مستقبل الجماعة الإسلامية (5)
صدمتى كبيرة فى الجماعة الإسلامية؛ ذلك أننى لطالما دافعت عنها فى عهد نظام الرئيس مبارك ودافعت عن مراجعاتها التى ظننت كما ظن كثيرون أنها كانت صادقة ومخلصة على الرغم من أن عددا من صقور وزراء الداخلية كانوا يقولون لى دوما إن هذه المراجعات «شكلية» ولا أثر لها فى قلوب «المراجعين»، لكن الأيام والسنوات دارت دورتها وصدق حدس هؤلاء فرأيت قيادات وأعضاء بالجماعة الإسلامية كانوا يُقسمون بصدق كل ما خطت أيديهم فى سلسلة كتب تصحيح المفاهيم وأنها نبعت من قلوب أثقلتها عتمة السجون بالحنكة والحكمة.. إلا من رحم الله منهم.
الآن وبعد ما رأينا من بعض قيادات الجماعة الإسلامية من تحريض على القتل والعنف وقتال الجيش والشرطة وفتاوى لاستحلال أموال ودماء الأقباط ومحاصرتهم فى الصعيد، لا يسع المرء إلا أن يطالب هؤلاء بالعودة إلى الرشد وإلى كتاب الله وسنة رسوله.
فلن أصدق قول قائل منهم إنهم لم يتورطوا فى العمل المسلح؛ لأنه إذا كان ذلك صحيحا لماذا يهربون الآن فى جبال الصعيد مع المطاريد؟ ولماذا لم نرَ منهم أى إدانة لأعمال العنف والإرهاب التى حدثت للإخوة الأقباط وحصار أقسام الشرطة وقتل الضباط والتمثيل بجثثهم؟
عملياً، تنظيم الجماعة الإسلامية هوى وانتهى، ولن يكون له وجود، كما تقول قياداته الواهنة؛ لأنه أشبه ببيت العنكبوت، لا أجيال متعاقبة ولا قيادات حقيقية حكيمة «تاريخية»، لا أدبيات فكرية. دارت عليه الدائرة كما دارت على تنظيم الجهاد الذى أصبح أثرا بعد عين، اللهم إلا مجموعات لا تحمل نصيباً من «الجهاد» إلا الاسم، بعضها انخرط فى العنف مع السلفية الجهادية، والآخر آثر الجلوس فى البيت والبكاء على شبابه الذى ضيعته الأمانى وأحلام أكاليل الغار التى كان يحلم بها أيمن الظواهرى وسالم الرحال.
تنظيم الجماعة الإسلامية ليست له قواعد ولا شعبية كما يتوهم هؤلاء، وليس لديه فكرة الآن سوى أفكار الدم والقتل والاستحلال، عاد لسيرته الأولى، وعمر أصغر عضو فى التنظيم لا يقل عن 40 عاما قضى أكثر من نصفها فى السجون، خرج منها منهك القوى بجسد معتل تقتله كل يوم الأمراض والشجوب.
ستحمل الجماعة الإسلامية اسما للذكرى فى تاريخ الحركات الإسلامية باعتبارها حركة حملت أفكاراً وسلاحاً قتلت به أنفساً ستحاج بها هؤلاء أمام الله يوم القيامة وتطلب القصاص منهم يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ لأن هؤلاء ثبت أنهم لم يتوبوا ولم يعتذروا ولم يندموا على ما اقترفوه فى حق الدماء التى أسالوها غدرا وغيلة. وبعيدا عن سجلها الدموى الذى لا تدرى الجماعة الإسلامية هل عفا الله عنها ما اقترفته فى حق الدماء أم لا، تعاملت فى الحياة السياسية بانتهازية شديدة؛ فبينما كانت تقول بخلافها مع الإخوان إلا أننا وجدناهم يتوافقون معها توافق «الأزواج» بعدما اعتلت الأخيرة سدة السلطة، فرأينا منهم من يلعق أحذية الإخوان من أجل الحصول على المناصب والثروة من «غنيمة الدولة»، ولعل قصة اختيار مرشحين لهم بالتعيين فى مجلس الشورى المنحل تصلح عنوانا بارزا على انتهازية جديرة بالذكر؛ ذلك أنهم اشترطوا على الإخوان، فى اتفاق مكتوب، الوقوف بجانب الرئيس مرسى فى أزمة الاستفتاء على الدستور مقابل تعيين 12 من قياداتها فى مجلس الشورى واختيار 4 محافظين فيما بعد، ثم فوجئت الجماعة بعد أن مرّ الدستور بأن «مرسى» اختار منهم 2 أو 3 فقط، وبالفعل اشتط غضبها ودعت لمؤتمر صحفى لفضح الإخوان، بل وطبعت صوراً من الاتفاق لتوزيعها على وسائل الإعلام وفضح الإخوان، إلا أن رجلا حصيفا منهم، وهو الشيخ رفاعى طه، اكتشف أن الفضيحة ستكون من نصيبهم وسيعرف الجميع أنهم انتهازيون، فرجعوا إلى أنفسهم وأقاموا المؤتمر الصحفى وكالوا فيه الاتهامات للمعارضة، وصدق الله العظيم إذ يقول: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ».