«خميس العهد»: صلاة «ماء اللقان» وغسيل الأقدام ولحن «يهوذا» الخائن وتناول «الجسد والدم».. أقنوم واحد

كتب: أحمد عصر

«خميس العهد»: صلاة «ماء اللقان» وغسيل الأقدام ولحن «يهوذا» الخائن وتناول «الجسد والدم».. أقنوم واحد

«خميس العهد»: صلاة «ماء اللقان» وغسيل الأقدام ولحن «يهوذا» الخائن وتناول «الجسد والدم».. أقنوم واحد

فى السادسة والنصف صباحاً حطت قدماه على أرض الكنيسة، بعد ليلة لم ينَل فيها من النوم قسطاً كافياً بعدما بات ليلته صائماً، مجددِّاً توبته، حتى يكون مستعداً لهذا «اليوم الكبير» بما فيه من أحداث، فإن كان أسبوع الآلام هو أقدس أيام العام، فى العقيدة المسيحية، فإن «خميس العهد» هو أحد أفضل أيام هذا الأسبوع: «بيكون مختلف عن باقى الأيام عشان فيه العهد اللى ربنا قطعه مع تلاميذه المبشرين بالمسيحية»، يقولها «عصمت وديع»، صاحب الـ55 عاماً، الذى ما إن يدخل من الباب الحديدى للكنيسة حتى تتسارع خطواته بصورة تلقائية ناحية الباب الخشبى المؤدى إلى الكنيسة من الداخل، فهو لا يريد أن يفوته شىء من هذا «الدور العظيم» الذى يقوم به منذ ما يزيد على 35 عاماً مضت، حينما بدأ مرتلاً فى مجموعة الشمامسة داخل الكنيسة كرتبة أولى ضمن مجموعة الشمامسة، تدرج بعدها فى الرتب، فأصبح رئيس مرتلين، ثم «قارئاً»، وهو من يحق له القراءة من المنجلية (الموضوع عليها الإنجيل) وقد يعظ فى بعض الأوقات، حتى وصل الآن إلى رتبة مساعد شماس، وهو من يفعل ما يفعله من قبله ويزيد عليه حقه فى تجهيز المذبح، ولا يكون بعد ذلك سوى رتبة واحدة وهى الشماس، الذى يكون من حقه أن يصلى فى الهيكل ويشارك الكهنة فى مناولة الأسرار.

«فلما كان قد غسل أرجلهم.. قال لهم أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ أنتم تدعوننى معلماً وسيداً، حسنا تقولون، لأننى أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم»، قال السيد المسيح هذه الكلمات، بحسب العقيدة المسيحية، فى مثل هذا اليوم (خميس العهد)، عندما قام بغسل أرجل تلاميذه وأمرهم بأن يفعلوا كما فعل، ليكون «ما فعله المسيح مع تلاميذه» طريقاً يتبعه المسيحيون مدى الحياة، وواحداً من أقدس طقوس «الخميس الكبير» فى أسبوع الآلام والمعروفة بـ«صلاة ماء اللقان»، لتبدأ هذه الطقوس برفع صلاة البخور فى السابعة من صباح اليوم، ثم يليها ما يسمى «لحن يهوذا»، وفى هذا اللحن، نظراً لأن يهوذا خان السيد المسيح حسب العقيدة المسيحية، يصلى معلم الشمامسة عكس الاتجاه حول المنجلية، فى إشارة إلى أن «يهوذا الخائن» قلب نظام الطبيعة والكون، وفى هذه الأثناء يكون «عصمت» بجوار بقية الشمامسة فى مقابلة الآباء الكهنة بالجزء الغربى من صحن الكنيسة، حيث موضع صلاة البصخة، إلى أن يحين الوقت المخصص لصلاة «ماء اللقان»، فيتم إحضار اللقان (الوعاء) ليوضع على طاولة خشبية أمام الكهنة بعد ملئه بالماء، ومن حوله كان هناك أكثر من إناء آخر مملوء بالماء أيضاً، وعلى يسار الطاولة ناحية الجزء المخصص للرجال، كانت زجاجات مياه صغيرة رسم عليها اسم الكنيسة باللون الأحمر، وتراصت فوق بعضها البعض فى صناديق بلاستيكية، لتنال هى الأخرى بركة الصلاة.

