خدعة الأم المثالية

يهل علينا شهر مارس وتنهال علينا أفلام ومسلسلات وإعلانات عن الأم  والأمومة.

لفت نظري إعلان لأحد المنتجات تتحدث فيه بطلات الإعلان عن الأمومة ، تقول إحداهن أنها ذهبت للكوافيرة دون ابنتها ولم تشعر بالذنب، وآخرى تقول  أنها إن لم تسعد نفسها كيف تعلم أبنائها إسعاد أنفسهم؟! ثم تقول أنها ليست أم مثالية، ولا تريد أن تكون أم مثالية..

من أخبر هذه الأم أنها ليست مثالية؟ ومن أخبر الآخرى أن ضميرها لابد أن يؤنبها حين تذهب مشوارًا دون ابنتها وإن كان مشوارًا للكوافيرة؟ هؤلاء الأمهات يمثلن شريحة كبيرة من الأمهات؛ شريحة تشعر باستمرار أنها مقصرة، وأنها أبعد ما يكون عن المثالية، رغم اقتناعها بما تفعله، شريحة معظمها من جيل الأمهات الجدد.

ماهي معايير الأم المثالية؟ ومن وضع كتالوج الأمومة؟ ومن له الحق في الحكم على جودة أمومة أي أم؟!

في موسم عيد الأم تنتشر حكايات عن الأمهات؛ تشترك جميعها في التضحية  والإيثار باختلاف التفاصيل والظروف.

أمهات اعتادن العطاء لأخر نفس. يمرض كل أهل البيت ويرتاحوا وهي تمرض واقفة ، ولا أحد يشعر! أقصى ما تحصل عليه إجازة من العمل، أمهات يحملن ويلدن ويسهرن ويصبرن ويتحمّلن  ويسمعن ويهونن ويطبطبن ويجبرن ويشجعن ويهذبن ويدبرن، ويتضرعن إلى الله ليلًا.

أمهات هنّ المادة الخام للصبر والعطاء والحب، أمهات هنّ رحمة وجنة  الله في الأرض.

أمهات دون قصد وضعن معايير وكتالوج للأمومة، كتالوج فيه كل ما يخص البيت وأفراده واحتياجاتهم، وتأتي الأم في أخر صفحات هذا الكتالوج، الصفحات التي غالبًا لا يلتفت إليها أحد!

هذا هو نموذج الأم المثالية المتعارف عليه، أم يتصدر أبنائها قائمة  ووسط أولوياتها ودعواتها وحياتها، حتى أحلامها فهي تحلم لهم، وكأن الأمومة تتعارض مع الأحلام! أم ذابت حياتها في حياة أبنائها؛ فلم يعد لحياتها ملامح، وربما تاه زوجها في دنيا أمومتها وأصبح فقط أبوالأولاد!

وماذا لو اشتكت؟ وماذا لو طلبت شيئًا لنفسها؟  وماذا لو حلمت لنفسها؟

هل انتقص ذلك من حبها لأبنائها، هل أسقط ذلك عنها وَهن الحمل ،وعذاب الولادة ،وسهر الليالي، وتعب السنين؟!

هل تخصيص وقت من يومها لها تفعل فيه ما يسعدها ويخفف عنها لتستعيد طاقتها من جديد يضر بهم؟

التضحية والعطاء والتحمّل  بمنتهى الحب والحنان والرحمة يهبطون على الأم مع هرمونات الحمل، يصبح أبنائها أهم ما في حياتها لا إراديا. ومع أي مرض أو مشكلة لأحد أبنائها لاترى سواه في الوجود، وكأن قلبها وعقلها وروحها سخروا أنفسهم فقط له حتى تنتهي مشكلته.

 فلا تزايدوا على جيل جديد من الأمهات، جيل رأى أن الأمومة ليست أخر العالم، وأن لازال لهن الحق في الحياة خارج إطار الأمومة. يخرجن ويقرأن ويمارسن هوايات، يحققن أحلامًا، يكملن دراسة، يرتاحن قليلًا من التزاماتهن. أمهات حين يتعبن يصرحن؛ ويطلبن المساعدة ما دام الأبناء في سن يسمح بالمساعدة.

أمهات يتركن مساحة لأبنائهن ليشاركون في القرارات والاختيارات الخاصة بهم ثم الخاصة بالأسرة، فثيكتسبوا مع الوقت مهارة إتخاذ القرار والاختيار الصحيح والاعتماد على أنفسهم، وتصبح الأم مع الوقت رأيًا استشاريًا؛ فيخرجون للحياة واثقين.

أمهات أدركن أن سعادة الأم تنعكس إيجابيًا على كل الأسرة. جيل جديد عرف جيدًا كيف يشرك الآباء في تربية الأبناء ولو بنسبة صغيرة، فيزلن بعضًا من حملهن، ويفدن أبنائهن أكثر من أن تكون التربية بروح أنثوية فقط، فاللرجال نظرة تكمل نظرة الأنثى وتدعمها أمام الأبناء.

أن تفني حياتك في حياتك أبنائك، أن تمهدي طريقًا جديدًا في الأمومة، أن تتفرغي لهم أول سنوات في حياتهم ثم ترسمي حياة لك أنتِ. لا تلتفتي لأحد افعلي ما ترينه مناسبًا، أنتِ أدرى الناس بالطريقة المناسبة التي تؤهل أبنائك للصورة التي تتمني رؤيتهم عليها. أنتِ وأسرتك من ستدفعون وحدكم فاتورة الاختيار . وتذكري دائما أي طريق ستسلكينه ستجدي من ينتقدك.