أستاذ الاقتصاد بـ«القاهرة»: من ينكر إنجازات «السيسى» فى الأمن والكهرباء والخدمات جاحد.. ويجب توفير معلومات لتقييم المشروعات

كتب: سيد جبيل

أستاذ الاقتصاد بـ«القاهرة»: من ينكر إنجازات «السيسى» فى الأمن والكهرباء والخدمات جاحد.. ويجب توفير معلومات لتقييم المشروعات

أستاذ الاقتصاد بـ«القاهرة»: من ينكر إنجازات «السيسى» فى الأمن والكهرباء والخدمات جاحد.. ويجب توفير معلومات لتقييم المشروعات

قالت الدكتورة شيرين الشواربى، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة: «جاحد من ينكر الإنجازات التى تحقّقت منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية، لكن نقص البيانات الخاصة بهذه الإنجازات يجعل كثيراً من الاقتصاديين فى حالة عدم يقين ويسألون: هل ما تحقق كان أفضل استغلال لمواردنا والأنسب لأولوياتنا؟ وتابعت أن هناك عدم وضوح فى التوجّه العام للدولة: «هل هو اقتصاد سوق حرة أم يعتمد على شركات الدولة كما هو حادث الآن؟، وأضافت «الشواربى» فى حوارها لـ«الوطن» أن هناك 3 عوامل مشتركة فى الدول التى حقّقت تقدّماً اقتصادياً، وهى الثبات على السياسات الاقتصادية، وتراكم الاستثمار فى البنية التحتية واتساع دائرة النقاش حول القضايا العامة، مؤكدة أنها تثق فى كفاءة ووطنية الحكومة، لكن مشاكل البلد كثيرة والمسئولية ثقيلة، مما يستلزم توسيع دائرة اتخاذ القرار، وقبول فكرة التقييم، وإتاحة المجال للنقاش والجدل المبنى على بيانات صحيحة توفرها الدولة. ولفتت إلى أنه لا أمل فى تحسين معيشة الناس إلا بتحقيق معدلات نمو عالية لا تقل عن 7% سنوياً من الصناعات التحويلية.

وإلى نص الحوار..

كيف ترين المشهد الاقتصادى فى مصر حالياً؟

- «جاحد من ينكر الإنجازات التى تحقّقت منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية، مقارنة بالأوضاع التى كنا عليها بعد ثورة 25 يناير 2011، ومن هذه الإنجازات أمور تبدو الآن بديهية، لكنها لم تكن موجودة، مثل الأمن وخدمات أساسية مثل الكهرباء، فالواقع أن الرجل حل مشكلات كثيرة خلال ولايته الأولى، وبدأنا نُحقّق معدلات نمو معقولة ومُرضية، حتى إن لم تكن كافية، بالنظر إلى التباطؤ فى النمو العالمى الذى نتأثر به طبعاً، لكن السؤال الأهم الذى لا أملك إجابة قاطعة عليه كاقتصادية هو: هل ما تحقّق كان أفضل استغلال لمواردنا المحدودة والأنسب لأولوياتنا؟

{long_qoute_1}

ولماذا تتعذّر الإجابة؟

- لأنها تتطلب معرفة بالبيانات كاملة وهذا غير متوافر، فما يقلق الاقتصادى دائماً ويشغله هو معرفة تكلفة الفرص البديلة، أى الخيارات الأخرى، ولا بد أن تتوافر المعلومات أمامه حتى يُحدّد أى الفرص أو البدائل أفضل، وهناك بعض الاقتصاديين ليسوا واثقين، نتيجة نقص المعلومات، من أن ما يتم إنجازه هو أفضل الخيارات، فضلاً عن عدم وضوح التوجّه الاقتصادى للدولة.

وما المعلومات التى لا تتوافر بياناتها؟

- المعلومات المتاحة عن كل المشروعات القومية الجديدة محدودة للغاية، وسنضطر إلى الحصول عليها أحياناً من الجرائد، عندما تعلن الحكومة عن إنشاء طرق بطول 4 آلاف كيلومتر، فهذا لا يكفى لأننا نحتاج إلى تفاصيل أكثر عن عدد السيارات التى ستمر على هذه الطرق، والجهات التى ربطتها وسهلت الحركة بينها، ودور هذه الطرق فى تيسير الاستثمار على جانبيها، وما يمكن أن يترتّب على ذلك من فرص عمل ويسبق ذلك طبعاً ربط هذه الطرق بخطط استثمارية محدّدة، ثم مقارنة كل هذا بتكلفة كل من هذه الطرق.

