أهالى المصابين: عيادات التأهيل الخاصة تمارس العلاج بـ«البركة»

كتب: سهاد الخضرى

أهالى المصابين: عيادات التأهيل الخاصة تمارس العلاج بـ«البركة»

أهالى المصابين: عيادات التأهيل الخاصة تمارس العلاج بـ«البركة»

«حسبى الله ونعم الوكيل فى مراكز التأهيل الخاصة، بهدلوا ابنى، ورجّعوه لنقطة الصفر»، جملة ترددت على ألسنة كثير من آباء وأمهات الأطفال المصابين بمرض «التوحد»، بعدما فشلوا فى علاج أبنائهم لدى تلك المراكز الخاصة المنتشرة فى مختلف أنحاء الجمهورية، التى أصبحت «سبوبة» لجنى الأموال السريعة على حساب صحة مئات الأطفال المصابين بالمرض، مقابل خدمات علاج «وهمية»، ربما كانت سبباً فى تدهور العديد من الحالات، بل فى بعض الأحيان كانت نظرة المجتمع لهؤلاء الأطفال دافعاً وراء إصابة عدد من الآباء بحالة من اليأس، لدرجة أن بعضهم كانت تنتابه الهواجس وتوسوس له بقتل ابنه.

«لمياء محمد خميس»، 39 سنة، بدأت حديثها لـ«الوطن» بقولها إن ابنها «يوسف الشريف»، 9 سنوات، تعرّض للتعذيب داخل أحد مراكز التأهيل الخاصة، مما تسبب فى تدهور حالته، مشيرة إلى أن أعراض المرض بدأت تظهر على «يوسف» عندما كان عمره لا يتجاوز 18 شهراً، ومن هذه الأعراض، بحسب قولها: «كان تائهاً دائماً، وكلما ناديت عليه لا يجيب، ويكسر كل ما يقع أمامه فى المنزل، وكان يجلس أمام التليفزيون بالساعات، ولا يتابع إلا أفلاماً بعينها»، وأضافت: «بعد ذلك، دخل فى مرحلة الرفرفة والدوران حول نفسه، كما كان يكره صوت المنبه، ويبعده عن أذنه، ولا يردد إلا كلمات محددة، وعندما توجهنا إلى طبيب أطفال، قرر قياس نسبة السمع، ومراكز السمع فى المخ، وجاءت النتائج جيدة».

{long_qoute_1}

وتابعت «لمياء» قائلة: «أخبرنا الطبيب بإصابة ابنى بالتوحد، وقرر تحويله إلى طبيب مختص، لنبدأ رحلة العلاج منذ أكثر من 7 سنوات»، وأكدت أن ابنها تعرّض للضرب المبرح والتعذيب من قبَل بعض المدربين داخل أحد مراكز التأهيل الخاصة غير المرخصة، مما تسبب فى سقوط عدد من أسنانه، مشيرة إلى أن أولياء أمور أطفال آخرين شكوا من تعرّض أبنائهم للضرب داخل نفس المركز بدعوى عدم استجابتهم للمدربين، مما أدى إلى تدهور حالة أبنائهم، وهذا ما اضطر والد «يوسف» إلى التوقف عن الذهاب به إلى المركز الخاص، بعدما أنفقت الأسرة كل ما تملك، والبحث عن مركز آخر تابع للتضامن الاجتماعى.

وتابعت «الأم»: «زادت تصرفات يوسف العدوانية بشكل كبير، وكان يتعدى على أشقائه بالضرب، كما كان يخرج بمفرده إلى الشارع فى أى وقت، ولكن بعد ترددنا على المركز الخاضع لإشراف التضامن تبدّل الوضع، حتى قالت لى إحدى المدربات: طفلك الحالة الوحيدة التى تحتاج للعطف والحنان»، وذلك نظراً لتعرُّضه للتعذيب نحو 9 أشهر فى ذلك المركز الخاص، وأضافت أنه إذا ما تم تطبيق نظام الدمج بمفهومه الصحيح سيكون له نتائج إيجابية، وشددت على قولها: «المهم دمج أطفالنا فى مجتمع متزن، ووضع الحالات المشابهة مع بعضها البعض، فلا يمكن وضع طفل حالته متأخرة مع آخر حالته بسيطة، فجميعهم يتأثرون ببعضهم ويكتسبون العادات الخاطئة».

وعن جدوى الأدوية المتوافرة لعلاج المصابين بالتوحد، أكدت «لمياء» أن الأدوية الموجودة قد تؤدى إلى نتائج إيجابية مع بعض الأطفال فى سن مبكرة، ولكن لا يوجد علاج ناجع لمرضى التوحد، فجميعها مهدئات، ويجب أن يتم صرف بعض الأدوية كمنشطات لتساعد على الاستجابة، مشيرة إلى ارتفاع نسبة الإصابات بالمرض عن ذى قبل، وقالت: «الكارثة تكمن فى عدم مقدرتهم على التعبير عن أنفسهم، ولا يشعر بهم أحد، ونظام الدمج قاصر فقط على الأطفال من عمر 9 سنوات»، كما طالبت بضرورة خضوع كافة مراكز التأهيل للإشراف من قبَل وزارة التضامن الاجتماعى، وعدم السماح لكل «من هب ودب» بفتح وتشغيل مثل هذه المراكز، وغالبيتها غير مرخصة، لاستنزاف الأهالى والمتاجرة بحالات أبنائهم.

{long_qoute_2}

أما «إيمان رفعت»، من محافظة الغربية، والدة الطفل «عمر محمد»، أحد المصابين بـ«التوحد»، فبدأت حديثها لـ«الوطن» بالإشارة إلى أن أعراض المرض بدأت تظهر على ابنها عندما كان عمره سنة ونصف، ولم يتمكن الأطباء من تشخيص حالته إلا بعدما أكمل عامين، وقالت: «ظللت أجتهد شخصياً، وأبحث عن علاج جديد، أو أى أمل فى العلاج عبر الإنترنت»، وأضافت أن «أكبر مشكلة تواجهنا كأولياء أمور هى عدم توضيح الأطباء الأمور لنا، بخلاف عدم وجود أساس علمى للعلاج، وكأن المدربين والأطباء بيمشوا بالبركة»، داعية إلى إيجاد «بروتوكول علاجى» يشرح احتياجات كل حالة وعلاجها، وأكدت أن ابنها، رغم بلوغه 8 سنوات، لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة بعد.

وعن تجربتها مع مراكز التأهيل، قالت «إيمان» إن بعض الإخصائيين يتعاملون مع الأطفال بعنف، ظناً منهم أنهم «بيتدلعوا»، وطالبت المسئولين بضرورة الاهتمام بمرضى «التوحد»، والعمل على توفير علاج لهم، من خلال إجراء الدراسات اللازمة لذلك، وإقامة مستشفيات خاصة لعلاجهم نفسياً وطبياً واجتماعياً، وتأهيلهم للاندماج مع المجتمع، مع تشديد الرقابة على المراكز الخاصة، معتبرة أن تلك المراكز تبيع «الوهم» لأهالى المصابين بالمرض.

وبوجه بائس ونظرات يملؤها الحزن، جلس «أحمد لطفى خفاجة»، 52 سنة، معلم خبير بالتربية والتعليم، داخل أحد مراكز التأهيل، ينتظر خروج نجله «محمد»، 5 سنوات، من جلسة العلاج، تحدّث لـ«الوطن» قائلاً: «اكتشفت إصابة ابنى بالمرض قبل أن يُتم عامين من عمره، كان منطوياً عن الجميع، ولا يتفاعل مع أقرانه، مما أثار الشك لدينا، فتوجهت به إلى عدد من الأطباء بمحافظتَى دمياط والدقهلية، أخبرونا بإصابته بالتوحد، وبعد رحلة علاج فى أحد المراكز الخاصة، استمرت عامين، كانت المحصلة صفراً، دفعنا آلاف الجنيهات دون جدوى، وقبل عام ونصف فقط، بدأنا رحلة أخرى من العلاج، فى هذا المركز الذى يخضع لإشراف وزارة التضامن».

وعن الأعراض التى ظهرت على ابنه، قال إنه مصاب بمرض يُسمى «العظمة»، وتتمثل أعراضه فى الانعزال عن المجتمع الخارجى، ويظل يرفرف بيديه، ويسير بمفرده فى الشارع، ويتناول طعاماً واحداً لعدة شهور، ثم يمتنع عن تناول ذلك الطعام لشهور أخرى، بالإضافة إلى عدم تواصله مع والديه، وأضاف أنه «بعد جلسات التأهيل قبل عام، بدأ يتواصل معنا، ويردد بعض الكلمات»، مشيراً إلى أنه يتردد هو الآخر على المركز لحضور جلسات حول كيفية التعامل مع الطفل.

وأضاف «أحمد» أن تجربة ابنه مع المركز الخاص تسببت فى زيادة عصبيته، وتراجع مستوى الذكاء لديه، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة العلاج، حيث كان يخضع لما يتراوح بين 4 أو 5 جلسات شهرياً، بواقع 120 جنيهاً لكل جلسة، كانت تستمر لساعة واحدة، وكان العلاج يقتصر فقط على بعض المهدئات والفيتامينات التى يتجاوز سعرها 800 جنيه فى الشهر، بخلاف قيمة الجلسات.

كما شكا الأب من سوء معاملة ونظرة أجهزة الدولة للأطفال المصابين بـ«التوحد»، مشيراً إلى أنه ظل يتردد على التأمين الصحى لنحو عام ونصف، بعدها صدر «كارنيه» لابنه مكتوب فيه «يعانى من تخلف عقلى، توحد»، وأضاف: «قالوا لنا الكارنيه ده هيحمى ابنك، وأول ما تسلمته لقيته مكتوب فيه متخلف عقلياً، فشعرت بغصة فى قلبى لم أشعر بها من قبل»، وتابع أنه قال، ذات مرة، لأحد المسئولين فى التأمين الصحى: «وصّلتونى لحالة يأس تدفعنى لقتل ابنى علشان أرتاح منه ومن مرضه».

