شقيقتان فى «الثلاسيميا»: «حسناء» رحلت وتركت «نجلاء» تنتظر الشفاء

شقيقتان فى «الثلاسيميا»: «حسناء» رحلت وتركت «نجلاء» تنتظر الشفاء
- أمراض الدم
- أنيميا البحر المتوسط
- الأراضى الزراعية
- التأمين الصحى بكفر الشيخ
- الرئيس السيسى
- العلاج على نفقة الدولة
- أدوية
- أمراض الدم
- أنيميا البحر المتوسط
- الأراضى الزراعية
- التأمين الصحى بكفر الشيخ
- الرئيس السيسى
- العلاج على نفقة الدولة
- أدوية
قبل 26 عاماً جاء رجل، لا تربطهم به علاقة سوى الجيرة، لخطبتها. وانطلقت الزغاريد فى بيتها فرحاً بقدوم من ستكون معه وفى كنفه، لم يتردد والدها، الذى كان يعمل مزارعاً، فى الموافقة على العريس رغم أنه كان مزارعاً ولا يمتلك بيتاً مجهّزاً، وبعد عام تمت مراسم الزفاف بشكل طبيعى. ومع انتقالها لبيت زوجها انتظر الأهل 9 أشهر لتُنجب أول طفلة وتختار لها اسم «حسناء»، لكنها لم تكن تدرى أن طفلتها لن يكون لها نصيب من اسمها، فبعدما عاشت عاماً و3 أشهر فى سعادة انقلبت حياتها رأساً على عقب بعد علمها بإصابة ابنتها الأولى بمرض «الثلاسيميا».
لوقت قريب لم تكن تفهم ما المرض الذى جعل لون مولودتها أصفر طوال الوقت، وأثّر على نموها بشكل طبيعى، طوال 6 أشهر رأت نجلتها كما هى لا تنمو، فقررت الذهاب بها لطبيب القرية الذى لم يستطع تشخيص الحالة. بدأت منال حمدين محمد، المقيمة بإحدى قرى مركز قلين بمحافظة كفر الشيخ، رحلة علاج ابنتها منذ أن كان عمرها 6 أشهر حتى توفيت عن عمر يناهز 19 عاماً، لا تكل ولا تمل الذهاب بها إلى المستشفيات المختلفة أملاً فى الشفاء.
تتذكر «منال» اللحظة التى ذهبت فيها بنجلتها «حسناء» إلى مستشفى كفر الشيخ العام، ليشتبه أحد الأطباء فى إصابتها بـ«الثلاسيميا» ويطلب منها تحليلاً كهربائياً يسمى حركة الهيموجلوبين الإلكترونية أو «Hb Electrophoresis»، ليتأكد بعدها أن طفلتها مريضة بهذا المرض، لتنطلق بعدها رحلة جديدة من رحلات العلاج الطويلة، تتنقل خلالها بين مستشفيات جامعتَى طنطا والمنصورة لنقل دم لطفلتها، حيث إن مريض «أنيميا البحر المتوسط» يعيش على نقل الدم طوال حياته، أو زرع «نخاع» تكلفته كبيرة، تقول: «بنتى كان عندها 6 شهور وماكانتش بتكبر ووشها أصفر على طول، وفى يوم تعبت جامد بالليل، رُحت لدكتور فى البلد، لكن قال لى: شوية تعب وهيروحوا، وتانى يوم الصبح طلعت بيها على المستشفى العام، وهناك طلبوا منى تحاليل عملتها، وفجأة الدكتور قال لى عندها الثلاسيميا، ماكنتش عارفة إيه المرض ده، والدكتور أكد لى إنه أنيميا حادة تُسمى «أنيميا البحر المتوسط»، وهو مرض وراثى، فرديت قلت له: بس أنا مش متجوزة حد قريبى ولا حد من أهلى كان عنده المرض ده، لكنه أكد لى بعد التحاليل إن بنتى مُصابة بيه».
{long_qoute_1}
وقتها عادت «منال» لبيتها مُحمّلة بالهم والحزن، ودموعها تسبق كلماتها لتخبر زوجها بحقيقة مرض ابنتهما، ليقررا إجراء فحوصات طبية بناء على وصية الطبيب ليتأكدا أنهما غير حاملين للمرض، وظلت تعالج ابنتها 15 عاماً بالمستشفى العام تقطع خلالها مسافة طويلة من قريتها للمستشفى مرتين شهرياً لتنقل لابنتها 500 سنتيمتر من الدم وتأخذ معها جرعات العلاج المقررة من قبَل الأطباء على نفقه التأمين الصحى لتعود آخر اليوم منهكة تماماً: «فضلت طول 19 سنة أصحى بعد الفجر علشان أسافر من قريتى للمستشفى مرتين فى الشهر لنقل الدم، لعدم وجود بنك دم أو مستشفى يستقبل حالات أطفال الثلاسيميا فى قلين، كنت بركب مواصلات وكانت بتتعب منها، ولما كان بيبقى معايا فلوس كنت بآخد عربية مخصوص».
معاناة تحمّلتها الأم وحدها، نظراً لانشغال زوجها فى توفير لقمة العيش لهم: «زوجى ماكانش بيبقى فاضى ييجى معايا، الله يعينه شغال على دراعه باليومية علشان يوفر نفقات السفر وبعض الأدوية التى كانت تحتاجها طفلتنا وقتها، وكنت بعانى من رفضها أخذ الكبسولات، وتكرار نقل الدم تسبب فى زيادة حديد ليها، فقررت نقلها لمستشفى التأمين الصحى بكفر الشيخ بعد ما عرفت إن فيه قسم جديد لنقل الدم فتح هناك، وعالجتها لمدة عامين إلى أن أتمت عامها الـ18 قالولى علاجها مابقاش موجود هنا، فكنت بضطر أروح بيها طنطا أو المنصورة مرة تانية بعدما أصيبت بعدة أمراض، وتدهورت حالتها وتورمت قدماها لدرجة أنها لم تعد قادرة على الحركة أو دخول دورة المياه، فكنت أتولى حملها على ظهرى لقضاء حاجتها أو الذهاب للمستشفيات، وفى هذا التوقيت لم تكن كافة الأدوية متوافرة، فكنت أتحمل شراء بعضها من الخارج، حيث إن قرار العلاج على نفقة الدولة بعد أن خرجت من مظلة التأمين الصحى كان لا يكفى ما تحتاجه من نقل دم وعلاج أيضاً، وظلت على هذا الحال عاماً كاملاً حتى توفيت».
لم تنسَ «منال» لحظات وفاة ابنتها وخوفها على ضياع الأخرى التى أصيبت بنفس المرض، فزادت معاناتها، كانت تأخذ طفلتيها وتذهب بهما إلى المستشفيات: «فى يوم بالليل أكّلت حسناء وأخدت دش ونيّمتها على سريرها كعادتها يومياً، إلا أن هذا اليوم كان غريباً، لقيتها بتقول لى: الأم حلوة الله يسترك دنيا وآخرة، ونمت وصحيت أنا الساعة 1 صباحاً للاطمئنان عليها كعادتى، لكنى فوجئت أن روحها تصعد إلى بارئها وراحت ابنتى بعدما كنت أدعو الله ليل نهار أن يشفيها هى وشقيقتها».
