من «اثنين التينة الملعونة» إلى «أربعاء أيوب».. أيام «البصخة المقدسة».. عمانوئيل: «الله معنا»

كتب: أحمد عصر

من «اثنين التينة الملعونة» إلى «أربعاء أيوب».. أيام «البصخة المقدسة».. عمانوئيل: «الله معنا»

من «اثنين التينة الملعونة» إلى «أربعاء أيوب».. أيام «البصخة المقدسة».. عمانوئيل: «الله معنا»

جرس الكنيسة يعلو صوته فى الأرجاء معلناً دخول وقت صلاة «البصخة المقدسة» ليوم الاثنين الكبير، «اثنين التينة الملعونة» كما هو متعارف عليه فى العقيدة المسيحية، الأطفال فى الداخل يملأون «حوش» الكنيسة ضحكاً ولعباً.. ومن البوابة الرئيسية لكنيسة مارجرجس بالجيوشى، كان توافد المصلين مستمراً، على وجوههم ارتسمت آيات فرح بحلول هذه الأيام المقدسة، بينما كانت ملابسهم حزينة بما يتناسب مع ذكرى آلام السيد المسيح، ومن مبنى ضيافة الكنيسة المواجه للباب الرئيسى، تسربت أصوات فتيات وهن يتدربن على «تمثيلية القيامة»، التى سيجسدون من خلالها فى ليلة «سبت النور» كيف كانت قيامة السيد المسيح، أمام الحاضرين فى الكنيسة.

وبالتزامن مع صوت الجرس، كان «مينا أمير» صاحب الـ27 عاماً يستعد، من داخل مسكنه القريب من الكنيسة، لتلبية النداء، تساعده فى ذلك والدته الخمسينية، فتأتى إليه بملابسه التى تليق بهذه المناسبة، وتمد إليه يدها لتساعده فى النهوض من على السرير بعد ساعة قيلولة قضاها فى انتظار سماع جرس الكنيسة، وما إن يرتدى «مينا» ثيابه حتى يستند على جسد أمه المنهك ويتجهان معاً ناحية باب الغرفة المطلة على سلم البيت من الطابق الثانى، فيمسك ذلك «الدرابزين» الحديدى القديم متخذاً منه طريقاً له حتى يصل إلى أسفل السلم، حيث ينتظره كرسيه المتحرك، فتساعده أمه فى الجلوس عليه: «أول ما بنخرج من البيت مينا بيرشم الصليب على جسمه من غير ما أقول له، وقتها بفرح جداً، وبفرح أكتر لما باجى أصحيه نروح الكنيسة ويقوم بسرعة حتى لو الجو تلج»، تقولها «أم مينا» وعلى وجهها ابتسامة لا تدل على ما هى فيه من معاناة مع ابنها الوحيد، حيث يعانى «مينا» من مرضين، شلل رباعى أفقده الحركة، وضمور فى المخ أفقده القدرة على الكلام، فلا وسيلة للتواصل بينه وبين أمه سوى حركات بسيطة بيديه وبعض كلمات يحاول نطقها فيصل مرادها إليها.

المشهد فى «حوش» الكنيسة اختلف بعد الشروع فى «البصخة»، حالة من السكون سادت، قطعتها «أم مينا» وهى تدفع ابنها أمامها، وما إن وصلت به إلى درجات السلم الثلاث المؤدية إلى الباب الداخلى للكنيسة، حتى ساعدها بعض حراس الأمن فى الصعود.

