السلف الصالح وصلاة الجماعة
كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحرص الناس على أداء الصلوات فى جماعة المسجد مهما شق التكليف؛ التماساً لرضوان الله وتحصيلاً لعظيم الأجر، فقد أخرج مسلم، عن أبى بن كعب، رضى الله عنه، قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه فى الظلماء وفى الرمضاء. قال: ما يسرنى أن منزلى إلى جنب المسجد، إنى أريد أن يكتب لى ممشاى إلى المسجد ورجوعى إذا رجعت إلى أهلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لك ذلك كله». وفى رواية: قال أبى: فحملت به حملاً حتى أتيت نبى الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فدعاه فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو فى أثره الأجر. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «إن لك ما احتسبت».
المشى إلى المسجد فى الظلام نور لصاحبه يوم القيامة:
أخرج أبوداود والترمذى بسند صحيح عن بريدة الأسلمى رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «بشر المشائين فى الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».
وأخرج ابن ماجه عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المشاءون إلى المساجد فى الظلم أولئك الخواضون فى رحمة الله».
السلف يعتبرون فوات الجماعة من المصائب: لكل هذا كان السلف الصالح يغتمون لفوات صلاة الجماعة، ويعدون ذلك من المصائب التى تلحق بهم، وربما عد بعضهم فوات الجماعة علامة على ذنب أحدثه، وقد وقع أن بعضهم خرج إلى حائط له -يعنى حديقة نخل- فرجع وقد صلى الناس صلاة العصر، فقال: إنا لله! فاتتنى صلاة الجماعة، أشهدكم على أن حائطى على المساكين صدقة.
وقال بعض السلف: ما فاتت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه.
وقد كانوا يعزون أنفسهم سبعة أيام إذا فاتت أحدهم صلاة الجماعة، وقيل ركعة، ويعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى مع الإمام.
وأخرج البيهقى فى «شعب الإيمان» عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه قال: «إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فعليكم بالمسجد والجماعة، فإن دعوة الجميع محيطة من ورائهم».