أحمد سويلم: القانون لا يمنع السرقة.. والرهان على الضمير الأدبى والحركة النقدية

أحمد سويلم: القانون لا يمنع السرقة.. والرهان على الضمير الأدبى والحركة النقدية
- اتحاد الكتاب
- الأعلى للثقافة
- الأكثر مبيعاً
- السرقة الأدبية
- الشاعر أحمد سويلم
- أحمد سويلم
- اتحاد الكتاب
- الأعلى للثقافة
- الأكثر مبيعاً
- السرقة الأدبية
- الشاعر أحمد سويلم
- أحمد سويلم
قال الشاعر أحمد سويلم، عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة وعضو مجلس إدارة اتحادى الكتاب والأدباء، إن السرقات الأدبية انتشرت لأسباب من بينها غياب القراءة وتفشى الأمية الثقافية وتعدد وسائل النشر، مشيراً إلى أن الحل يكمن فى تحلى المُبدعين بضمير أدبى، وكذلك فى خلق حركة نقدية حقيقية تكون قادرة على التمييز بين الأصيل والمزيف.. وإلى نص الحوار:
ضَعُفت المواهب وضَعُف معها المنتج الأدبى وانتشرت السرقات، فما السبب برأيك؟
- الموهبة ليست فقط منحةً من الله، إذ يتعين أن تُغذى دائماً، وصاحب الموهبة وحده مسئول عن هذه التغذية، وليس غيره، وبالتالى هناك مواهب ناقصة ومواهب متطورة، والسرقات باتت اليوم أكثر انتشاراً لجملة من الأسباب، أولها أن القراءة لم تعد عادة، ثانيها تفشى الأمية الثقافية لدى من يدَّعون الإبداع، فالمبدع الحقيقى ينبغى أن يكون واسع الثقافة والاطلاع، أما السبب الثالث فهو تعدد وسائل النشر التى أصبحت اليوم كثيرة ويسيرة للغاية، واليُسر هيأ لهؤلاء أن ينشروا أى شىء وما لا يمكن أن يُطلق عليه جنس أدبى، ويدعون أنه من الأدب، مثل قصيدة النثر والخاطرة وغيرهما، وللأسف نجد الشباب اليوم يُعجبون بكتابات ضعيفة يخلعون عليها وصف «جامدة» بلغتهم، أى مُبدعة، ويصطفون فى طوابير طويلة لشراء هذه الكتب، فى حين أن مضمون هذه الكُتب مجرد لا شىء، فقط أُشيع عنها أنها كُتب «جامدة»، وهذا الأمر وقع فى معرض الكتاب الأخير والذى سبقه، وقد حاولت دراسة هذه الظاهرة، وجاءتنى إجابات القراء من الشباب: «إنهم يكتبون بلغتنا وقريبون منا»، وهذه مأساة، وبالتالى الأمر أشبه بـ«أُمية إبداعية» إذا جاز لنا التعبير عن هذه الظاهرة. لاحظ أن كل هذا يحدث فى الوقت الذى يغيب فيه النقد غياباً ملحوظاً، فلا توجد حركة نقدية حقيقية تُقَيم هذه الأعمال، وتُعلن ما إذا كانت أصيلة أم مزيفة، جيدة أم سيئة، فاختلط الحابل بالنابل.
{long_qoute_1}
إلى أى درجة تقبل بمسألة الاقتباس فى الأعمال الأدبية؟ وما ضوابطها؟
- ثمة فارق كبير بين بعض المصطلحات، لدينا «الاستلهام» ويعنى أخذ المعنى من النص الإبداعى السابق والتعبير عنه بطريقة مختلفة تميز المُبدع اللاحق وتضيف، قد تكون إشارة، قد يكون إطاراً فنياً مُعيناً، أو حتى جزءاً من العمل ذاته، فمن الممكن استلهام أى من الشخصيات التاريخية كإخناتون أو غيره ثم إسقاطه بعد ذلك على الواقع المعاصر. هناك أيضاً «الاقتباس»، وهو مشروع، بشرط الإشارة إلى مصدره، ولدىّ بعض الأشعار الخاصة بى، بها بعض من أشعار القدامى، لكن أشعارهم فى دواوينى موضوعة بين قوسين، مع الإشارة فى الهامش إلى أن هذه الأشعار لفلان وفلان، وسبق أن أمضيت ستة أشهر فى قراءة ديوان أبوالطيب المتنبى كاملاً، وإلى جوارى أجندة أدون فيها بعض الأبيات الجميلة التى استشعرتها، وبعدما انتهيت من قراءة الديوان وتدوين بعض الأبيات والملاحظات وجدت نفسى أكتب قصيدة حملت اسم «حوارية مع المُتنبى»، وكانت عبارة عن حوار بينى وبينه، ففيما هو يقول أبياته أرد أنا عليها بأخرى، وحقيقةً أعتز كثيراً بهذه القصيدة، وهذا ما يُسمى برأيى محاورة أو اقتباساً. ثالثاً هناك ما يُسمى بـ«التناص» ويعنى الاقتراب من النص الأصلى، لكن بأسلوب الكاتب الخاص، وهذا ينبغى فيه أيضاً الإشارة إليه، أما السرقة فتعنى الأخذ دون الإشارة إلى المصدر، استغلالاً لنسيان القراء للأبيات الأصلية أو عدم اطلاعهم وأُميتهم الثقافية، وما أكثر السرقات فى أيامنا هذه للعوامل التى ذكرتها، إلا أنها لا تصنع مُبدعاً.
