«صفعة» الرئيس أبومازن

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

فى الجلسة الافتتاحية للدورة 28 للمجلس المركزى الفلسطينى قال الرئيس محمود عباس «إننا نلتقى هنا لندافع عن القدس، إننا فى لحظة خطيرة ومستقبلنا على المحك.. إننا لن نرحل ولن نرتكب أخطاء الماضى.. قلنا «لا» لترامب ولن نقبل مشروعه وصفقة العصر هى صفعة العصر ولن نقبلها»، بلا شك هى جمل تحمل الكثير من الدلالات فيما لو صدقت، خاصة أن الاجتماع الطارئ للمجلس المركزى جاء لرسم الخطوط العامة للموقف الفلسطينى تجاه اعتراف الرئيس الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهنا بدا خطاب الرئيس عباس حاسماً، لكن من يعرف تركيبة المجلس المركزى القديمة المتهالكة يعلم أن الرئيس أبومازن قد أعد التوصيات قبل خمسة أيام من انعقاد المجلس! وبدوره كلف المجلس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باتخاذ القرارات التى كان على المجلس أن يتخذها، ومنها تعليق الاعتراف بإسرائيل وإلغاء أوسلو ووقف التنسيق الأمنى الذى تم اتخاذ قرار بشأنه منذ عام 2015 ولم ينفذ.

من يعرف أبومازن يدرك أن سياسته تقوم على أسس ثابتة، أولها أنه لن يسحب الاعتراف بإسرائيل، وثانيها لن يسمح بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، بدليل أنه دعا القنصل العام الأمريكى فى القدس لحضور الجلسة الافتتاحية للمجلس المركزى، وثالثاً لن يسمح بانتفاضة شعبية ضد الاحتلال، وعلى هذه الأسس يتخذ خطواته، ونتذكر فى المؤتمر السادس لحركة فتح الذى انعقد عام 2009 طالب الرئيس عباس القيادة الفلسطينية بالتحرك على ثلاثة مستويات، النضال الشعبى السلمى، التحرك على المستوى القانونى لإدانة إسرائيل فى محكمة الجنايات الدولية، التحرك على المستوى الدبلوماسى والسياسى لعزل إسرائيل فى المحافل الدولية، لكن ما حدث أن أبومازن قاوم أى تحرك شعبى سلمى ومنعه ولم يذهب لمحكمة الجنايات الدولية التى طالما كان يهدد بالذهاب إليها ولم يذهب إلى مجلس الأمن ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة لعزل إسرائيل دولياً كما وعد! لأسباب عديدة أهمها أنه لا يملك القدرة على مواجهة التحديات، بالإضافة إلى ممارسة الدول العربية ضغوطاً عليه كى لا يفعل، وبالتالى فإن قرارات المجلس المركزى الأخيرة ستلقى نفس مصير قراراته التى صدرت عام 2015، غير أن الأمر الوحيد المقلق بالنسبة للرئيس أبومازن ولإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الحلفاء العرب هو اشتعال انتفاضة شاملة بمفاهيم وتقنيات جديدة، لذا فإن الهدف الرئيسى لدى أبومازن هو إبقاء الصراع مع إسرائيل فى حدوده السياسية، التى تتعامل معها القيادات العربية وتتخذها ذريعة لإقناع الشارع العربى بأن الولايات المتحدة تنوى طرح مبادرة تستجيب لمطالب الفلسطينيين.

أبومازن رجل ذكى وبدهائه استطاع اتباع الطريق الالتفافى لامتصاص الغضب الشعبى وإبقائه تحت السيطرة، وعليه فقد قام بدعوة المجلس المركزى الفلسطينى ليعطى غطاء للسلطة الفلسطينية، بمعنى آخر هو يرى أن الانتفاضة الشعبية ستؤدى إلى نتائج عكسية وهى قناعة راسخة لديه منذ زمن، وبالتالى يريد امتصاص الغضب الشعبى بإقناع الجمهور الفلسطينى أن القيادة الفلسطينية تخوض معركة مصير على المستوى الدبلوماسى والسياسى، وأنها تحظى بتأييد كل دول العالم، وأن النصر سيكون حليفها فى عزل إسرائيل والولايات المتحدة، وهى سياسة قديمة جديدة عفا عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تنطلى على أحد.