الطريق إلى «إزالة آثار الإخوان»!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

لم تتوقف الدعوة لوضع رؤية شاملة لمواجهة التطرف وأفكار الإخوان لحظة واحدة، وبالتالى الدعوة إلى ذلك ليست جديدة.. وجديدها الوحيد تحويل مصطلح «المواجهة» إلى «حوار»، ومن إجراء ذلك فى «المجتمع كله» إلى إجرائه مع «المتعاطفين مع الإخوان»، ولأن للمصريين تجربة مريرة فى إعادة الجماعة إلى «قيد الحياة» على يد الرئيس السادات، لذا باتوا «ينفخون فى الزبادى» ويغلقون أى باب قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى الحوار معهم بشعار أن «معظم النار من مستصغر الشرر».. ومن هنا كانت الحساسية للدعوة إلى البحث عن حل لمن وصفوا بـ«المتعاطفين» مع الإخوان.. وهنا نتوقف لنؤكد وبغير أى مبالغة أن غالبية الشعب المصرى كان متعاطفاً مع الإخوان بشكل مباشر والآن غالبيته تتعاطف مع الإخوان دون أن تدرى!!

نعم.. ولولا وجود خصوم الإخوان التقليديين فى المجتمع المصرى لقلنا إن الشعب المصرى كله وبالأدلة يخضعون تماماً للدعاية الإخوانية التى استهدفت المصريين وللأسف أثمرت ونجحت جداًً حتى إن تاريخنا المعاصر كتبه الإخوان ويقرأه الكثيرون الآن على طريقتهم ومنهجهم فى الدين كما فى السياسة على السواء!

الأسلحة فى الكنائس كذبة إخوانية شهيرة انطلقت من مجلات الإخوان ومنابرهم وأشرطة شيوخهم وانتقلت إلى العامة والبسطاء وقرنوها بما سموه السعى لتأسيس دولة مسيحية فى أسيوط!! دون أن يفكر أحد أن هذه الدولة مستحيلة بحكم الجغرافيا والسكان، لكن مع دعاية الإخوان لا أحد يفكر، خصوصاً أن السلطة نفسها فترة من الفترات روجت لذلك، ولم يعرف أحد حتى الآن أين ذهبت الأسلحة؟ ولماذا تركتها الدولة رغم أنها وصلت إلى أقصى درجات الصدام مع الكنيسة بعزل رمزها البابا شنودة نفسه وبما يجزم بكذب الإشاعة وما ترتب عليها؟!!

النقطة السابقة تطورت جداً وكانت السبب المباشر فى أغلب الأحداث الطائفية التى تحدث ويكون موضوعها الأصلى السعى إلى بناء دور عبادة مسيحية لأن هناك من أفتى بحرمتها وهناك من صورها على أنها «أماكن للشر» وإن كانت هذه الأفكار تروج الآن عند بعض شيوخ السلفية إلا أن طلقة البداية كانت إخوانية مهدت التربة الاجتماعية ليتقبل الناس تعاليم السلفية حتى لو كانوا بالفعل لا يقبلون السلفيين أو بالفعل يكرهون الإخوان لكنها صارت أفكاراً سلبية هائمة على وجهها صدّرها الإخوان للمجتمع وتركوها وزعموا باعتدالهم وأنهم ممثلو «الفكر المعتدل» فى مواجهة الجماعات الجهادية، وكانت هذه الأخيرة فى ذاتها كذبة أخرى صدقتها التيارات السياسية المصرية بما فيها بعض الأجنحة فى التيارات المعادية تاريخياً للإخوان!!

أغلب المصريين يمارسون شعائر الإسلام على الطريقة الإخوانية من طريقة الوقوف فى الصلاة إلى الزى والمظهر، وذلك يحتاج إلى مقال مستقل لأن الأمثلة لا تعد، واعتقادنا الجازم أنها كلها لم تكن موجودة قبل عودة الإخوان للعمل فى السبعينات وبما ينفى كونها من الإسلام أو مرتبطة به إنما كانت شكلاً من أشكال أخونة المجتمع!

فى السياسة حدث ولا حرج.. رأى المصريين فى عشرات القضايا هو عينة رأى الإخوان.. ورغم أن كاتب هذه السطور من أكثر المختلفين مع حكم الرئيس مبارك وعصره ونظامه ورجاله إلا أننا نعترف أن عدداً كبيراً من الإشاعات التى طالته كانت إخوانية خالصة، خصوصاً ما يخص «بزنس عائلة مبارك»، وبالرغم من أن البزنس موجود بالفعل إلا أن بعضه تحول إلى أساطير على يد الإخوان بل ونكات روجوها فى هدف ثابت هو إقناع المصريين بالبحث عن طريق آخر لتقدمهم وكان البديل الجاهز هو شعار «الإسلام هو الحل» وبالتالى «الإخوان هم الحل»!

وبالعودة إلى الوراء.. فرأى أغلب المصريين فى حرب 56 هو رأى الإخوان يرونها «هزيمة» ومن نجا منهم ينتقل درجة واحدة ويستكثر وصف بلاده بالمنتصرة ويقول إنها كانت «نصراً سياسياً وهزيمة عسكرية»!! رغم أن الحروب كلها تقاس بالأهداف السياسية، كما أن أحداً لم يتطلع أصلاً إلى الانتصار الساحق على ثلاث دول بينها إمبراطوريتان عظميان وقتها!! إلا أن نتيجة الحرب هى انسحابها وصمود الشعب المصرى وتحقيقه لكل أهدافه!! هذه الرؤية يروجها أغلب المصريين بمن فيهم غير المسلمين، مثل الدكتور وسيم السيسى مثلاً!! وبما يؤكد حجم الكارثة من حجم تأثير الدعاية الإخوانية التى لم تجد دولة حقيقية ترد على مزاعمها وتهتم بتربية المصريين تربية وطنية، إذ إن السياسة غلبت المصالح العليا وكان تشويه جمال عبدالناصر الهدف المشترك حتى ولو على حساب بطولات الشعب المصرى نفسه وتضحياته، فالشعب هو من قاتل ببورسعيد وهو من قدم الدم للدفاع عنها وللأسف نجد بيننا من يندهش من مستوى «انتماء الشباب» لبلدهم ولم يسأل أحد نفسه: أى وطن سينتمى إليه الشباب وهناك من يردد عليهم باستمرار أن تاريخهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم كله هزائم؟؟!!

وهكذا.. ستجد أن رأى غالبية المصريين فى كل شىء تقريباً هو فى الأصل رأى الإخوان.. حرب اليمن.. حرب 67.. مظاهرات رفض تنحى جمال عبدالناصر.. رأيهم فى رموز تصدت للإخوان مثل المستشار محمد سعيد العشماوى والدكتور فرج فودة، بل وضد من يحاربهم اليوم مثل ثروت الخرباوى، وتصدير فكرة أن «لا أحد ينتمى للإخوان يمكنه التخلى عن أفكارها»، بما يغلق الطريق أمام انسحابات جديدة من الإخوان ويتسبب فى إحباط «الخرباوى» وغيره!

الكلام كثير جداً والمواجهة أيضاً ممكنة جداً.. بشرط واحد وحيد وهو توافر الإرادة وبالوعى الكامل.. أى توافر فكرة الدفاع عن الدولة المصرية نفسها بتاريخها كله وليس الدولة المصرية الآن فقط.. باختصار أكثر أن تتوافر النية لإزالة آثار الإخوان.. كل آثار الإخوان.. وليس أثرهم الآن فقط!!

لا يصح أن يبقى هذا التناقض القاتل: أن يحارب الجيش والشرطة الإخوان فى سيناء، بينما نستضيف وسيم السيسى وغيره لترديد دعاياتهم على كل فضائيات مصر لمجرد أنه يهاجم نظاماً سابقاً وكأنه ليس جزءاً من الدولة المصرية ومن تاريخها بل ورمزاً لمواجهتهم هم أنفسهم!!!! فبهذه الأكاذيب كسب الإخوان تعاطف المصريين وخاطبوهم بصيغة الضحية وبنوا كيانهم كله على ذلك.. وأما أن يجتث كل شىء عنهم من جذوره أو تتركوا نبته تعيدهم للحياة فى وقت قريب من جديد!!