ما لا تعرفه عن أول وزير خارجية لمصر.. الروزنامجي "بوغوص بك يوسفيان"

كتب: أحمد تيمور

ما لا تعرفه عن أول وزير خارجية لمصر.. الروزنامجي "بوغوص بك يوسفيان"

ما لا تعرفه عن أول وزير خارجية لمصر.. الروزنامجي "بوغوص بك يوسفيان"

قال محمد علي باشا، عنه "إن بوغوص هو الرجل الوحيد الذي أثق به كل الثقة واعتمد عليه كل الاعتماد".

كان لمحمد علي باشا علاقات مبكرة له بالأرمن فقد اشتغل في صباه بتجارة الدخان عند تاجر أرمني يسمى "قره قهيا يراميان" فلاقى منه معاملة أبوية ولذا عندما تولى الحكم في مصر ردَّ الجميل للأرمن الذين كان يثق بهم الباشا ثقة مطلقة.

ولعل خير دليل على ذلك هو بوغوص بك الأرمني والذي يعد أهم موظف في الإدارة المصرية حيث كان الشخص الوحيد الذي شغل مكانة كبيرة عند الباشا وأثبت التاريخ أنه كان جدير بثقته حيث خدم الرجل مصر بكل جهده وله أياد بيضاء في نهضتها وثروتها فكان عبقريا وسياسيا محنك.

واشتهر بإتقانه وتميزه في مهنة "الروزنامجي" والتي تعني روزنامة" بالفارسية تعني دفتر اليومية و"جي" التركية تدل على النسبة إلى الصناعة فيكون معناها كاتب اليومية وكان الروزناجي يترأس ديوان الروزنامة ويلي الدفتردار في رئاسة الإدارة المالية.

ولد يوسفيان في إزمير في العام 1768 وتعلّم في منزل خاله أركيل الذي كان يعمل مترجمًا في القنصلية البريطانية في أزمير على يد العديد من المعلمين فتعلّم الكثير من اللغات ثم جاء إلى مصر في العام 1791 وبدأ نشاطه بالتجارة واستأجر جمرك رشيد لكن تم لاستدعائه إلى أزمير في العام 1798 لكي يعمل مترجمًا بالقنصلية البريطانية بها.

وبعد عامين عاد البك إلى الإسكندرية ليعمل مترجم لضابط بريطاني يُدعى "سيدني سميث" ولمهارته الفائقة في الترجمة تم تعيينه مترجمًا لخسرو باشا ثم خورشيد باشا بعد ذلك وما لبث أن أسند إليه محمد علي باشا في وظيفة الترجمان الأول في الإدارة المصرية وقد أدرك مبكرا قرات بوغوص التجارية والإدارية والدبلوماسية غير العادية فأراد الاستفادة منه ومن ولائه قدر الإمكان.

ولم يبعده عمل كمترجم عن التجارة حيث استطاع تأجير جمرك الإسكندرية من محمد علي باشا مقابل 2500 كيسة لمدة خمس سنوات وكانت النقطة الفاصلة في حياته منحه رتبة البكوية من الباشا فكان أول مسيحي يحصل على البكوية في عهد محمد علي باشا، وفي العام 1818 ليعيّنه ناظرًا لديوان التجارة والأمور الإفرنجية في العام 1826.

التصق الرجل بمحمد علي باشا ‏ فكان ترجمانه ووزير خارجيته ووزير تجارته‏ وقد كان له نفوذ كبير وكان رأيه هو المرجح دائما‏‏‏ فكان أول صاحب لمنصب ناظر ديوان التجارة والأمور الإفرنكية‏ وكان مقره بالإسكندرية‏ وهو المنصب الذي تحول بعد ذلك في عصر الخديوي إسماعيل ليصبح‏ ناظر الخارجية‏.

يروي المؤرخون أن محمد على باشا وبرغم طبيعته المتشككة التي كانت تدفعه للتلصص حتى على أولاده ومراقبتهم فقد منح محمد على ثقته المطلقة ليوسفيان بك وأطلق يده في التصاريف المالية للدولة دون استئذان وهو حق لم يحصل عليه أبناء محمد علي أنفسهم بل إنه عهد إليه بمراقبتهم مالياً وقيد حساباتهم في دفاتره.

