بروفايل| فادى أبوصلاح.. عز الرجال

كتب: محمد أبوضيف

بروفايل| فادى أبوصلاح.. عز الرجال

بروفايل| فادى أبوصلاح.. عز الرجال

بقبضة يده أخذ يدفع عجلات كرسيه الصغير، يدفعه بكل قوة، لكى يقهر تلك الأرض المشبعة بالدماء، يعبرها سريعاً، نحو مثواه الأخير، تمنعه أمه: «يكفى»، تذكّره بأولاده الخمسة، مصيرهم المجهول.. يرفض.. يدفع عجلاته مرة أخرى، دون أن يعبأ بهم، ويرفض أن يتخلى عن الأرض فى يوم نكبتها.

فادى أبوصلاح، ذو 29 عاماً، غزاوى المولد، نصف جسد، يتحرك على عجَلتين، وكأنه فارس من زمن آخر، فيه عَزّ الرجال، يلتقط حجراً، يضعه فى مغمدة بالمقليعة -أداة يستخدمها الفلسطينيون فى قذف الحجارة- وبحبلها الطويل يفتح ذراعه عن آخرها، يفتح صدره للهواء تصيبه رصاصة غادرة، كان القناص المحتمى بالكثبان الرملية، القابع بين جنوده المدججين بالسلاح، يتحين الفرصة، ليصيب النصف الباقى من الجسد، سكنت الرصاصة صدره، وأخيراً تحرر جسده من تلك العَجَلة، ودّعها، ورحل إلى مثواه الأخير.

«ومن الدم المسفوك أذرعة تنادينى: تعالَ!.. فلترفعى جيداً إلى شمس تحنّت بالدماء.. لا تدفنى موتاك!.. خلّيهم كأعمدة الضياء.. خلّى دمى المسفوك.. لافتة الطغاة إلى المساء».. محمود درويش - الموت مجاناً.

هو نفسه اليوم، 14 مايو 2008، كتب على صفحته الشخصية على «الفيس بوك» يتذكر حين فقَد نصف جسده بسبب ذلك الصاروخ الذى أطلقته طائرة إسرائيلية خلال عملية الرصاص المصبوب، مرت عشر سنوات، ليقدم «فادى» ما تبقى من جسده فى اليوم ذاته ويُكتب شهيداً بتاريخ 14 مايو 2018.

تلك الذكرى لم تثنِه، ظل الشاب المقعد على كرسى متحرك، يحافظ على موقعه بين المتظاهرين فى ذكرى العودة منذ إقامته فى الثلاثين من مارس الماضى، ترك بلدته «عبسان الكبيرة» جنوب شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، واصطحب أولاده الخمسة من أكبرهم ذى السبعة أعوام وحتى أصغرهم هذا الطفل الرضيع الذى لم يكمل عامه الأول بعد، وزوجته ووالدته إلى إحدى خيام العودة المنصوبة شرق بلدة خزاعة جنوب شرق غزة، ليكون قريباً من موقع الأحداث.

كانت إيفانكا ترامب تفتتح بأسارير منفرجة سفارة الولايات المتحدة فى القدس بصحبة شركائها من قيادات إسرائيل، تدوّن اسم والدها الرئيس الرابع والعشرين لأمريكا فى لوحة على جدران مغتصبة. حينها كان «أبوصلاح» يتحرك بكرسيه نحو السياج الفاصل شرق بلدة خزاعة، وكله حنين لتلمس عجلات كرسيه تلك الأرض التى لم تطأها قدماه منذ أن طردت العصابات الإسرائيلية عائلته منها عام 1948، ولكن كانت رصاصات الغدر أقرب إلى صدره من ذلك.

«سجل.. أنا عربى.. سلبت كروم أجدادى.. وأرضاً كنت أفلحها.. أنا وجميع أولادى.. ولم تترك لنا ولكل أحفادى.. سوى هذى الصخور».. محمود درويش.

 


مواضيع متعلقة