{long_qoute_1}

«أبانا الذى فى السموات، لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد، آمين عمانوئيل إلهنا ومالكنا»، بهذه الكلمات الترنيمية يشرع الآباء الكهنة فى الصلاة، ليرددها من خلفهم المصلون، تارة بالقبطية وتارة أخرى بالعربية، وعلى وجوه الحاضرين تجلت آيات الخشوع، فى مشهد يتكرر لمدة ثلاثة أيام متتالية، فى كل يوم منها قصة عاشها السيد المسيح، حسب العقيدة المسيحية، فى أسبوع الآلام، وهو ما وضحه القمص صليب متى، كاهن الكنيسة، ففى يوم الاثنين كانت قصة لعن شجرة التين، حينما ذهب إليها السيد المسيح طالباً الثمر فلم يجد فيها غير الورق، فلعن فيها الرياء الذى كان موجوداً بشكل واضح فى الأمة اليهودية حينها، لذا سُمى هذا اليوم باسم «المسيح الخالق»، ومن «المسيح الخالق» إلى «المسيح المعلم» كانت قصة يوم الثلاثاء الكبير، وفق «صليب»، حيث أطلق عليه هذا الاسم وفق الوظيفة التى قام بها السيد المسيح فى هذا اليوم، عندما وجه له اليهود أسئلة كثيرة وكان هو يجيب عنها بفطنة وذكاء، أما يوم الأربعاء الكبير، فأطلق عليه «أربعاء أيوب»، لما ترمز قصته إلى السيد المسيح فى آلامه وأوجاعه، وفى هذا اليوم تشاور التلميذ الخائن «يهوذا» مع اليهود لتسليمهم السيد المسيح، حسب المعتقدات المسيحية، ويسمى هذا اليوم، وفق «صليب»، بـ«المسيح النبى»، لأن السيد المسيح فى هذا اليوم، حسب العقيدة المسيحية، تنبأ بموته وقيامته. صلوات البصخة المقدسة تبدأ كل يوم من أيام «الاثنين والثلاثاء والأربعاء» فى الخامسة والنصف مساءً، حيث موعد الصلاة الرئيسية فى اليوم، وفى كل صلاة من هذه الصلوات، كان «مينا» حاضراً وإلى جواره أمه، يستمعان إلى تلاوات الآباء الكهنة وتلاوات الشمامسة من الإنجيل، لتحدثه أمه فى أذنه بين الحين والآخر عمّا كان يعانى منه السيد المسيح فى هذه الأيام من أجله هو، متخذة من «آلام المسيح» عظة لها ولولدها، فما تحمّله السيد المسيح فى هذه الأيام، حسب قولها وحسب العقيدة المسيحية، لا يساويه شىء فى هذه الدنيا وما عليها، بما فى ذلك مرض ابنها: «آلام ابنى ومعاناته ماتساويش حاجة جنب آلام السيد المسيح، ولما بنيجى نحضر صلوات البصخة بفضل أقول له كده وإحنا فى الصلاة»، أربعة أعوام مرت على «أم مينا» وابنها بعد وفاة والده، كانوا قبلها من سكان محافظة القليوبية، ولكن بُعد المسافة عن القاهرة، حيث أماكن علاج «مينا»، أجبرها على العودة مرة أخرى إلى بيت أبيها فى منطقة شبرا مصر.

ما يقارب ثلاث ساعات يقضيها «مينا» مع والدته فى صلاة البصخة المقدسة داخل الكنيسة كل يوم من هذه الأيام الثلاثة، يتخللها فى المنتصف كلمة وعظ يلقيها الأب الكاهن على المصلين، يحكى لهم فيها عمّا كان فى هذا اليوم على عهد السيد المسيح من أسبوع الآلام، وهو ما تحرص «أم مينا» على سماعه منتظرة انتهاء الوعظ حتى يبدأ الآباء الكهنة فى الدعاء لتؤمّن خلفهم ويؤمّن معها المصلون من حولها، لتنتهى بعد ذلك الصلاة ويبدأ المصلون فى الانصراف ومن بينهم «أم مينا»، وما إن تصل إلى «حوش» الكنيسة حتى تدير ظهرها إلى الكنيسة وتبدأ فى دفع كرسى ابنها المتحرك ناحية باب الخروج مرة أخرى ليعودا إلى البيت معاً فى انتظار يوم آخر من أيام آلام السيد المسيح.


مواضيع متعلقة