لا جديد تحت شمس «الشعراوى»
كلما «اتزنقت» الحكومة فى موقف استدعت الشيخ «الشعراوى»، رحمه الله، وأعادت إسماعنا مقطعاً صوتياً أو تليفزيونياً من تسجيلاته، مع «تلبيسه» للموقف أو الأزمة التى تواجهها. حدث ذلك بعد ثورة 25 يناير، عندما حاول المجلس العسكرى -مدعوماً بجماعة الإخوان- تثبيط الشارع الثورى، فاستدعى ذلك المقطع التليفزيونى الذى يتحدث فيه «الشعراوى» عما يسمى بـ«الثائر الحق»، وهو الشخص الذى يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنى الأمجاد، وياخد الكل على حجره، الثوار على رجل والفلول على رجل! لعلك تذكر هذا المقطع الذى كان يتردد آناء الليل وأطراف النهار، عبر كل الشاشات التليفزيونية والمحطات الإذاعية، حتى حفظه الناس، وأصبحت عباراته أداة للتندر على ألسنة البعض.
وبعد 30 يونيو دخلت السلطة فى «زنقة» جديدة مع الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان، فلم تجد بداً من التفتيش فى الدفاتر القديمة للشيخ الشعراوى، لتتحفنا بمقطع تليفزيونى جديد يرد فيه الشيخ على من يتهمون الأمة المصرية بالكفر، ويشرح فضل مصر على الإسلام حين صدّرت علومه إلى كل الدول المسلمة، بما فيها الدولة التى نزل بها الإسلام، وحين دافعت عن الإسلام ضد التتار والصليبيين، وأن مصر سوف تظل حصناً للإسلام، رغم أنف كل حاقد أو حاسد أو مستغِل أو مستغَل أو مدفوع من خصوم الإسلام هنا أو خارج هنا. إنها مصر ستظل دائماً.
لا يستطيع أحد أن ينكر قدرة الشيخ الشعراوى -رحمه الله- على نسج كلمات وتسبيك عبارات قادرة على عبور العصور، يكفى فى هذا السياق أن أستشهد بحديثه الشهير أمام «المخلوع» بعد نجاته من حادث أديس أبابا عام 1995، حين قال له: «إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل». ولقد سبق أن وصف الشعراوى الرئيس «السادات» بالرجل الذى (لا يُسأل عما يفعل). والمقاطع التى نستعيدها اليوم سبق أن رددها الشيخ الراحل فى مواجهات الدولة مع الإرهاب خلال فترة التسعينات، لكنها أثبتت قدرتها على الحياة فى اللحظة الراهنة. فيبدو أن شيئاً لم يتغير فى هذا البلد منذ التسعينات وحتى الآن، إلى حد أننا أصبحنا نستدعى الموتى من القبور، والقوانين من المتاحف حتى نواجه بها استحقاقات الواقع المعيش. ولو أنك وضعت عملية استعادة كلمات الشعراوى إلى جوار تصريح وزير العدل حول إعداد قانون جديد لمكافحة الإرهاب (وهو قانون مباركى بامتياز) كبديل للطوارئ، فسوف تلاحظ أن البعض يريد لنا أن نعيش فى «ثلاجة» الماضى الذى أزاحته ثورة يناير، فى محاولة يائسة لإثبات أنه لا جديد تحت الشمس. حسناً فليجتهد من يريد ذلك ويبقى يقابلنى لو فلح! وفى الختام أسأل: ألا يعد اللجوء للشيخ الشعراوى لتبرير إجراءات سياسية نوعاً من الخلط بين الدين والسياسة، فى وقت تدعو فيه الدولة إلى التخلص من فكرة المرجعية الدينية فى العمل السياسى؟.. انتوا كلكم سكرانين ولّا إيه؟!