برأيك، الموهبة منحة من الله أم يكتسبها المرء اكتساباً باطلاعه وتجربته؟
- البشر يولدون بمواهب وبطاقات إبداعية مختلفة، كل منا لديه حاسة سادسة، حاسة الموهبة التى تميز الإنسان عن الآخرين فى شىء بعينه، لكن المهم هو كيف تُكتشف هذه الموهبة، وإذا اكتُشِفت هذه الموهبة مبكراً وغُذيت، يصبح الموهوب موهوباً، وعلى سبيل المثال، سنة 1956، حينما كان عمرى آنذاك 14 سنة تقريباً، انتشرت دعوات تسليح الجيش لمواجهة العدوان الثلاثى على مصر، وكان منها أغنية المطرب الراحل محمد عبدالوهاب بعنوان «سلح جيشك»، وقد أعجبتنى هذه الأغنية كثيراً وكتبت عنها شعراً بالعامية، ولم أكن أعرف بعد أن لدىّ الموهبة، لكننى كنت قارئاً جيداً للتصوف وللشعر، وكان والدى شيخاً لإحدى الطرق الصوفية، وبعدما كتبت شعر العامية ذهبت للصلاة فى المسجد والتقيت صديقاً أزهرياً يدعى الشيخ حسن، وعرضت عليه ما كتبت من الشعر، وهو كان يعلم تماماً أنى أحب اللغة العربية، ويعرف أسرتى وأبى، فصمت ثم قال لى: «أنا زعلان لأنك تكتب بالعامية، فلمَ لا تكتب بالعربية الفصحى؟»، وقد هزتنى كلماته واستفزتنى، ودفعتنى للعودة إلى البيت كى أتدرب على الكتابة بالفُصحى، حتى كتبت قصيدة فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرضتها عليه ثم بدأ هو بدوره فى توجيهى، والشاهد أنه من الأفضل أن تكتشف موهبتك مبكراً ثم تعمل على تطوير وتنمية وصقل هذه الموهبة من خلال الاطلاع والتثقيف الواسع والتفاعل مع الحياة والبشر والأحداث، بما يجعل هذه الموهبة قادرة على الإضافة فى نهاية الأمر، فيتعين على أى مبدع أن يتسلح بأمرين، الاستمرار والإضافة، فإذا استمر دون أن يضيف أصبح مُسطحاً، وإذا أضاف دون أن يستمر أصبح تراثاً، وينبغى الموازنة بين الأمرين. {left_qoute_1}
على ذكركم للاكتشاف المُبكر للموهبة.. ما رأيك فيمن يتأخر إبداعهم، أو بالأحرى يخرج للنور فى مرحلة عمرية متأخرة كالأربعين أو الخمسين، وهل ترى أن إبداعهم المفاجئ هذا موضع شك؟
- هؤلاء كُثر اليوم، ومنهم من تلاحقه الاتهامات بالسرقة، وهى اتهامات فى محلها، الأفضل أن تُكتشف الموهبة مُبكراً حتى تتاح الفرصة أمام المُبدع للتفاعل مع الحياة وأحداثها، فيتأثر ويؤثر، لكن قد تكون لدى المرء الموهبة إلا أنه لا يعلم بها، ثم يأتى فى وقت ما فيُجَرب ويعتمد على المخزون الضئيل داخله، ويحاول جاهداً أن يوَسع من هذا المخزون فيفشل فيلجأ إلى السرقة، فى محاولة للحاق بالزمن وتعويض ما فاته، وظهور الإبداع فجأة دون مقدمات مثار شك للكثيرين، ولا بد من التفتيش وراء هؤلاء، والسعى لإيجاد إجابة عن السؤال: لماذا لم تُكتشف موهبتهم منذ الصغر؟ فالإنسان كما قلت يولد موهوباً، فلماذا تُكتشف بعد الأربعين؟، «تَو ما افتكرت؟»