«الوطن» داخل «البرلمان الألمانى».. رسائل الأعداء أمام صناع القرار على الجدران

كتب: ألمانيا: رحاب لؤى

«الوطن» داخل «البرلمان الألمانى».. رسائل الأعداء أمام صناع القرار على الجدران

«الوطن» داخل «البرلمان الألمانى».. رسائل الأعداء أمام صناع القرار على الجدران

«إزاى يسيبوا الحيطان متبهدلة بالشكل دا؟».. هكذا يأتى التعليق الأول على لسان أغلب زوار مبنى البرلمان الألمانى، «البوندستاغ»، 3 ملايين زائر تقريباً، يجولون بطرقات المبنى كل عام، بمعدل 3 آلاف زائر يومياً، يبهرهم النظام بينما تحيرهم تلك الردهة بالذات فى الدور السفلى، حيث الكثير من «الشخبطة».

كتابات عشوائية، لا علاقة لها بجلال المبنى أو جمال التصميم الذى تعود بدايته إلى عام 1894، والذى شيد على غرار عمارة عصر النهضة الأوروبية، عراقة من الخارج، وحداثة بالداخل، تتجلى فى عدد من التفاصيل اللافتة، إلا أن الاستغراب يستحيل إلى دهشة حين يعلم الزوار أن لغة الكتابات على الجدران روسية، وأن من كتبها هم الجنود السوفييت!

حكاية تعود إلى الحرب العالمية الثانية، هكذا يخبر الدكتور والتر زوللر، أحد المرشدين بالمبنى والأكاديمية المتخصص فى التاريخ، مجموعاته العديدة التى يصحبها خلال ساعات الزيارة، حيث يعد البرلمان الألمانى واحداً من البرلمانات القليلة حول العالم التى تفتح أبوابها أمام الزائرين.

{long_qoute_1}

فى الساعات الأولى من صباح 29 أبريل عام 1945 كانت معركة برلين بين جيش الصاعقة السوفييتى، والجنود الألمان مشتعلة، عبر السوفييت الجسور، وانتشروا فى شوارع ومبانى برلين، كان هتلر يكتب وصيته الأخيرة ويتزوج من حبيبته إيفا براون التى لم يستمر زواجه منها أكثر من 40 ساعة، ساعات طويلة من الكر والفر وأصوات الرصاص، هاجم السوفييت مبنى الرايخستاغ فى السادسة صباحاً ليتمكنوا من دخوله أخيراً فى المساء، حيث جرى المزيد من وقائع الكر والفر بين الجنود الألمان والسوفييت داخل غرف المبنى، ليسيطر عليه السوفييت تماماً خلال اليومين التاليين فى معركة انتهت باستسلام ألمانيا.

81116 جندياً فقدهم السوفييت فى عملية الهجوم على برلين، الكثير من الفقد فى المعركة الدموية، مشاعر عارمة بالحزن والنصر والغضب والسعادة، عكسته كلماتهم التى ما تزال باقية حتى اليوم على جدران البوندستاغ، أسماء، وتواريخ، وألفاظ خارجة أيضاً، رسائل ما تزال باقية «الكثير من الروس يأتون لزيارة البوندستاغ لقراءة ما كتبه أسلافهم على الجدران»، يقولها المرشد فيما يشير بفخر للمواضع التى تم الإبقاء عليها داخل المبنى كجزء من تكوينه.

حالة من التسامح الشديد مع التاريخ بما يحمله من هزائم ودمار، لم تتوقف عند حد الإبقاء على ذكرى الهزيمة الثقيلة، وإنما المفاخرة بها، وصولاً لدعوة ميخائيل جورباتشوف الرئيس السابق للاتحاد السوفيتى كى يقف ويلقى كلمته أمام أعضاء البوندستاغ فى 9 نوفمبر عام 1999، وهو اللقاء الذى جرى تخليده بالصور ليوضع ضمن معرض الصور الخاصة بتاريخ المبنى.

{long_qoute_2}

لم يكن هذا أغرب ما مر بالمبنى العريق الذى تعرض للحريق فى فبراير عام 1933، انتكست الديمقراطية وبدأت سنوات قاسية أبطالها من النازيين الذين نكلوا بخصومهم، هو ذاته المبنى الذى استغلته إحدى الشركات الألمانية وحولته مؤقتاً إلى مصنع لمكونات «المذياع»، حتى مستشفى «الشاريتيه» لم ترحمه، فقامت بنقل قسم النساء والتوليد إلى المستشفى العسكرى الذى أقيم فى المبنى ليولد داخله مئات الألمان.

البوندستاغ الألمانى هو البرلمان الاتحادى لألمانيا تأسس بموجب المادة الثالثة من الدستور عام 1949، دستور سعى منذ اللحظة الأولى لترسيخ هوية واستقلالية الولايات، رئيسه الحالى فولفانغ شوبليه، يمثل «الاتحاد الديمقراطى المسيحى» أغلبية أعضائه بإجمالى 200 عضو، أما المعارضة فتتألف من أحزاب مختلفة كـ«البديل» و«الخضر» و«اليسار»، بينما لا يوجد سوى اثنين فقط مستقلين بالبرلمان الحالى، لكن يبدو أن هذا لن يستمر كثيراً إذ يعتزم البرلمان الألمانى مناقشة مقترح لتغيير قانون الانتخابات من أجل تقليل عدد أعضائه، أما السبب فعبر عنه فولفانغ بقوله: «إنه رقم قياسى».

يتم انتخاب أعضائه لأربع سنوات، المسئولية عن موضوعات الأمن الداخلى والمدارس والجامعات والحياة الثقافية والإدارة المحلية تقع ضمن صلاحيات الولايات الاتحادية الست عشرة، وفى ذات الوقت لا تقوم سلطات وإدارات الولايات بتطبيق قوانينها فقط، إنما القوانين الاتحادية أيضاً، ومن خلال ممثليها فى مجلس الولايات تشارك حكومات الولايات بشكل مباشر فى سن القوانين على المستوى الاتحادى.

أسفل القبة الزجاجية يوجد معرض يحمل كل الصور والوثائق المتعلقة بالرايشستاغ -الاسم القديم للبوندستاغ- بداية من تأسيسه فى 16 أبريل 1871، مروراً بتاريخه، وثائق تاريخية من بينها وثيقة تعود لعام 1911 بعنوان «دعوة النساء للتصويت فى الانتخابات» حيث كانت المرأة من بين الفئات الممنوعة من التصويت، كما هو الحال مع الجنود فى أثناء خدمتهم العسكرية، كما يحمل المعرض صوراً لبعض الشخصيات التاريخية التى وقفت أمام أعضاء البوندستاغ، مثل كوفى عنان السكرتير العام للأمم المتحدة الذى وقف أمامهم فى 28 فبراير 2002، والبابا بندكت فى 22 سبتمبر 2011. لا يتوقف المبنى العريق عن مفاجأة زواره بمزيد من التفاصيل، الدكتور «زوللر» عادة ما يصطحب مجموعاته إلى تلك الغرفة حيث يجتمع حزب الأغلبية عادة، يبدى الزوار تعجبهم من وجود حزب على أساس دينى فى دولة كألمانيا، لكن «زوللر» يعاجلهم «الاسم فقط يبدو دينياً، لكن الاتحاد الديمقراطى المسيحى يضم 2 مسلمين، ويدعم حقوق المثليين».


مواضيع متعلقة