مثال آخر، عندما تعلن الحكومة أنها تستهدف 9.5% نمواً فى الصناعات التحويلية بحلول عام 2021 و2022، تظل المعلومة ناقصة ومربكة، لأنها لم توضح كيف يمكن أن نُحقّق هذه القفزة، ومن أى الصناعات؟ وحين تكون دول العالم المتقدّمة فى حالة ارتباك تأهباً للثورة الصناعية الرابعة التى ستُغير وسائل الإنتاج بشكل درامى، ولا نجد من يقول لنا كيف تستعد الحكومة لذلك فى خطتها 2030، فهذا أمر مهم يستحق التوضيح، وحين أبحث عن مشروع استزراع الـ1.3 مليون فدان، وأجد الرقم نفسه ضمن إنجازات الرئيس مبارك، فهل هذا يعنى أن الـ1.3 هى المساحة نفسها لكنها لم تزرع من أيام «مبارك»؟ أم أنها مساحة أخرى تصادف أنها أيضاً 1.3 مليون فدان؟ مرة أخرى ليس لدىّ أى اعتراض مبدئى على جهود الحكومة التى أثق فى كفاءتها ووطنيتها، لكن فى ظل غياب المعلومات، تُثار أسئلة كثيرة مشروعة عن مدى كفاءة ما تقوم به.

ما مشكلة التوجه الاقتصادى للدولة؟

- المشكلة فى عدم وضوح التوجّه العام للدولة، هو استقرار الرأى حول دور السوق الحرة وبالتالى تعزيز دور القطاع الخاص، أو يعتمد الاقتصاد بشكل رئيسى على دور الدولة كما يبدو الآن، ووارد أن تلجأ دولة ما فى وقت ما للقطاع العام لأن القطاع الخاص عاجز عن تحقيق التنمية المطلوبة لأى سبب، وقد حدث ذلك فى الصين وماليزيا وعدد من الدول التى نجحت فى تحقيق معدلات نمو عالية لعقود طويلة، لكن المهم هو أن تقوم الدولة بتدخلاتها، على اعتبار أنها خطوات مؤقتة لعلاج مشكلات، ومنها ضعف دور القطاع الخاص، يجب ألا تدوم، فرئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد، كان يقول «لقد ربّينا القطاع الخاص»، أى أنهم شجّعوه ووجّهوه فى الاتجاه المطلوب، لكن باعتبار أن هذا وضع مؤقت يجب أن تصاحب ذلك خطط وبرامج لتأهيل وتشجيع القطاع الخاص، لأنه هو وليس الدولة فى النهاية، المنوط به القيام بالاستثمار والتنمية وخلق فرص العمل، قد تكون لدى الحكومة خطط لذلك، لكننا لا نعرف تفاصيلها. {left_qoute_1}

معنى ذلك أنكِ غير قادرة على قراءة المشهد بوضوح نتيجة غياب البيانات الموثقة؟

- نعم، يبدو لنا أن هناك حركة ونشاطاً ومشروعات، لكن مجموعة من الاقتصاديين، وليس أنا وحدى، نرغب فى أن تطمئن، لا أقول قلوبنا، بل عقولنا الاقتصادية، من أن هذه المشروعات هى أفضل استغلال ممكن للموارد المحدودة، وأن الحكومة لديها رؤية لأمور مهمة، منها زيادة الدين العام، الذى تجاوز الـ100% من الناتج المحلى الإجمالى، وكاقتصاديين، نحن نعلم أن هذا المستوى لا يمثل بالضرورة تهديداً لاستدامة المالية العامة، فلو أن هناك مؤشرات على مدار 10 سنوات مثلاً، تؤكد ارتفاع معدلات النمو، وبالتالى عوائد الخزانة العامة من ضرائب وغيرها، ومعها زيادة قدرتنا على سداد الدين وخفض عجز الموازنة، وبالتالى نسبة الدين إلى الناتج، هذه المؤشرات ليس متوافرة لنا كباحثين، لذلك نحن فى حالة بحث دائم عما يجعل ما تعلمناه فى خدمة هذا الوطن، وأعتقد أننا فى مرحلة حرجة ومشكلات البلد كثيرة والمسئولية ثقيلة، مما يستلزم توسيع دائرة اتخاذ القرار، وقبول فكرة التقييم، وإتاحة المجال للنقاش والجدل، وربما السماح ببعض التعديلات هنا أو هناك إذا لزم الأمر.

فى عام 2008، أصدر البنك الدولى تقريراً مهما بعنوان «growth commission report»، جاء فيه أنه من بين العوامل المشتركة للدول التى نجحت فى تحقيق نسب نمو كبير ومستمرة، هو وجود حالة من النقاش والجدل، وحتى لا يكون النقاش مجرد «مكلمة»، يجب أن توفر أجهزة الدولة كل البيانات اللازمة، نحن كاقتصاديين «صنايعية.. أعطنا معلومات نعطيك تقييماً سليماً».

هل غياب المعلومات هو السبب فى اختلاف التقييم للأوضاع بين الاقتصاديين؟

- هذا سبب رئيسى طبعاً، وهناك سبب آخر وهو اختلاف نقاط الأساس للمقارنة؟ فإذا أردنا أن نحكم على الأوضاع الحالية لا بد أن نقارنها بغيرها، هناك من يقارن بالعام الماضى، وهناك من يقارن بالفترة التى أعقبت ثورة يناير مباشرة أو قبلها؟ لذلك تأتى النتائج مختلفة، وأحياناً يقوم البعض باختيار نقطة أساس معينة، لأنها تخدم وجهة نظره، وأحياناً أخرى يكون القياس مقارنة بأداء دول أخرى.

أشرت إلى ضرورة توسيع دائرة القرار ونقاش القضايا العامة كأحد العوامل المشتركة للدول التى حقّقت تقدماً اقتصادياً، فما العوامل الأخرى؟

- أمران، أولهما الثبات على تنفيذ السياسات التى توافق عليها المجتمع، بغض النظر عن شكل النظام السياسى، سواء كان ديمقراطياً أو غير ديمقراطى، مثلاً فى المجتمعات الديمقراطية كما فى الدول الاسكندنافية تتغير الحكومات، لكن تبقى الأهداف محل اتفاق، وفى النظم غير الديمقراطية كما هو الحال فى الصين هناك ثبات على سياسات وأهداف اقتصادية منذ نحو 40 عاماً، الأمر الثانى هو تراكم تطوير البنية الأساسية، وهذا ما تفعله مصر هذه الأيام، طبعاً كان هناك نشاط واضح فى تطوير البنية التحتية قبل ثورة يناير، لكن الرئيس السيسى يحاول إنجاز ما تم فى 30 عاماً خلال 3 سنوات فقط، أى يحاول تجاوز تحدى الوقت.. والحقيقة هو «شغال على حاجات كتير» جنب بعض.

لماذا تؤكدين أن ما يجرى إصلاح اقتصاد كلى؟ وما الفارق بينه وبين الإصلاح الهيكلى؟

- ما يحدث الآن فى مصر وفقاً لبرنامج صندوق النقد الدولى إصلاح للمؤشرات الكلية وليس إصلاحاً هيكلياً والفرق كبير.. الإصلاحات الكلية تشمل أموراً مثل ضبط عجز الموازنة والدين العام وسعر الصرف، أما الإصلاحات الهيكلية فتتعلق بجوهر الاقتصاد، وهو الإنتاج وشكل الملكية، تحسين مناخ الاستثمار، وتحفيز الصناعة المحلية والتصدير.. إلى آخره، وصندوق النقد غير معنى بالإصلاحات الهيكلية فهو فقط يركز على الكلية، وأنا أشبّه ذلك بشخص يملك سيارة، خبراء الصندوق يمهّدون له الطريق مع صيانة سريعة للمحرك، تكفيه لعبور مرحلة، أما الإصلاحات الهيكلية فتقتضى إصلاح المحرك بشكل كامل حتى نستطيع تحقيق قفزات فى النمو، مما يعنى أن انتهاء مدة البرنامج مع الصندوق تكون بداية الإصلاح الحقيقى وليس نهايته.

{long_qoute_2}

ما أكثر ما يقلقك من الأوضاع الاقتصادية؟

- الأمر الأول أن نتوقف عن عملية الإصلاح الكلى مع نهاية البرنامج، ونُكرر ما حدث من قبل، ففى عامى 1987 و1991 بل فى 2003 بدأنا عمليات إصلاح لكنها لم تكتمل، وجهود الإصلاح فى عام 1991 كانت ناجحة جداً، لكنها لم تستمر، وفى عام 2003 أعلنت حكومة عاطف عبيد عن تحرير الجنيه، ثم تراجعت عن هذا القرار عملياً، واضطررنا أن نُعلن فى نوفمبر 2016 عن تحرير الجنيه مرة أخرى، وصندوق النقد قال إن الحكومة المصرية رسمياً تتبع نظام تحرير العملة منذ 2003، لكنه فى واقع الأمر ليس كذلك، هذا يعنى أننا نسير خطوة للأمام ثم نعود للخلف خطوتين، الإصلاح عملية مستمرة ودائمة وليست مؤقتة، الأمر الثانى، وهو الأخطر أن نقف عند حدود الإصلاح الكلى ولا نتجاوزه للإصلاح الهيكلى بخطط ومشروعات قادرة على إحداث تحول اقتصادى حقيقى.

ألا تعد المشروعات الكثيرة الجارى تنفيذها إصلاحاً هيكلياً؟

- ربما، لكننى لا أستطيع القطع على أساس حسابات اقتصادية، لأنى لا أعرف عن هذه المشروعات تفاصيل كافية كما قلت، لكن ما أعرفه أنه لا أمل لنا فى تحسين معيشة الناس إلا بتحقيق معدلات نمو عالية لا تقل عن 7% سنوياً وفى قطاعات الصناعات التحويلية، فمثلاً حقل ظُهر منحة مؤقتة من الله يمكن أن ترفع نسب النمو لعامين أو ثلاثة، لكن لا يمكن المراهنة على تقدم اقتصادى اعتماداً على مصادر الاقتصاد الريعى، لاحظ أن هذه المنحة وديعة وللأجيال القادمة حق فيها، لكن نظراً لظروفنا بدأنا فى التصرّف فيها والإنفاق منها، لذا، علينا أن نستثمر عوائدها فى مشروعات صناعية تصديرية تسمح بخلق إيرادات مرتفعة ومستقرة للأجيال القادمة.


مواضيع متعلقة