، وهذه ظاهرة غريبة للغاية. عام 1958 كنت فى الصف الثانى الثانوى، وحينها كنت أكتب موضوعات التعبير وبها أشعارى مكتفياً بالقول: «قال الشاعر» دون الإشارة إلى اسمه، وحينما سألنى أستاذ اللغة العربية عن اسم الشاعر فأخبرته أننى من يكتب هذه الأشعار، فبدأ اهتمامه بى، وهذا ما أود البرهنة عليه من أن الموهبة تأتى مبكراً، لا بعد زمن طويل من الصمت. حينما جاء «أبونواس» إلى مُعلمه خلف الأحمر يطلب منه أن يُعلمه قول الشعر، فطلب منه «الأحمر» أن يحفظ ألف بيت من شعر الآخرين، فذهب ففعل، ثم عاد «أبونواس» مجدداً طالباً تعلم الشعر، فطلب منه «الأحمر» أن يذهب فينسى ما حفظ، فذهب ومكث فى الصحراء ستة أشهر، ثم عاد إلى مُعلمه ليخبره أنه نسى ما حفظ، متسائلاً: «لماذا طلبت منى نسيان ما حفظت من الشعر؟»، فرد «الأحمر» قائلاً: «حتى تكون أنت وشعرك». قديماً لم يكن ينبغى للشاعر أن يخلع على نفسه لقب شاعر دون أن يخلع عليه هذا الوصف شاعر أكبر وأسبق، فلم يكونوا يطلقون على أنفسهم شعراء كما هو حال شعراء هذه الأيام، فزُهير بن أبى سُلمى، شاعر العصر الجاهلى، أوجع ابنه «كعب» ضرباً حينما نطق الأخير بالشعر، وقال له: «مالك أنت والشعر؟!»، ثم عاد «كعب» لعادته الأولى، فقال له أبوه: «أجز يا لُعب»، أى قل الشعر وجارنى، ثم أُعجب «زهير» بشعر ابنه وخلع عليه لقب شاعر، هكذا كان الأمر.
وهل كان هذا ما يحدث مع جيلك؟
- جيلنا كان هكذا أيضاً، كان يتعين على الشاعر إذا ما أراد نشر ديوانه أن يعرضه على أكثر من ناقد حتى يقول فيه رأياً، فلم يكن متاحاً ما هو شائع اليوم من دفع الأموال لدور النشر مقابل الطباعة. قدمت أول دواوينى الشعرية فى أوائل عام 1967 للدار القومية للتوزيع، وعُرض على ثلاثة نُقاد قبل أن يُطبع، وقمت بعدها بالذهاب إلى الإذاعة، برنامج مع النُقاد، وطلبت مناقشة ديوانى، فأخبرونى أنهم لا يناقشون الديوان الأول، فألحَحت عليهم، وطلبت أن يناقشنى ديوانى الدكتور عبدالقادر القط والأستاذ صلاح عبدالصبور، وكانا أكبر ناقدين فى مصر، وقد كان، وبالفعل أشادا بما كتبت كثيراً، لذا فأنا أعتز كثيراً بالديوان الأول على غير عادة بعض الشعراء ممن لا يعترفون بأول دواوينهم. اليوم الأعمال الأدبية كثيرة للغاية فى السوق وعلى الأرصفة، لكن ثمة قولاً مأثوراً منسوباً للشاعر العباسى أبى إسحاق الصابى يقول فيه: «إذا كثر الشعراء قل الشعر».
هل ترى أن الإنترنت اليوم أصبح وسيلة لفضح السرقات؟
- الإنترنت كله سرقات، وغير موثق، بعكس الكُتب والوثائق القديمة والمخطوطات، لكن هو إلى حد ما كفيل بكشف تلك السرقات.
البعض يرى أن كثيراً من دور النشر نفسها لا تتورع عن نشر الكتب والدواوين لمن يُعرفون بالسرقة الأدبية، جنياً للربح؟
- أتصور أن كثيراً من دور النشر الصغيرة اليوم لا يهمها سوى الربح، وقليل من هذه الدور الصغيرة تنظر فى العمل احتراماً لاسمها فى السوق، وهذا أحد العوامل التى تسهم فى إعطاء صورة مزيفة عن الإبداع، فليس كل ما يُنشر مُبدعاً، وليست غزارة الإنتاج دليلاً على الموهبة، وما يُسمى من الكتب بـ«الأكثر مبيعاً» هى فى الحقيقة أسوأ الكتب التى تُنشر للأسف الشديد، وليست كثرة البيع معياراً للكفاءة وبرهاناً على الإبداع.
