقته» المنتمى إلى عصرنا الراهن. ولنبدأ بتلك الحدوتة القديمة المتجددة المتعلقة بيوم القيامة. منذ قرون عديدة لم يتوقف المصريون عن تحديد يوم معين يتوقعون فيه أن تقوم القيامة. وأقدم واقعة مسجلة فى هذا السياق تعود إلى عام 1147 هـ (حوالى 1734 م)، أى إلى بدايات القرن الثامن عشر. فجأة وبدون سابق إنذار انتشرت شائعة بين المصريين تقول إن القيامة ستقوم يوم الجمعة الموافق 26 من شهر ذى الحجة من ذلك العام، بدأت الشائعة تروج بين أهل المدن، ومنها طارت إلى أهل القرى والريف، حتى غطّت القطر المصرى قاطبة. يحكى عبدالرحمن الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أن الناس خرجوا يودّع بعضهم البعض، ويقول الإنسان لرفيقه: «بقى من عمرنا يومان» وخرج الكثير من الناس والمخاليع إلى الغيطان والمتنزهات، ويقولون لبعضهم البعض: «دعونا نعمل حظاً ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة»، وطلع أهل الجيزة نساء ورجالاً يغتسلون فى البحر. فريق من المصريين كان يفكر هكذا. وأكثر ما كان يشغل باله أن يستمتع بحياته ويدرك منها أية ساعة حظ قبل مغادرة الدنيا. ترى علامَ يدل ذلك؟. هل يدل على فساد خلق وسوء طوية.. إذ كيف يتوقع من إنسان ينتظر آخرته أن يبحث عن ساعة حظ يستمتع بها قبل مغادرة الحياة؟. أم يعبر عن التصاق وشغف بالحياة حتى آخر لحظة؟.
يبدو أن لدى المصرى شعوراً عميقاً بالحرمان من متع الحياة وإحساس مُمضّ بالمعاناة من آلامها وضغوطها، هذا الشعور يدفعه إلى أمرين نقيضين: الأول توقع الأسوأ باستمرار، وليس هناك ما هو أسوأ من القيامة، وفى اللحظة التى يصل فيها الإنسان عموماً إلى توقّع نهاية العالم فى يوم معين فإن ذلك يعنى وصوله إلى أعلى درجات الإحباط، أما الأمر الثانى فيتعلق بالشغف بالحياة رغم ما يواجهه فيها من مصاعب، فهو دائماً متعلق بمتعها، باحث عن البهجة والسعادة بين أيامها، وإذا علم أن الساعة القادمة هى الأخيرة فى حياته فسيحاول أن يجعلها ساعة حظّ. والدقة فى التحليل تفرض علينا التأكيد على أن تلك كانت تركيبة الإنسان المصرى أوائل القرن الـ18، أشياء كثيرة اختلفت فى التركيبة الشخصية للمصريين هذه الأيام، فتراجعت فى نفوسهم قيم البحث عن السعادة من أبسط وأقصر الطرق، إلى الاستسلام للإحباط.
أغلب الظن أن فريق المستخفين بالأمر والباحثين عن متعة قبل وقوع الساعة لم يكن يصدق الشائعة التى انتشرت فى البلاد، والأرجح أنه كان يتعامل معها بقدر لا بأس به من الاستخفاف، خلافاً لفريق كبير من المصريين سقط فى براثن الرعب، فعلاه الحزن وداخله الوهم -كما يصف الجبرتى: ومنهم مَن صار يدعو ويبتهل ويصلى واعتقدوا ذلك ووقع صدقه فى نفوسهم، ومن قال خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يتلفتون لقوله ويقولون: هذا صحيح وقاله فلان اليهودى وفلان القبطى، وهما يعرفان فى الجفور (فك طلاسم ورموز المستقبل) والزايرجات (علم التنجيم) ولا يكذبان فى شىء يقولانه. هذ الكلام يؤشر إلى حقيقة أن مَن يريد أن يصدق كذبة فسيفعل مهما رأى أمامه من براهين تدحضها، ومشاهدات عقلانية تنسفها نسفاً. وهناك قطاع من المصريين يميل إلى تصديق الأكاذيب وتبنّيها، يساعدهم على ذلك تركيبة نفسية هشة تجعلهم أطوع فى تصديق الدجالين وأكثر قبولاً لما يقول به المنجّمون.