الرئيس ووسطاء «رابعة»

أحمد الخطيب

أحمد الخطيب

كاتب صحفي

بين العديد من التصريحات الكاشفة التى أدلى بها الرئيس السيسى فى المؤتمر الناجح «حكاية وطن»، ومثلت عدداً من المفاجآت، استوقفتنى رواية مهمة للرئيس بمثابة «إجابة تاريخية» عن سؤال: من المتسبب فى اندلاع معارك العنف والإرهاب التى دارت رحاها بين الدولة والتيار الإسلامى منذ عزل الإخوانى محمد مرسى حتى الآن؟.. ورغم أننى كمتابع متخصص أعرف الإجابة، فإن الرئيس كشف ولأول مرة عن قصة «الوسطاء» الذين توسطوا بينه وبين «قيادات رابعة»، حول شروط فض الاعتصام المسلح، وتجنيب البلاد ويلات الإرهاب التى كانوا يتوعدون بها وهو ما قاموا به ولا يزالون.. قصة «الوسطاء» لم يكن «السيسى» أول من تحدث عنها.. بل سبقه إليها «الوسطاء» أنفسهم.. قال الرئيس فى معرض حديث الوساطة إنه وافق على جميع الشروط من أجل فض الاعتصام، وعودة المعتصمين إلى ديارهم سالمين، مشيراً إلى أن هؤلاء «الوسطاء» ذهبوا ولم يرجعوا إليه عقب إبلاغه إياهم بموافقته على جميع الشروط.. وزاد الرئيس بأن قال «تصوروا بعد الموافقة على شروطهم أننى أخشى من الأمريكان.. والحقيقة أننى كنت أخشى الله».. الإجابة هى الأولى من نوعها فى تقديرى التى يتفوه بها «السيسى» بهذا الوضوح، والتى نكأ بها جرحاً غائراً بالإجابة عن سؤال مباشر: من بدأ بالعنف.. الدولة، أم التيار الإسلامى؟.. «الوسطاء» الذين لم يذكرهم رئيس الجمهورية هم الشيخ محمد حسان وشقيقه الشيخ محمود حسان، والدكتور عبدالله شاكر رئيس المركز العام لجمعية أنصار السنة، والدكتور جمال المراكبى الرئيس السابق لجمعية أنصار السنة، والمرحوم الدكتور محمد المختار المهدى عضو هيئة كبار علماء الأزهر ورئيس الجمعية الشرعية آنذاك.. شخصياً تحدث معى الشيخ «حسان» فى حوار صحفى شهير قبل عامين فى صحيفة «الوطن» عن هذه الوساطة كشف فيها العديد من الأسرار التى تناول الرئيس بعضاً منها فى مؤتمر «حكاية وطن».. كانت الشروط كالتالى: عدم فض الاعتصام بالقوة، ووقف ما سموه بالتحريض الإعلامى على الاعتصام والمعتصمين، والإفراج عن جميع المحبوسين وإسقاط جميع القضايا بحقهم.. بحسب حديث الشيخ حسان الذى أثار عاصفة من التشكيك فى «الوطن» والشيخ حسان على حد سواء، والذى اضطره إلى تسجيل شهادته تليفزيونياً مع الشيخ الكواكبى والشيخ شاكر على قناة الرحمة بعنوان «شهادة للتاريخ» -بحسب حسان- وافق الرئيس السيسى على جميع الشروط بما فيها الجلوس مع حزب الحرية والعدالة ضمن جميع قوى الأحزاب السياسية فى مصر، والإفراج عن محمد مرسى شخصياً.. نال الشيخ حسان من التيار الإسلامى «قطرة» من بحر الإساءة التى تعرض -ولا يزال- السيسى لها وأسرته عقب الإعلان عن موافقة الأخير على جميع الشروط دون استثناء.. هؤلاء «الوسطاء» ينتمون لمعسكر التيار الإسلامى وليس لمعسكر الدولة، لذا فإن شهادتهم عن الوساطة كانت الأوقع والأقرب والأصدق فى مسألة الإجابة عمن المتسبب فى مسألة العنف والإرهاب.. الدولة أم التيار الإسلامى؟.. استشهاد السيسى بالوسطاء جاء متأخراً، رغم أن الوسطاء أنفسهم قالوا بها قبله، والإجابة عن السؤال التاريخى أجاب بها السيسى مبكراً، فلم ينتظر أن يكتب الإخوان التاريخ للأجيال المقبلة بأنه هو الجائر والبادى رغم سعيهم الحثيث فى ذلك.. فالرئيس عبدالناصر تعرض لما تعرض له الرئيس السيسى من خوض نفس المعركة مع ذلك التيار عقب تولى الأول السلطة عام ١٩٥٤، مع التسليم بأن المعركة الأخيرة التى بدأت رسمياً فجر يوم الجمعة الموافق ١٨ أغسطس عام ٢٠١٣ هى الأشرس والأعنف والأقسى على الدولة ومصيرها الذى كان على المحك.. لم يُجب الرئيس ناصر عن السؤال الذى زيفه الإسلاميون تاريخياً بأنهم هم من بادروا بالعنف المسلح، فسمح لهم بتشويه صورته والكذب عليه بأنه هو من قام أولاً بسجنهم والادعاء بأنه قبرهم فى مقابر جماعية بمصر بفيافى مصر الجديدة ومدينة نصر! بعد أن كفروه واستحلوا دمه وماله وعرضه، وهى نفس الاتهامات الملفقة بحق الرئيس السيسى، وما أشبه كل ليالى الإخوان بالبوارح!. قد لا يعرف الكثير أن الرئيس ناصر تصالح مع الإخوان عقب صدامه الأول وسامحهم وأعادهم إلى أعمالهم ودورهم، بل وقام بتعويضهم مادياً ومعنوياً عن سنوات الاعتقال والسجن منذ عام ١٩٥٤ حتى تبين له أنهم لا عهد لهم ولا ميثاق كالعادة فكانت أحداث ١٩٦٥.. خطورة تصريح «السيسى» فى قصة الوساطة أنه رفع الغطاء بجلاء مبكراً لكل باحث عن الحقيقة سواء كان الآن أو المستقبل أن الدولة كانت الأحرص على عدم خوض المعركة مع «الإرهابيين» فيما كانت الأحرص على خوض المعركة مع «الاٍرهاب».. إجابة «السيسى» بجانب إجابات أخرى ذكرها فى سياقات مختلفة عن معركته مع التيار الإسلامى مع شهادة «وسطاء معسكر التيار الإسلامى» كافية لأن تصلح رواية تاريخية دامغة عمن هم القتلة.. من الذى حافظ على بلاده وأهله من الضياع والاقتتال، ومن الذى خان البلاد وسعى فى تدميرها من أجل سلطة زالت عنه بفعل ثورة شعبية؟. من الذين تآمروا على بلادهم وقتلوا خيرة أبنائها وكفروا مجتمعاتهم ومن الذى تحمل ما تنوء بحمله الجبال الرواسى للحفاظ على مائة مليون نفس من الضياع.. من الذى اتحد مع أعداء بلاده عداء فاق شراسة كل أعدائها على مر التاريخ.. ومن الذى وقف يتحمل كل إساءة وسب وقذف من أجل أن تحيا بلاده حياة كريمة وأن يعبر بها إلى شطآن النجاة.. وعند الله تجتمع الخصوم!