منطقة البورصة.. متحف مفتوح لروعة التراث المعمارى

كتب: سارة صلاح

منطقة البورصة.. متحف مفتوح لروعة التراث المعمارى

منطقة البورصة.. متحف مفتوح لروعة التراث المعمارى

بعد مرور شهرين على إطلاق إشارة البدء بتطوير منطقة البورصة بوسط البلد تغيرت الأوضاع والمشاهد تماماً، حيث بدت المبانى والمنشآت الحكومية بشارع «الشريفين» كأنها جديدة بعدما تم طلاؤها بدهانات حافظت على شكلها التراثى، فيما لا تزال أعمال تبليط الشوارع وإنارتها قائمة، بعد إغلاق كل المقاهى المخالفة التى كانت تحتل الشوارع، حيث يعمل المسئولون عن المشروع، الذين تنوعت وظائفهم ما بين مشرفين ومهندسين وصنايعة وعمال، لافتتاحه تزامناً مع احتفالات اليوم العالمى للتراث.

يضم شارع «الشريفين» الذى بدأت به المرحلة الأولى من التطوير، العديد من المبانى ذات الطابع المعمارى التراثى، وتم إحلال وتجديد بعضها، فيما احتاج البعض الآخر إلى طلائه من الخارج فقط ليبدو فى ثياب جديدة، من بينها مبنى الإذاعة القديم، ومبنى البورصة، وعدد قليل من المبانى السكنية التى تم إخضاعها للتطوير بعد الحصول على موافقة قاطنيها، فضلاً عن تطوير فندق كوزموبوليتان، الذى سيتم افتتاحه غداً بعد إغلاقه قرابة 3 سنوات، حيث تم دهان أغلبه باللون البنى، فيما وقف العشرات من العمال على المشدات الخشبية يواصلون عملهم فى تشطيب الفندق.

{long_qoute_1}

وتختلف طبيعة العمل فى منطقة البورصة عن غيرها، بحسب كلام وليد على، مشرف معمارى، مبرراً ذلك بأن حوائط العمارات حجرية ذات تراث قديم تحتاج إلى دهانات معينة تتناسب مع تاريخها، كما أن بعضها عفى عليه الزمن كمبنى الإذاعة الذى استمر العمل فيه قرابة شهر ونصف الشهر، إذ تم إحلاله وتجديده بجانب دهان الـ3 واجهات الخاصة به، وهو أكثر المبانى التى احتاجت إلى جهد للحفاظ على شكله القديم: «يتم معالجة كل المبانى بنفس الإمكانيات اللى كانت عليها قبل ذلك، وطول الوقت كنا حريصين على أن نحافظ على ملامح كل مبنى، لأن كل حجر موجود فى المنطقة ليه تاريخ عظيم، وبندهن الواجهات بخامات جيدة ضد عوامل الرطوبة والتعرية»، لافتاً إلى أن بعض العقارات تم إزالة أجهزة التكييف منها للحفاظ على شكلها التراثى كالعقار المواجه لمبنى الإذاعة، حيث تم إلغاء الأجهزة وبناء واجهة العقار مرة أخرى ثم دهانها.

ويشير «وليد» إلى أحد المبانى التى قام بتجديدها، قائلاً: «المبنى ده فيه أجزاء سقطت منه بفعل عوامل الجو، والمهندسين أخدوا عينة من الخرسانة للمعمل عشان يحللوها ويعرفوا التركيبة التى شيد بها، لأن هدفنا إننا نجدد مع الحفاظ على أصل كل مبنى، وفى بعض الأحيان كان بيقابلنا بلكونات عمود منها وقع، فبناخد الموجود ونطبعه على سليكون ونطلع نفس الشكل ونركبه من أول وجديد».

وعن اختياره للعمال الذين يخضعون لإشرافه، يقول «وليد» إنه تم عمل اختبار لمئات من الصنايعة قبل بدء عملية التطوير حتى وقع الاختيار على 64 عاملاً مختصين بالدهانات، و45 للإحلال والتجديد، لافتاً إلى أن عمال الدهانات وترميم المناطق الأثرية يختلفون تماماً عن غيرهم: «ما بين كل 20 عامل بنختار 2 عشان لأن الشغل فى المناطق دى محتاج فن واهتمام وشخص يقدر قيمة التراث، فضلاً عن أننا بنعمل شغل يعيش لـ200 سنة لقدام».

وفى نهاية الشارع، وقف العشرات من عمال «التبليط»، يعملون بهمة ونشاط، اختلفت أشكالهم وأعمارهم والشركات التى ينتمون إليها واجتمعوا فى مكان واحد، يقسمون العمل فيما بينهم، بعضهم يحمل الرمال والأسمنت، وآخرون يقومون بتركيب «البلاط»، من بينهم سعيد عبدالنبى، صنايعى رخام، الذى جاء قبل بدء التطوير لإجراء معاينة على أرض الواقع وعقب حصوله على موافقة من مسئولى المشروع، بدأ فى تركيب حجر «البازلت»، وهو النوع المخصص لتبليط المنطقة، نظراً لإضفائه جمالاً وشكلاً تراثياً يناسب تاريخ الشارع.

يروى «سعيد» طبيعة عمله التى بدأت فى منطقة البورصة قبل 20 يوماً: «الاستشارى المسئول عن تطوير المنطقة بيكون راسم خريطة للشارع كله على ورق وبانفذه على أرض الواقع، ومواصفات كل منطقة بتختلف، هنا عاملين جرانيت 60x60، وبازلت 20x40، ممكن يعيش العمر كله ولا يتأثر بمياه أو رطوبة، ونفذنا شارع الشريفين كله بجانب المداخل ومن المفترض أننا ننهى تبليط الشارع النهارده».

{long_qoute_2}

لم تكن هذه المرة الأولى التى يعمل فيها «سعيد» بالمناطق التراثية، إذ قام بترميم العديد من الكنائس الأثرية، فضلاً عن عمله فى خطوط مترو الأنفاق، الأمر الذى جعله على دراية بكيفية التعامل بعناية فى تركيب «البلاط» الذى يحتاج إلى دقة، بحسب كلامه: «الشوارع كانت مرصوفة قبل كده، لكننا رفعناها 15 سم عشان نقدر نوزن الأرضية، ويكون منسوبها متساوى، ولو قابلتنى منطقة عالية أو منخفضة فى الشارع مش هيفرق معايا لأنى حددت منسوب ماشى بيه طول الطريق، وبراعى طبعاً أثناء التركيب أن لو فيه مطر المياه ما تركنش بين البازلت».

وسط العشرات من العمال الموجودين بالمنطقة، وقف عادل عبدالعزيز، المسئول عن تطوير منطقة البورصة، يراقب بعينيه ما يفعلونه، ويستمع إلى طلباتهم التى يحتاجون إليها أثناء عملهم، يقول إنه بدأ فى تطوير المنطقة بناء على تعليمات المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، بعد إغلاق عدد كبير من المقاهى المخالفة، بمشاركة أكثر من 200 عامل وموظف و6 استشاريين، وشركتين تابعتين للقطاع الخاص، مقسمين على 3 ورديات، يعمل كل فريق منهم لمدة 8 ساعات متواصلة، لافتاً إلى أن كافة المبانى الموجودة بالمنطقة تحتاج إلى معاملة خاصة نظراً لقيمتها التراثية، حيث تم دهانها فى البداية بمواد «أيبوكسيه» ضد عوامل التعرية، ثم بمواد الدهان العادية، وكذلك الأرضيات تم وضع عازل قبل الرمال والبازلت حفاظاً على شكل الشارع.


مواضيع متعلقة