د.محمد سليمان يكتب: دينوقراطيس محقق الحلم

كتب: د.محمد سليمان

د.محمد سليمان يكتب: دينوقراطيس محقق الحلم

د.محمد سليمان يكتب: دينوقراطيس محقق الحلم

يطلق اسم دينوقراطيس على أحد الشوارع الجانبية بحى الشاطبى بالإسكندرية، والذى كنت أظن أنه كان من الواجب إطلاق اسمه على أكبر شوارع المدينة الرئيسية، فمن هو دينوقراطيس أو ديانوقراطيس أو ديمقراطيس شيروقراطيس أو ستاسيقراطيس؟

تستلزم إجابة هذا السؤال الرجوع إلى الوراء بالتاريخ إلى قرابة الألفى عام أو يزيد وربما أيضاً استلزم استحضار الأحلام.. نعم، الأحلام؛ فالبداية كانت حُلماً رآه الإسكندر الأكبر سنة 321 قبل الميلاد، حلم فيه الإسكندر الأكبر بالشاعر الإغريقى الأشهر هوميروس -كاتب الملحمتين: الإلياذة والأوديسة- وهو ينشده بعض سطور الأوديسة التى تعرَّض فيها إلى جزيرة فاروس، والتى تقع الآن فى الميناء الشرقىّ فى الإسكندرية حول القلعة المعروفة «قلعة قايتباى» وامتدادها، وكعادة العظماء يحولون الأحلام إلى حقيقة فما لبث الإسكندر حتى ذهب إلى هذه الجزيرة المواجهة لقرية راقودة باليوم التالى ممسكاً بالصندوق الذهبى الذى يحتوى على أعمال هوميروس والذى قد استولى عليه من خزائن الملك الفارسى داريوس الثالث وقضى على إمبراطوريته، وبعد صمت وتأمل كبير من الإسكندر الأكبر واقفاً بهذا الموقع العبقرى الساحر قرر أن ينشئ المدينة الأسطورية والأعظم على وجه اليابسة، التى ستحمل، فيما بعد، تخليداً له، اسمه، وهى مدينة الإسكندرية التى هى «أعظم بوتقة ذهنية شهدها العالم. وبين جدرانها ترسّخت الأسس الحقيقية للعالم المعاصر، ليس فى المعمار فقط بل فى الأفكار»، على حد قول الكاتبين جاستن بولارد وهاوارد ريد.

وهنا جاء دور المهندس دينوقراطيس -أحد تلامذة هيبوداموس الذى قام بتخطيط مدينة أثينا- لتنفيذ هذا الحلم على أرض الواقع، فقد أسند إليه الإسكندر الأكبر تخطيط المدينة فجاء هذا التخطيط مطابقاً للنمط الهيبودامى والمعروف عند اليونانيين القدماء والذى يشبه كما نعلم جميعاً تخطيط رقعة الشطرنج، فهو عبارة عن شارعين رئيسيين متقاطعين وينشأ عنهما شوارع موازية لكلٍ منهما، واجتمع الباحثون على أن هذين الشارعين هما: شارع كانوب، الذى من بقاياه شارع فؤاد الحالى، وشارع السوما، والذى من بقاياه شارع النبى دانيال الحالى، مع ربط جزيرة فاروس وقرية راقودة بفكرة عبقرية، وهى جسر الهبتاستاديوم الذى تمدد ليصبح ما نراه اليوم ليعرف فى وقتنا هذا بطريق الكورنيش الحالى قرب منطقة المنشية، فيخلق هذا الجسر وقتها مرفأين كبيرين وهما: الميناء الشرقى والميناء الغربى الحاليان مع تخطيط معمارى فريد لنظام صرف المياه واستغلال المساحات وتوظيفها للمبانى التى أقيمت وقتها من خلال خمسة أحياء سُميت وقتها بأول خمسة أحرف من الأبجدية اليونانية وهى: ألفا وبيتا وجاما ودلتا وإبسلون، التى اتفق فيها المؤرخ فيلون السكندرى مع نظيره إسترابون على أنها: الحى الملكى «البروكيون» وحى ميدان السباق «الجمنازيوم» وحى كوم الدكة «السوما» وحى «المسيون» وحى «راكوتيس»، وبين هذه الأحياء وأبنيتها وُلدت حضارة جديدة مزيج بين الحضارة اليونانية والحضارة المصرية وهى الحضارة الهيلينستية.

* رئيس قطاع التواصل الثقافى- مكتبة الإسكندرية


مواضيع متعلقة