شهر رمضان فى «غرفة 4» بمستشفى «بولاق الدكرور»: القطط تتقاسم طعام الإفطار مع الأطفال والأمهات

كتب: رحاب لؤى

شهر رمضان فى «غرفة 4» بمستشفى «بولاق الدكرور»: القطط تتقاسم طعام الإفطار مع الأطفال والأمهات

شهر رمضان فى «غرفة 4» بمستشفى «بولاق الدكرور»: القطط تتقاسم طعام الإفطار مع الأطفال والأمهات

كان الجميع يهرول خارج من أجل الظفر بساعة الإفطار وسط الأسرة، لكنهن بقين فى أماكنهن، عاجزات حتى عن الخروج من الغرفة العامرة بالقطط، فعلى «حِجر» كل منهن طفل باكٍ، لا يسعها تركه، حتى لو ظلت على هذا الوضع، ساعة الإفطار فى رمضان.

فى اليوم الأول لمكة صلاح، الصغيرة ذات الأربعة أشهر فى المستشفى، ذهبت بها والدتها تاركة خلفها 4 أطفال فى المنزل، لإسعافها بعدما بدت الرضيعة عاجزة عن التنفس.

«لازم تتحجز فى المستشفى»، قالها الطبيب ليقع قلب أمها التى لم تكن قد دبّرت حالها أو حال أطفالها، واضطرت للاستسلام لبكاء الصغيرة وجلست تمنحها «جلسات الأكسجين» بأمر الطبيب، وسط صراخ لم ينقطع لساعات، وحشرجة صدر عاجز عن التنفس بصورة طبيعية.

{long_qoute_1}

حلت ساعة الإفطار سريعاً، لم يكن لدى السيدة الملتاعة حتى شربة ماء، كانت وحيدة مع صغيرتها، أعصابها مرتخية وعقلها مشوش. «قالوا لى هاقعد هنا على الأقل يومين، مش عارفة هيمشوا إزاى»، تتحدّث الأم بحسرة. 4 أطفال ووالدهم، تركتهم والدة مكة خلفها، لم تكن تلك المرة الأولى، وتقول: «بقالى 10 أيام رايحة جاية بها على المستشفى، عيادات وطوارئ، ومفيش فايدة، صدرها اتقفل والعلاج ماعملش حاجة، وآخر كلام لازم تتحجز». متاعب صحية عديدة تعانى منها «مكة» منذ ولادتها، وتوضح والدتها: «فى الأول كان عندها كلكيعة فى رقبتها، فضلت رايحة جاية على أبوالريش، لو ماخدتش بالى كانت هتطلع رقبتها معووجة، علاج طبيعى وتدليك لحد ما فكت، غير فتق سرى، غير مشاكل صدرها».

لم تدرك «أم أمل» تلك النظرة السعيدة التى لمحتها فى أعين جيرانها فى الغرفة حين دخلتها لأول مرة قبل رمضان بـ3 أيام، وتقول «كانوا فرحانين أوى إنهم ماشيين، مع أن عيالهم لسه تعبانة بس لموا حاجتهم وقالوا لى ماينفعش نقعد هنا فى رمضان»، كلمات أدركت السيدة الأسوانية معناها بحق بعد قضائها 6 أيام فى الغرفة رقم 4 بالدور الثانى فى مستشفى «بولاق الدكرور» حيث تمر اللحظات ثقيلة، وتقول عنها الأم «ساعة الفطار فرحة، كنت باقضيها فى البيت، أحط الأكل لأهل البيت، وأخدمهم من قلبى، من أول رمضان وأنا فى المستشفى، شعور صعب، فجأة تلقى نفسك حزينة قاعدة لوحدك فى أوضة ماتعرفيش فيها حد، بتاكلى اللقمة بالعافية».

لا يهون تلك المشاعر بالأسى والغربة، سوى تحسن حال ابنتها البكرية ذات السنوات العشر ونصف، «أمل» التى أصابها التهاب رئوى حاد أفقد والدتها صوابها حين وقعت أرضاً، لم تدر يومها ما العمل، وتقول «يوم الاتنين اللى فات رُحت أبوالريش كانت تعبانة بصدرها، قالوا لى تتحجز، قلت لهم لأ رمضان داخل، أخدت العلاج ومشيت وقعت منى التلات، كانت تعبانة لدرجة إنى مالحقتش أوديها أبوالريش، كانت أقرب حاجة بولاق الدكرور».

تجربة صعبة فى أيام مفترجة، لم يهونها على الأم سوى تحسن حالة ابنتها، «الدكاترة ماسابوهاش، وخلاص هنخرج بكرة» تقولها بصوت منخفض خشية جرح مشاعر جارتها فى السرير المجاور، التى لا تعلم حتى الآن موعد الخروج، حيث تقضى أيامها بصحبة أبنائها الثلاثة. أحدهم كان يبكى بينما تهم الأسرة بتناول الإفطار على الأرض، وتكافح لطرد القطط الجائعة التى حاولت أن تقاسمهم الطعام. حيرة شديدة تملكت والدة الطفلة ملك سيد، كانت السيدة جائعة ومجهدة، لكنها خشيت ترك صغيرتها وحيدة.

قرب المغرب خاضت المغامرة، «ممكن والنبى تخلوا بالكم عقبال ما أجيب لقمة وآجى» قالتها للمرافقين لها بالغرفة وانطلقت إلى أقرب محل تشترى ما يسد جوعها، تاركة ابنتها ذات العامين نائمة وفى فمها «ببرونة» فارغة.


مواضيع متعلقة