لكن بعض الكُتاب اليوم صاروا يتفاخرون بأن كُتبهم من «الأكثر مبيعاً» وأن ذلك خير دليل على موهبتهم؟
- الكتب الأكثر مبيعاً كما قلت ليست معياراً ولا دليلاً على كفاءة الكاتب، ولا حتى الجوائز، ذلك أنها لا تصنع مُبدعاً، لكن ينبغى أن تكون الجوائز فى تاريخ المُبدعين باعتبارها نوعاً من أنواع التقدير للمُبدع. كثير من الجوائز اليوم تُمنح بـ«التربيطات» والمجاملات، ويكفى أن لجنة تحكيم الجائزة يختارها بشكل مُعين صاحب الجائزة، وهو فى النهاية له رأى آخر بخلاف آراء لجنة التحكيم. كذلك الأمر بالنسبة للطبعات، فمن الكُتاب من يفاخر بصدور عدة طبعات لكتابه، فى حين أن الطبعة الواحدة فى حقيقة الأمر لا تتجاوز 300 نسخة، وقد عملت مديراً للنشر فى دار المعارف، وكنا نطبع فى ثمانينات القرن الماضى من الكتاب الواحد 10 آلاف نسخة فى الطبعة الواحدة، ثم أصبحت 5 آلاف نسخة فى التسعينات، ثم 3 آلاف عام 2000، واليوم إذا طبعت 1000 نسخة ووُزعت خلال 3 سنوات فقد قمت بأمر يستحق الإشادة، فلا تصدق ما يشاع بأن هذه الرواية لها 10 طبعات، وهذا الديوان له 50 طبعة، دليل على كفاءة المكتوب.
هل ترى الخلل فى جمهور القراء ممن لم يعودوا قادرين على التمييز بين الغث والسمين من الإبداع، أم أن الخلل فيمن يقدمون أنفسهم باعتبارهم مبدعين؟
- الخلل مشترك بين هؤلاء وهؤلاء، وأضف عليهما غياب النقد، إلى جانب أيضاً الإغراق فى إصدار الأعمال من جانب دور النشر دون تمحيص، والجيل الحالى ممن يرون فى أنفسهم مُبدعين يستخفون بالإبداع، ويرونه أمراً عادياً، فى حين أن المُبدع الحقيقى هو من يخشى من أن التجربة قد تقتله قبل أن يُفرغ موهبته.
{long_qoute_2}
كيف يمكنك الحكم على النص بوصفه إبداعاً؟
- يشترط فى إبداع المُبدع أن يُجاوز ما سبق أن قدمه، ينبغى أن يضيف شيئاً لما سبق أن كتبه، وإن لم يفعل فهو ليس نصاً إبداعياً، فإن استمر المُبدع على نفس مستواه لم يُضِف، وإن كان إبداعه الثانى أقل من الأول انتفت عنه صفة الإبداع، وينبغى على المُبدع أن يحترم ذاته ويحترم القارئ، ويقدم له ما هو جديد ويُضيف، وإلا فليتوقف خير له.
لكن تُهمة السرقة كانت شائعة أيضاً بين كُتاب كبار أمثال العقاد والرافعى تحديداً؟
- لم تكن سرقات، بل مشاكسات ومعارك أدبية شريفة وجميلة، كان الأمر اختلافاً فى الآراء لكن دون بذاءة. جيل اليوم يُنكر ما قبله، يزعم فراغه دون أن يملأ هذا الفراغ المزعوم، وكذلك جيل الثمانينات الذى هاجم جيلى دون أن يقدم ما يميزه، بعكس جيلى الذى اعترف بفضل السبق للسابقين.
هل ترى أن شروط منح عضوية اتحاد الكتاب بحاجة إلى مراجعة؟
- بالطبع، نيل العضوية بات أمراً سهلاً، فالاتحاد يشترط كى يمنح عضويته أن يتقدم الكاتب بثلاثة كتب من تأليفه، وما أكثرها اليوم، الأمور تغيرت كثيراً فى اتحاد الكتاب اليوم، وأصبحت العضوية تمنح بالمجاملات.
لم يُسجن يوماً كاتب لسرقته نصاً من آخر.. فما الحل برأيك لمنع تمدد هذه الظاهرة؟
- الحل فى أن يتحلى الكاتب بضمير أدبى، فليس القانون حلاً، لأن به من الثغرات الكثير، ينبغى أن يكون لكل جيل من الأدباء جيل آخر ناقد له، لكن واقع الحال أن الجيل الحالى يُبدع ويُنظر لنفسه دون نقد موضوعى، ونتمنى أن يكون لدينا نُقاد أكثر ثقافة كى يميزوا بين الغث والسمين، بين الأصيل والمزيف.