في رحاب القدس| "حبس المسيح".. دير أرمني بمباركة عثمانية

كتب: دينا عبدالخالق

في رحاب القدس| "حبس المسيح".. دير أرمني بمباركة عثمانية

في رحاب القدس| "حبس المسيح".. دير أرمني بمباركة عثمانية

 

"المَجْد لله في العُلَى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة، نسبحك، نباركك، نسجد لك، نمجدك، نشكرك، لأجل عظیم جلال مجدك" ترنيمة لنشيد التمجيد تجسد احتواء بقاع فلسطين المتفرقة، للكثير من الأماكن المقدسة لأطياف دينية مختلفة، فلم تقتصر على المسجد الأقصى فقط، الذي يعتبر أشهر مقدساتها، فتضم أيضًا عدة مقدسات مسيحية، التي تعتبر قبلة الكثيرين، وبينها دير "حبس المسيح".

وتتعد الأديرة التي تحمل هذا الاسم في مدينة القدس وفق تعدد معتقدات الطوائف المسيحية المقدسية وتصوراتها حول حبس المسيح عيسى (عليه السلام)، فهناك دير يحمل هذا الاسم يتبع اللاتين، ويقع إلى الشمال من مبنى القشلة مقابلًا لمدرسة روضة المعارف، وهناك دير آخر اتخذه الأرمن يقع في حي النبي داود (عليه السلام) على جبل صهيون، أما الدير الثالث الذي عرف بحبس المسيح، فهو خاص بالروم الأرثدوكس، ويقع إلى الشمال من الحرم الشريف، ويشتمل تجويف مظلم تحت الأرض، يعتقدون أن المسيح حبس فيه، كما يشتمل على كنيسة ترجع فكرة بنائها إلى القرن الخامس الميلادي.

يقع دير "حبس المسيح" الذي يضم "كنيسة الجلد" أو كما يطلق عليها "حبس المسيح"، و"كنيسة الحكم" بالقرب من موقع قلعة أنطونيو قديما التي بناها هيرودس بين عامي الـ35 والـ37 لحماية الهيكل، وبعد موته استعملها الحكام الرومان، وفي كل يوم جمعة من الأسبوع، وفي تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر، وفي قلب المدرسة الإسلامية يبدأ الآباء الفرنسيسكان مع مسيحيي المدينة المقدسة رياضة التوبة "درب الصليب"، ويمرون من دير حبس المسيح.

اتخذ الأرمن من الدير قبلة لهم، ووردت إشارات إليه في بعض الحجج الشرعية، منها مثلًا ما يشير إلى خرابه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، حيث طلب الأرمن تعميره عام 1888، ووافقت الدولة العثمانية على إعادة التعمير والترميم للدير، ويتضمن كنيسة صغيرة بها حجرة الحبس الصغيرة، بجوار الموضع الذي ضُرب فيه المسيح، وساحة بها عدد من قبور بطاركة الأرمن وأساقفتهم، كما يوجد بالجهة الشرقية من الدير نصب تذكاري نقش عليه اسم "هاكوب أفندي أشقبان"، الذي مات في القاهرة عام 1887، ونقل رفاته إلى هذا المكان عام 1890، تقديرًا لتبرعاته السخية للدير، بحسب موقع منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي مدينة القدس، داخل أسوار البدلة القديمة، في بداية طريق الآلام تحديدًا، داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، في حارة السعدية، على مقربة من باب النبي داود "باب الخليل"، في سور القدس الجنوبي، هناك حيث حكم على المسيح بالموت، تقع كنيسة "جلد المسيح" للآباء الفرنسيسكان التي بناها الصليبيين في القرن الثاني عشر الميلادي، هُجرت لعدة قرون حتى سنة 1838، إلا أنها أعيدت للآباء الفرنسيسكان بفضل من ماكسيمليان من بافاريا، ويعتقد المسيحيون أن المسيح اقتيد لسؤاله أولا قبل تقديمه للمجمع اليهودي للمحاكمة ثم التعذيب، وفقا لوكالة "وفا" الفلسطينية.

رممت الكنيسة بيد المهندس المعماري أنطونيو برلوتوي عام 1928، محافظًا على تراث العصور الوسطى، وفي المدخل تقبع أقواسًا تعود للعهد الصليبي تحيط بالمذبح، الذي بُني المذبح بطريقة مميزة وملفتة ونُحت على بيت القربان وجه السيد المسيح مكللًا بالشوك، وكُتب عليها "ملك القلوب"، حسبما أورد المركز الإعلامي المسيحي.

يُحتفل في هذه الكنيسة بعيد يسوع الملك خلال الجمعة قبل الأخيرة من شهر نوفمبر، أما زجاج المنافذ الملونة المستقرة أعلى الهيكل والذي صممها كمبيموني؛ يظهر المسيح يغسل يديه، وجلد المسيح، وإطلاق سراح بارابا، وفي قبة الكنيسة، رسُم أكليل من الشوك مزين بالورد يشير إلى الحياة التي منحها "ملك القلوب" لأتباعه بمعاناته.

تلك المعاناة رواها الإنجيلي يوحنا قائلا: "فأخذ بلاطوس يسوع وجلده، ثم ضفر الجنود إكليلًا من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه رداءً أرجوانيًا، وأخذوا يدنون منه فيقولون: السلام عليك يا ملك اليهود، وكانوا يلطمونه، وخرج بلاطوس ثانيا، وقال لهم: ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أنه لا أجد فيه سببًا لاتهامه، فخرج يسوع وهو عليه إكليل الشوك والرداء الأرجواني، فقال لهم بلاطوس ها هو ذا الرجل فلما رآه عظماء الكهنة والحرس، صاحوا: اصلبه.. اصلبه، فقال لهم بلاطوس: خذوه أنتم فاصلبوه فإني لا أجد فيه سببًا لاتهامه".

"افتح اللهمّ شفتيّ ليخبر فمي بمجدك، افتح اللهمّ شفتيّ ليرتّل فمي تسبيحك، المجد للآب والابن والروح القدس وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" مقطع آخر من ترنيم نشيد التمجيد، يُحاكي أجواء كنيسة الحكم التي تقع في مقابل كنيسة الجلد، رممها "كويزر" عام 1904، على بقايا كنيسة من العصور الوسطى، ويقدر عمرها بألف وثلاثمائة سنة، والتي اكتشفت بالصدفة حينها.

وفي المدخل نَحت لصورة يوحنا الحبيب وهو يحجب المسيح المعذب عن أمه حتى لا ترى آلام ابنها، وعلى اليسار يقع المذبح المبني على أعمدة صغيرة كتلك التي يستعملها الرومان، ويعلو المذبح نحت لصورة السيد المسيح حاملا صليبه متوجها لخارج المدينة، وفي الجهة اليسرى يوجد تمثال يسوع مكبلا بالقيود مساقا للجلد، وفي الجهة اليمنى يوجد تمثال اليسوع حاملا صليبه وعلامات المعاناة تظهر على وجهه. وأرضية "كنيسة الحكم" مصنوعة من بلاط كبير، وبحسب التقليد الكنسي هو البلاط نفسه الذي وضع عليه كرسي القضاء الذي خص بلاطوس يوم أصدر الحكم على يسوع، وأطلق الرومان على هذه الأرضية اسم "ليثورتبس". 


مواضيع متعلقة