{long_qoute_1}

فى هذه الأثناء فارق الشمامسة أماكنهم ومن بينهم «عصمت» الذى اتجه إلى «الخورس» قبل أن يُخرج من جيبه مفتاحاً صغيراً، يضعه فى الفتحة المخصصة له فى ذلك الدولاب القصير على يسار الهيكل، فيدس فيه يده، حتى تخرج حاملة لملابس الخدمة الخاصة به «التونية والبطرشيل»، ويشرع فى ارتدائها كما فعل غيره، إلا أن ملابس الخدمة التى ارتداها «عصمت» للمرة الأولى منذ أحد «السعف» اختلفت طريقة ارتدائها هذه المرة، حيث قام بقلب «البطرشيل» على الوجه الأسود منه، فللبطرشيل وجهان، أحدهما أحمر للاحتفال والآخر أسود يدل على الحزن، وهو التقليد الذى يقوم به الشمامسة فى هذا اليوم تعبيراً منهم عن حزنهم على ما أصاب السيد المسيح فى هذه الأيام، وكما فعل الشمامسة فعل الآباء الكهنة أيضاً، فبعد دقائق قليلة من دخولهم إلى المذبح خلف الستائر السوداء خرجوا على «شعب الكنيسة» مرتدين ملابس الكهنوت، متجهين إلى نفس الموضع الذى كانوا فيه، وعلى وجوه المصلين ظهرت آيات التحفز لما سيتم بعد لحظات من تبديل الكهنة والشمامسة لملابسهم العادية بملابس الخدمة، ليقول «عصمت»: «المسيحى بييجى فى اليوم ده مستعد جداً للحظة دى عشان يستحضر إللى قام بيه السيد المسيح لما غسل لتلاميذه أقدامهم فى إشارة منه إنهم مينفعش يكونوا متعالين على الناس وهم بيبشروا بالمسيحية، وده نفس الشىء اللى بيعملوا الكهنة فى الكنيسة مع الشعب».

شرع الآباء الكهنة والشمامسة وشعب الكنيسة فى الصلاة على ماء «اللقان»، صلاة استغرقت نحو ساعتين أو أكثر، بدأ فيها كبير الكهنة بقول صلاة الشكر ومن خلفه يردد المرتلون: «يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، بإقنوم واحد نسجد له ونمجده، السلام لك يا مريم الحمامة، السلام لك يا مريم سلاماً..»، وما إن ينتهى المرتلون حتى يأخذ الكهنة فى قراءة النبوات والعظات المخصصة لهذه الصلاة، إلى أن يقول كبير الكهنة وهو ينظر إلى ماء اللقان من أمامه: «محبة الله ونعمة الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وشركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم»، ويرشم (يمسح) بعدها على الماء بالصليب أول رشم، ليرد شعب الكنيسة بعد ذلك عليه قائلين: «ومع روحك أيضاً»، ثم يرشمه كبير الكهنة تباعاً إلى أن يقف المصلون من جلستهم بعدما نادى عليهم أحد الشمامسة بذلك، ويأخذ الأب الكاهن فى استكمال الصلاة، لتمر بعد ذلك الطقوس تباعاً إلى أن ينتهى كبير الكهنة فيأخد أحد الآباء الكهنة الشملة (قطعة من القماش) ويدسها فى ماء اللقان ويرشم بها قدم كبير الكهنة، ثم يتبادل الكهنة الأمر نفسه، ثم يتوزعوا بعد ذلك على أركان الكنيسة حتى يمر عليهم المصلون من الرجال تباعاً لكى يرشموهم بماء اللقان فى أقدامهم، بينما أخذ كبير الكهنة إناءً من الماء وشملة فى يديه وطاف بها على السيدات فى الجزء المخصص لهن وأخذ يرشمهن على رؤوسهن.

«طالما أنا مؤمن بالصلاة فأنا عندى إيمان كامل بأن الخبز والعصير ده بيتحول فعلاً لجسد ودم من السيد المسيح»، يقولها «عصمت»، بعدما قضى نحو ساعتين كاملتين فى قداس التناول ليوم «خميس العهد»، تخللها طقوس مثل تلك التى تخللت صلاة ماء اللقان، وكانت النهاية متشابهة أيضاً، فتفرق الكهنة على أركان الكنيسة، يمسك بعضهم الجسد (الخبز)، ويمسك البعض الآخر الدم (عصير العنب)، ويناولونه للمصلين تباعاً وهم يمرون عليهم، إلى أن يتناول الجميع، ويعود كلٌ إلى مكانه لاختتام الصلاة، ليصل «عصمت» فى هذه اللحظات إلى ذروة شعوره الذى «لا يوصف» على حد قوله: «شعورى فى الوقت ده صعب جدا أوصلهولك، لأنى بحس بعدم استحقاق لوجودى فى بيت الله من الأساس، وده لأن فكرة خميس العهد بأننا نتذكر أن المسيح تحمل عنا خطايانا، وأن الصلب والآلام دى كلها كانت مفروض تبقى ليا أنا مش هو، عشان كده اليوم ده بكون جاى مكسوف وخجلان وعارف التمن اللى اندفع عشان أقف فى المكان ده»، انتهت 9 ساعات قضاها «عصمت الشماس» داخل كنيسة مارجرجس بالجيوشى، فى منطقة شبرا مصر، ليخرج بعد ذلك، رفقة أحد أصدقائه، من نفس الباب الذى دخل منه باكراً، عاقداً نية العودة مرة أخرى فى الليل لاستكمال صلوات البصخة المقدسة.


مواضيع متعلقة