بصمة صوت| "الفاجومي".. النجم "الأهوج"

كتب: عبدالله علي عبدالله

بصمة صوت| "الفاجومي".. النجم "الأهوج"

بصمة صوت| "الفاجومي".. النجم "الأهوج"

"إن الذين يمدون أرجلهم لا يمدون أيديهم"، قالها شيخ "مقشف" للسلطان سليم الأول خلال جولته مع موكبه، في أعقاب الإطاحة بالسلطان طومان باي قائد المقاومة الشعبية ضد الغزو العثماني لمصر؛ معلنًا بها رفضه لعطاياه، ورواها الشاعر أحمد فؤاد نجم في كتابه "يا أهلي يا حبي يا حتة من قلبي"، شارحًا بها المعنى الكامن وراء لقبه الأشهر "الفاجومي"، هكذا عُرِفَ وعَرَّفَ نفسه في فخر "الفاجومي هو الإنسان الأهوج الأحمق، اللي ملوش حسابات".

نسقٌ حياتي عفوي، خلقه "سفير الفقراء" كممر ممهد طيلة 84 عامًا، هي عمر "شاعر تكدير الأمن العام"، "أنا كدا، وبيقولوا عني بستخدم كلمات بتخدش الحياء العام، والمدهش في الأمر إن الناس بتمارس ده، ولما تيجي تقراه يقولوا عيب، فأنا مش فاهم، يعني ناس كتير زعلوا مني عشان بكتب اللي حصل، فبقوله طيب يعني إنت زعلان إني كتبته، طيب بتعمله ليه"، ظهر ذلك جليًا في أشعاره وحتى هيئته وإصراراه على ارتداء "الجلباب البسيط"، هو بلا منازع نجم البساطة والعامية " ظل طوال حياته نحيف الجسم، على الرغم من ولعه الشديد بالأكل الجيد، لا تراه إلا مستقيم العود، رافع الرأس"، كما رثاه جلال أمين في ذكراه الأولى.

  

 

يكتب كما يعيش أو يعيش كما يكتب، لكن القطفة الأولى والتأثير الأكبر كانا من نصيب الأم، فعندما سأله الإعلامي ناصر اللحام "عندما كنت صغيرًا، بمن تأثرت من الشعراء؟"، أجابه: "بأمي.. كانت امرأة لا تعرف القراءة والكتابة، علمتني أمي كل شيء.. علمتني أن أكون رجلًا وألا أبلع لساني"، هكذا حمى موهبته وحفظ عليها من الابتذال أو البيع، ودفع ثمنها بـ18 عاما قضاها في السجن.

وفي حوار أجرته الإعلامية رولا خرسا في برنامج "نجوم وأجيال" بإذاعة لندن عام 1998، تحدث "نجم" الذي ولد في 22 مايو 1929 كيف كانت قصيدة "كلب الست"، سببًا في أن يسأل نفسه "ليه ما اكتبش شعر"، جاء فيها: " هيص يا كلب الست هيص.. لك مقامك في البوليس.. بكرة تتألف وزارة للكلاب ياخدوك رئيس.. انت فين والكلب فين.. إنت كدة يا اسماعين.. طب دا كلب الست يا ابني.. وإنت تطلع ابن مين"، وصفها كامل الشناوي بـ "أنها قصيدة عبقرية ولولا ذلك لقتلك الشعب المصري".

يرجع "الفاجومي" أسباب كتابة "قصيدة الست" إلى أن أحد الشباب كان يمر أمام فيلا أم كلثوم بحي الزمالك، فعقر الكلب المكلف بحراسة المنزل الشاب، وعند تحقيق النيابة في الأمر قالت "إن الخدمات التي أدتها السيدة أم كلثوم للبلد تعفيها هي وكلبها من أي شبه جنائية"، ما استفز الشاعر المنحاز للفقراء.

في صغره، مات الأب عائل الـ17 ابنًا، الذي سمى ابنه على اسم ملك مصر حينها أحمد فؤاد، ترك للأم خمسة من الصغار القصر، وثلاثة جنيهات، ولم يبلغ "نجم" بعد السادسة من العمر، اضطرت الأم إلى إخراج الأولاد من المدرسة، وأرسلت "الفاجومي" إلى إحدى دور الرعاية، حرمته من الدفء، لكن ظلال حنينها لازمه حتى مطلع الكبر، لم يحيا داخل جدران الملجأ كثيرًا، تنقل بين حرفٍ عدة، طُرد من القاهرة وعاد إليها قبل أن يتشكل وعيه بقراءته رواية الأم لـ"مكسيم جوركي"، وعلق عليها "هي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته".

 "خوش قدم" حارة شعبية كائنة في منطقة الغورية، وأصلها تركي ويعني "قدم السعد أو الخير"، وهو اسم أحد المماليك الذين حكموا مصر، وأقام فيها قبل أكثر من 700 عام، هنا جمعت الصحبة والشعر  والغناء "نجم" والشيخ إمام عيسى، لتنجب الحارة العتيقة أروع أشعار العامية، قبلما تتحول لمزار ثقافي، "تعرفت على الشيخ إمام عام 1962 في بيته بـ(خوش قدم)، كان متوقف حينها عن الغناء وكان يغني الطقطوقة بالطريقة القديمة، فطلبت منه أن يغني" فكانت أولى كلماته" "أنا أتوب عن حبك" باكورة تعاونهما "أنا أتوب عن حبك أنا؟ أنا ليا في بعدك هنا؟ دا أنا بترجاك الله يجازيك يا شاغلني معاك وشاغلني عليك وإن غبت سنة أنا برضه أنا لا أقدر أنساك ولا ليا غنا ولا أتوب عن حبك أنا".

وعقب نسكة 1967 كتب أحمد فؤاد نجم كلمات الأغنية التي تسببت في دخوله السجن بصحبة الشيخ إمام، بعدما انفجر بداخلهما بركان غضب بعد هزيمة الجيش وضياع الحلم "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار، يا أهل مصر المحمية بالحرامية الفول كتير والطعمية والبر عمار والعيشة معدن وأهي ماشية آخر أشيا".


مواضيع متعلقة