أما «أمل السيد محمد»، من محافظة الجيزة، فتحدثت لـ«الوطن» عن إصابة ابنها «يحيى» بمرض «التوحد» بقولها: «ابنى كان طبيعياً جداً، وفجأة بعد تطعيمه انقلبت حياتى رأساً على عقب»، حيث بدأت أعراض المرض فى الظهور عليه، مشيرة إلى أن ابنها أصيب بالمرض بسبب حصوله على تطعيم ملوث بمعادن سامة، مثل الألومنيوم والرصاص، وقامت بإجراء فحوص له فى الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت هذه النتيجة، ولفتت إلى أن حالة طفلها تحتاج لعلاج بقيمة تتراوح بين 5 و7 آلاف جنيه شهرياً، بالإضافة إلى اتباع برنامج حمية غذائية وجلسات تخاطب وتأهيل لدمجهم فى المجتمع.

واعتبرت «أمل» أن «نظام الدمج» المتبع مع المصابين بـ«التوحد» فى بعض مراكز التأهيل ما هو إلا «حبر على ورق»، وطالبت الدولة بالعمل على إقامة مراكز حكومية تعليمية وتأهيلية وعلاجية متخصصة، فى ظل تزايد أعداد المرضى إلى ما يقرب من مليون مصاب، وفق تقديرات شبه رسمية، كما طالبت الدولة بصرف أطعمة «حمية» لهم، وإجراء جلسات العلاج والتأهيل مجاناً، وأن يتم تطبيق نظام الدمج على أرض الواقع، حتى لا يظلوا منعزلين عن الواقع.

ودعت «رشا»، من محافظة الجيزة، والدة «أحمد»، 11 سنة، مصاب بمرض «التوحد»، إلى التوسع فى افتتاح مدارس لذوى الاحتياجات الخاصة، مشيرة إلى أن ابنها فى الصف الرابع الابتدائى، ولا يستطيع التأقلم مع زملائه، ولا يذهب إلى المدرسة إلا فى أثناء الامتحانات فقط، حيث أقدم مسئولو المدرسة على طرده بسبب فرط الحركة وبطء الاستيعاب لديه، مؤكدة أن «أحمد» لا يعانى من أى سلوكيات عدوانية، وتبلغ نسبة الذكاء لديه 75%، وأوضحت أن إصابته جاءت نتيجة تأخر الولادة، مما تسبب فى نقص الأكسجين لديه، واختتمت تصريحاتها لـ«الوطن» بقولها: «نفسى الناس تتعامل مع أولادنا بشكل طبيعى»، مؤكدة أن مراكز التأهيل تحولت إلى «سبوبة» للتجارة بحالات المرضى.

أما «بسمة علاء»، 32 سنة، فأكدت أنها فقدت إحساس «الأمومة» مع ابنها «كريم»، البالغ من العمر 5 سنوات، حيث يجلس دائماً بمفرده، ولا يتواصل مع أحد من أفراد الأسرة، وقالت: «لم يمكنى اللعب مع ابنى كما تفعل أى أم مع أطفالها، وقد سبب لى هذا الأمر أزمة نفسية»، مشيرة إلى أنها فوجئت به، فى إحدى المرات، يدخل إلى المطبخ، ويحاول وضع عينه على شعلة البوتاجاز، كما حاول إشعال الفرن وإدخال رأسه فيه، وكلما تحدثت معه لا يستجيب لكلامها، كما بدأ يتعدى على أشقائه بالضرب، ويهذى ببعض الكلمات غير المفهومة، وأحياناً يترك يدها ليجرى بمفرده فى الشارع.

وعبّرت «دعاء ماهر عيد»، 35 سنة، عن حيرتها لإصابة ابنها «أحمد»، 6 سنوات، بمرض التوحد، وتحدثت لـ«الوطن» عن معاناتها بقولها: «مش عارفة أعمل إيه، ابنى لا يستجيب للعلاج، وحياتى بقت مرار فى الليل والنهار، ونفسى أعرف هل المرض وراثى أم لا؟»، ولفتت إلى أن شقيقها «محمد»، 37 سنة، كان يعانى من نفس أعراض المرض، ولكن بصورة أشد، ولم يكتشف الأطباء حقيقة مرضه إلا فى سن متأخرة، وشخّصوا حالته على أنها «تخلف عقلى»، وأضافت: «حينما سألت هل هناك عامل وراثى قد يكون سبب إصابة ابنى بالمرض، أبلغنى بعض الأطباء أن هناك احتمالاً بنسبة 25% أن تكون أسباب المرض وراثية».


مواضيع متعلقة