وكان بوغوص والذي منحه محمد علي البشوية تقديرا لأعماله المستشار الخاص له بل وفيلسوفه وأقرب رجال حاشيته حيث عرف منه معلومات كثيرة عن الأسواق الأوروبية، وما يجري فيها والأحداث السياسية العالمية.

ونظراً لأن بوغوص كان وحيداً بلا زوجة أو ولد ومن ثم، ليس بحاجة إلى اقتناء المال وتكديسه فقد انصرف عن متابعة مصالحه الذاتية وصب رعايته الأبوية على مجموعة من أقاربه ليحميهم ويُوجههم، وقرر أن يقوم بدور مُفرخ المواهب من بني جنسه لخدمة مشروعات محمد علي ليمهد الطريق أمام الأرمن للقيام بدور سياسي اجتماعي في مصر زيادةً على دورهم العام كتجار وأصحاب امتيازات.

وما لا يعرفه الكثيرون أن "نوبار باشا" أول رئيس وزراء فى مصر هو ابن شقيقة "بوغوص" ويقول نوبار في مذكراته بشأن خاله "بوغوص": لا يذهب إلى الوالي قبل أن يُصلى صلاة قصيرة وكأنه يدخل إلى قفص الأسد، وذلك بسبب تأثير الأحداث التي مر بها بل إنه كاد أن يُصبح ضحية غضب الوالي في يوم من الأيام فقد كان بوغوص رئيساً لخزانة جمارك دمياط، وعلى أثر مناقشة بينه وبين محمد علي استشاط الأخير غضباً وصاح قائلاً: "فليُسق من قدميه".

وكانت هذه عبارة تُعنى اعتقال شخص لإعدامه، فتقدم أحد القواسة بسرعة لتنفيذ الأوامر، وسيق بوغوص إلى خارج الغرفة لكن القواس كان مديناً بمعروف لبوغوص فتظاهر بتنفيذ حكم الإعدام وبعد فترة قصيرة مر محمد علي بضائقة مالية فى رشيد واحتاج بشدة إلى النصيحة، فلم يستطع أن يمنع نفسه من الصياح قائلاً "لو كان بوغوص هنا لأنقذني من هذه المحنة" وكان القواس الذى أمر بقتله حاضرا فارتمى تحت قدميه طالباً الرحمة فسأله لما الرحمة؟ فأقر أنه لم يُنفذ الأوامر فصاح محمد علي "بوغوص حي؟ اذهب وأحضره حالاً وإلا دفعت رأسك ثمناً على رأسه"، فتم استدعاء بوغوص ومن وقتها لم يحدث شيء يُعكر صفو العلاقات بين بوغوص والباشا.

ويصف نوبار أيام بوغوص الأخيرة في مذكراته قائلا: وقد ارتبطت مكانة بوغوص في مصر بشخصية محمد علي. لذا عندما داهمت الباشا الشيخوخة ولم يعد قادرا على الإدارة تعرض لمضايقات خاصة من عباس الأول فاستاء بوغوص كثيرا من هذا السلوك وأضرب عن الطعام والشراب حتى مات من الهزال في يناير 1844 بالإسكندرية عن عمر يُناهز 72 عاما.

وكانت المفاجأة عند وفاته حيث اكتشف محمد علي باشا بعدم امتلاك يوسفيان سوى تسعة عشر شلنًا وسبعة عشر قيراطًا من الماس كانت ملكًا لمحمد علي باشا نفسه بالإضافة إلى ست أوراق بيضاء مختومة أعطاها محمد علي إياه أثناء سفره إلى السودان ولكنه لم يستخدمها ولم يستغلها هذا إلى جانب أن محمد علي لم يحدد راتباً منتظماً لـ"يوسفيان" على الرغم من أن محمد علي باشا ترك له حرية التصرف.

ولهذا يعد يوسفيان أنزه من تولى مناصب في عصره ما جعل محمد علي غاضبًا وقت وفاته ليرسل لـ"نوبار باشا" يؤنبه على عدم إقامة جنازة عسكرية له وأمره بأن يخرج جثمانه ويعاد دفنه في جنازة عسكرية وعلى الرغم من عدم إخراج جثمانه إلا أن أقيمت له جنازة عسكرية كبيرة وقد دفن في كنيسة الأرمن الأرثوذوكس بالإسكندرية بمنطقة اللبان.


مواضيع متعلقة