تقول الأم المكلومة إنها بعد إصابة ابنتها قررت ألا تُنجب، لكنها أنجبت 3 بنات بعدها إحداهن غير مريضة والثانية مريضة بنفس المرض والثالثة من ذوى الإعاقات: «قررت إنى ماخلفش علشان الولاد مايطلعوش مرضى بنفس المرض، لكن عقب التأكد من خلوّى أنا وزوجى أنجبت هاجر، والحمد لله طلعت مش مريضة، وماكنتش عاوزة أخلف تانى علشان المرض، بس لما هاجر طلعت كويسة قلت أخلف يمكن ربنا يكرمنى بولد، لكنى أنجبت مريم، وبعد 6 أشهر أيضاً اكتشفت إصابتها بنفس مرض شقيقتها الأولى، وأعالجها حتى الآن بمستشفى العبور». وتضيف: «حللت لمريم بعد 6 شهور لقيت عندها مرض الثلاسيميا، وبنتظم فى علاجها علشان ماتوصلش لحالة اختها، بديها حقن 4 مرات فى اليوم، وأقراص أكسجيد على الريق قبل ذهابها للمدرسة، وماشيين على العلاج، وبحاول أعمل لها ما تتمنى حتى لا تشعر بأنها مريضة، والحمد لله هى أكثر تعايشاً مع المرض من شقيقتها، واخدة الحياة ببساطة، عايشة زى أى بنوتة وطبيعية وفاهمة ومتعايشة، وبتسمع الكلام ولما تكون تعبانة بتيجى تقول عاوزة أكشف، وبتزهق من أى مرض، وبروح بيها كعب داير فى كل مكان خوفاً من فقدانها».
{long_qoute_2}
وتتابع الأم: «مريم فى الصف الثانى الإعدادى، وبتاخد دم كل 20 يوم، وأوقات أقل من الأيام دى، لما بتظهر عليها أعراض إن رجليها بتوجعها ومش قادرة تتنفس بجرى بيها على المستشفى علشان تاخد الدم، ببقى عارفة إن دى أعراض إنها لازم تاخد الدم، أوقات بستلف فلوس وبشتغل باليومية فى الأراضى الزراعية علشان أساعد فى المصاريف لأن بنتى التانية من ذوى الإعاقة وزوجى تزوج علىّ بعد إصابة بناتى كى يُنجب ولداً وليظل المنزل مفتوحاً ونعيش أنا وزوجته التانية فى منزل واحد، ولما بآجى المستشفى بضطر أجيب أمل المريضة معايا علشان ماعرفش أسيبها تمشى فى أى مكان، لا قدر الله ماترجعش».
وتختتم حديثها: «بنتى بتاخد كل مرة 500 سنتيمتر دم وبتقعد من 3 إلى 4 ساعات معلقة الدم، أنا نفسى ربنا يشفيها، ويتعمل ليهم معاش يصرف عليهم، أنا ربنا عالم بيا وبظروفى لكن الحمد لله وفضل ورضى من الله، واحدة ماتت والتانية مُصابة وتالتة حاملة للمرض ومن ذوى الإعاقات وبشكر ربنا على الابتلاء، فهو خير، بس نفسى الرئيس السيسى يساعدنى فى عمل معاش لبناتى، ويوفر سلفى الفلوس من الناس علشان آجى أعالجهم، العلاج من التأمين بس أقل يوم بتكون مصاريفهم 100 جنيه أنا زوجى ليه أولاد تانية».
وبابتسامة وأمل ورضا تجلس مريم أشرف، الطالبة بالصف الثانى الإعدادى، على سرير داخل وحدة أمراض الدم بمستشفى العبور، تحتضن شقيقتها التى تُعانى من متلازمة داون، فى إحدى يديها خرطوم بلاستيكى طويل مُعلق بكيس دم، تقول: «الحمد لله، أنا مش زعلانة ومش خايفة أموت زى أختى، الثلاسيميا مش بتتعبنى على طول، وبمارس حياتى بشكل طبيعى، بروح المدرسة والدروس وبسمع التليفزيون وبقعد أرسم، بآخد الدم باستمرار ومش بتعب، لكن أوقات بحس بهبوط ومش بقدر أتنفس فأروح لماما بسرعة تجيبنى على المستشفى».
وعن مرض «الثلاسيميا» تقول مريم: «أنا معرفش يعنى إيه المرض ده، أنا بآجى آخد دم كل 20 يوم وخلاص، وكل اللى أعرفه إنى هفضل كده طول حياتى إلا لو زرعت نخاع، ولما سألنا عرفنا إن تكلفته غالية جداً وإحنا على قد حالنا، أنا نفسى أكون دكتورة علشان أعالج الأطفال اللى زيى، أنا بشوف هنا أطفال كتير أصغر وأكبر منى وبحمد ربنا، وعلشان كده نفسى أبقى دكتورة وأعالجهم».