أوراقهم تحكي| نبيل فاروق طبيبا في الصعيد الجواني: الكشف على المرأة عار

أوراقهم تحكي| نبيل فاروق طبيبا في الصعيد الجواني: الكشف على المرأة عار
- أوراقهم تحكي
- نبيل فاروق
- مذكرات طبيب في الصعيد الجواني
- أوراقهم تحكي
- نبيل فاروق
- مذكرات طبيب في الصعيد الجواني
طبيب تخرج لتوه من كلية الطب جامعة طنطا، حالمًا بالزواج من حلم عمره، وكان الطريق لأجل المراد طويل في غياهب الصعيد، حيث أُرسل إلى محافظة قنا في دورة تدريبية استغرقت شهرين، واستلم بعدها عمله بوحدة أبو دياب شرق. رحلة علمية خاضها كاتب الأدب البوليسي والخيال العلمي نبيل فاروق قبل أن يهتدي إلى الطريق الذي يبرع فيه ويكن له كل الشغف ويكتب سلسلتيه الشهيرتين "الرجل المستحيل" و"ملف المستقبل".
في كشف "قنا" ورد اسمه ضمن أطباء التكليف دفعة ديسمبر 1980، خيالات داهمته فلعلها أكبر محافظات الصعيد على الإطلاق، ففي ذلك الحين كانت كلمة الصعيد هذه تبدو مبهمة مخيفة بالنسبة لسكان وجه بحري فهو اسم يرتبط بالصرامة والعنف والثأر والعقاب أيضًا، وبعد شهرين جاء قرار نقله من سطح الصعيد إلى أعماقه في "أبو دياب شرق" ليقضي فيه عامًا على الأقل.
في مجاهل وجبال مخيفة وعبر طرق ترابية غير ممهدة انطلق "فاروق" إلى "أبو دياب"، تلك الرحلة التي سردها في مجموعة مقالات بعنوان "ذكريات طبيب في الصعيد الجواني"، ليجد نفسه في مكان "لا يحوي صريخ ابن يومين" كما وصف ليكون هو "الصريخ" ولكن "ابن كذا يوم"، وكعادته في استكشاف كل مكان جديد تطأه قدماه راح يلتفت إلى ما حوله بمنتهى الاهتمام، وأول ما لاحظه هو أن القرية تنقسم إلى فريقين كبيرين "العرب" و"الهوارة".
كل فريق من العرب والهواره عالم خاص به يصعب اختراقه وكشف مكنوناته بالذات عالم الهوارة، الذي يشبه بـ"عالم النازية وأساطير السامية" فيه محدودية وتعال وقوة وغطرسة وزهو حتى أنهم يتصورون أنهم أفضل خلق الله، فلا ينبغي أن يمتزجوا بباقي البشر ولا أن يشاركوهم أو يصادقوهم أو يزوجوهم بناتهم، فلا بأس عندهم في أن يتفضلوا بالزواج من بنت حواء أخرى من أي مجتمع باعتبار أنهم ـ طبقًا للفكر الجنوبي ـ يسيطرون عليها وعلى عائلتها أيضًا، أما أن يمنحوا بناتهم لجنس آخر فهذا هو المستحيل بعينه، وعلى جانب آخر يوجد العرب بتماسكهم واعتدادهم وإصرارهم على إثبات منبتهم وأصالة وجودهم، فكل المهن المتطورة كان يمتهنها العرب أي الهوارة، فهم أصحاب الأراضي الواسعة والثروات الضخمة.
من المستحيل أن يصف شخص أزياء نساء الهوارة لأنهن يرتدين "البردة" طوال الوقت وهي عبارة عن شيء أشبه بالبطانية ولا يظهر منها سوى عين واحدة ترشدها إلى الطريق، ولهذا الحرص واجهته مواقف أثناء مرض واحدة منهن، ففي أغلب الأحوال يتركها أهلها للطبيعة فإما أن تشفى وحدها أو ترتاح من عذاب الدنيا.
أما لو كان زوج المرأة الهوارية متفتحًا فالأمر هنا يختلف، ويتذكر الكاتب نبيل فاروق تلك الفترة بوجوده كطبيب الوحدة الصحية ويأتي زوج سيدة من الهوارة بعد منتصف الليل بساعة أو ساعتين وهو يخفي ووجهه بوشاح سميك "وبعد أن يباغتك ويقطع ولدك ويخبرك بكلمة في سرير الليل، سيطلب منك بخشونة أن تعد حقيبتك وتتبعه ووسط الحقول والظلام ومع موسيقى فحيح الثعابين وعواء الذئاب الشجي"، تسللا معًا إلى منزله وقطعا الأسلاك الشائكة وتجاوزا حقول الألغام حتى يمكن للطبيب أن يوقع الكشف الطبي على زوجته التي تعاني من مغص كلوي حاد منذ شهر واحد، دون أن ينتبه هواري آخر إلى هذا العار، وبعد الكشف كانوا يعيدوه إلى الوحدة الصحية متسللًا كما جاء.
لم تنته مواقف رجال هوارة ونسائهن هنا، فكان طبيبعيًا أن يجد أمامه عملاقًا ضخمًا، عريض المنكبين، كث الشارب والحاجبين، غليظ الملامح، يشكو من أعراض غريبة "ا يمكنك معها إلا أن تصافحه وأنت تبتسم في ارتباك قائلا: "مبروك جنابك حامل في شهرين"، فالأعراض التي يصفها بمنتهى الدقة تعاني منها زوجته وليس هو، ولكنه يأتي للكشف بدلًا منها حتى لا تنكشف على رجل آخر.
ومن أطرف المواقف التي واجهها بسبب هذه العادات أنه تسلل يومًا إلى منزل أحدهم في الثانية صباحًا، ليجد بابًا مغلقًا به ثقب في منتصفه، ومن الثقب يبرز إصبع إمرأة، التهب ظفرها وامتلأ بالصديد "وبمنتهي العناد والإصرار رفض زوجها أن أقوم بقياس درجة حرارتها أو مستوى ضغط الدم لديها، باعتبار أن الإصبع هو المصاب وهو ذا أمامي، فما الذي أريده أكثر من هذا؟.. قلة حياء.. مني طبعًا".