عودة الابن الضال
تبذل وزارة الداخلية بدعم من القوات المسلحة جهوداً مضنية لفرض الأمن، وتحاول جاهدة -كمن يقبض على الجمر- فى المضى قدماً لتنفيذ خطتها فى التأمين والقضاء على كل ما يخل بالأمن أو يرهب المصريين سواء جماعات إرهاب سياسى أو بلطجية استغلوا الفجوة الأمنية لفرض هيمنتهم على بعض المناطق، وفى نفس الوقت الحفاظ على حقوق الإنسان فى القبض والتفتيش والاحتجاز دون الرجوع إلى أساليب سابقة فى القبض العشوائى أو الاعتقال وغيره، مما كلف المصريين وكلف الوزارة نفسها أثماناً غالية بسببه.
ويدرك كافة المعنيين بحقوق الإنسان صعوبة التوفيق بين العمل الأمنى المهنى ومعايير حقوق الإنسان نظراً لما تحتاجه من كفاءة عالية على المستوى المهنى وإمكانيات كبيرة على مستوى التسهيلات والأدوات المعلوماتية والميدانية مما جعل هذه المعادلة الصعبة لفترة طويلة موضع الخلاف الدائم بين الحقوقيين والأمنيين وكانت دائماً معايير حقوق الإنسان موضع تهكم من المسئولين الأمنيين الذين كان بعضهم يختزل الأمر بالقول «بدلاً من تعذيب المجرم تطلبون تدليله» وكأن مرادف التعذيب هو التدليل، ولأن الأمر لم يكن بهذه السطحية كان استخدام عيد الشرطة فى الدعوة لثورة جاذبة لقطاعات واسعة من المصريين.
ويبدو أنه بقدر قسوة الدرس بقدر استيعاب الشرطة له، الأمر الذى انعكس على العمل بأعلى درجات الحرفية وضبط النفس فى مواجهة أقصى درجات الإرهاب ولأول مرة نرى سقوط قتلى وجرحى من جانب الشرطة دون الإرهابيين والمجرمين، ولكن فى الوقت الذى يحاول قطاع من الشرطة العمل بمشرط جراح للفصل بين المشتبه فيهم والأهالى ومحاربة عصابات منظمة فى أماكن مكتظة بالسكان ويدفع البعض حياته ثمناً لأداء الواجب، نجد بعض العاملين فى قطاع آخر كالابن الضال الذى يعمل جاهداً على استغلال المصريين للنفع الذاتى غير مبالٍ بأثر ذلك على العلاقة بين الشعب والشرطة وعلى الشرطة إجمالاً.
فقد عاد بعض أمناء الشرطة فى قطاع المرور وبقوة إلى سابق عهدهم فى العمل على خصخصة مخالفات المرور، فبالإضافة إلى المظاهر العبثية فى وجود أمناء بزيهم الرسمى الأبيض يحملون دفاتر مخالفات ويحررون مخالفات على سيارات فى مشهد من الكوميديا السوداء لا شىء فيه غير مخالف، ولا يعرف فيه على أى معيار يتم تحرير المخالفات، لكن الأخطر هو عودة صيد الزبائن، حيث تتواتر شكاوى من الشباب وسائقى المواصلات الخاصة كالتاكسى والميكروباصات من العودة القوية والعلنية لبعض أمناء الشرطة الذين يصطادون هذه الفئات ويطالبونهم بسحب الرخص أو الاصطحاب إلى قسم الشرطة، وبحسب ماركة السيارة تكون قيمة الإتاوة أو بالأحرى «التقليب» الذى قد يبدأ من عشرين جنيهاً إلى خمسمائة فى السيارات الخاصة، أما السائق وإن كان يحفظ قانون المرور عن ظهر قلب، لكنه يضطر إلى دفع الإتاوة حتى يعود فى نهاية اليوم بما يسد جوع أسرته بلا مشاكل، وقد بدأت هذه المشكلة تستشرى فى مناطق الطبقات الكادحة مثل إمبابة، الشرابية، حلوان وغيرها.
هذه العودة غير الحميدة للابن الضال لوزارة الداخلية تستلزم وقفة حاسمة وإعادة نظر فى المنظومة بدءاً من وجود لجان لتنظيم المرور بصورة حاسمة تحت إشراف ضابط مسئول إلى حملات إعلامية حول قانون المرور حتى يعرف المخالفون مخالفتهم ولمن يشتكون، إلى قوة تنفيذ للقانون مضادة للخصخصة، فإن كان هناك قلة ضالة تستغل انشغال الداخلية بقضايا الوطن عما يتقاطع مع الحياة اليومية للمواطنين، فإن الأمر يستحق مزيداً من الرقابة والجهد حتى لا تطال هذه الجرائم التى بدأت تنتشر من نضال كبير ودماء تدفعها الشرطة لفرض الأمن العام.