خبراء: إيران تدفع ثمن مخططات تمددها فى «الشرق الأوسط»

كتب: نادية الدكرورى

خبراء: إيران تدفع ثمن مخططات تمددها فى «الشرق الأوسط»

خبراء: إيران تدفع ثمن مخططات تمددها فى «الشرق الأوسط»

سلم الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، منذ أيام مجموعة ضخمة من الأوراق إلى البرلمان الإيرانى، وتحمل عنوان «مشروع الميزانية العامة لعام 2018»، وجاء فى مقدمة أولوياتها «ميزانية الحرس الثورى الإيرانى، وفيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس، والجيش، والبرنامج الثورى»، وذلك فى بلد يصل معدل البطالة ببعض مدنه إلى 60%، مع وجود 40 مليون شخص تحت خط الفقر.

«دعونى أشرح لكم المسألة بكل بساطة، لدينا أزمات مختلفة من فقر وبطالة ونقص فى الخدمات سأعالج ذلك، سأقوم بتوفير مستقبل أكثر أماناً، سترون»، هكذا جاءت وعود «روحانى» فى أول خطاب له وقت ترشحه للفترة الرئاسية الأولى، إلا أن هذه الكلمات سرعان ما سقطت جديتها مع أول هتافات انتفاضة الشباب الإيرانى خلال الأيام الماضية التى شهدتها كبرى المدن الإيرانية تحت شعارات «الموت لروحانى»، و«غادروا سوريا.. فكروا فينا».

هل وصلت الحالة الإيرانية الاقتصادية لمرحلة من السوء تدفع لانتفاضة إيرانية؟ يجيب تقرير لمركز الإحصاء الإيرانى، بأن عدد العاملين فى إيران 22 مليون شخص من أصل 78 مليون نسمة، ما يعنى أن نسبة العاملين إلى عدد السكان لا تتجاوز 27%، أى إن كل شخص يعمل يقابله 3 لا يعملون، ويوجد قرابة 40 مليوناً تحت خط الفقر، حسب ما أكده رئيس هيئة الإغاثة فى إيران، فى تصريحات نشرتها صحيفة «أفكار» الإيرانية الإصلاحية، ما يجعل إقدام 20 على الانتحار لسوء الأوضاع المعيشية عقب زلزال «كرومنشاه» غير مُستغّرب.

{long_qoute_1}

ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وانعكاسها على معاناة الشعب الإيرانى، عقب رفع الدعم المالى كلياً عن المحتاجين والفقراء، مع دعم الحكومة ميليشيات فى لبنان واليمن وسوريا، ظهر فى شعارات المظاهرات التى شهدتها أغلب المدن الإيرانية الكبرى خلال الأيام الماضية.

وتشير الإحصاءات المتعلقة بالمستوى المعيشى للأسرة الإيرانية إلى تراجع فى مستوى الإنفاق على الطعام والملبس، الذى وصل عام 1997 لنسبة 30% ليتراجع إلى 23% عام 2017، وأعلن مركز الإحصاء الإيرانى أن نسبة التضخم السنوى بلغت 8.8%، ما انعكس فى تقرير نشرته حديثاً صحيفة «شروع» الإيرانية بأن كثيراً من الإيرانيين لا يستطيعون شراء مواد غذائية مثل اللحم والفواكه والخبز بسبب ارتفاع الأسعار، وذكر التقرير أن الحكومة قامت بدم بارد بالتسبب فى معدلات التضخم بالبلاد، ولا يستطيع المواطن الإيرانى البسيط أن يتحمل أعباءه.

وانتقدت صحيفة «جهان صنعت» الإيرانية منذ أيام ما تقوم به الحكومة لتعويض العجز فى ميزانيتها بمد يدها إلى جيوب المواطنين بدلاً من تقليص نفقاتها غير الضرورية، من خلال مضاعفة ضريبة مغادرة الدولة على المسافرين أضعافاً كثيرة، بذريعة دعم السياحة الداخلية، كما أن زيادة أسعار الطاقة والخدمات الحكومية ما قبل تقديم مشروع الميزانية لعام 2018، وصفته الصحيفة بأنه مؤشر لبعد المسافة بين «روحانى» والشعارات التى أطلقها حول رفاهية الشعب وحل مشكلاته الاقتصادية.

فى الوقت الذى ألقت فيه دراسة نشرتها مجلة الدراسات الإيرانية عن الاقتصاد الريعى بإيران، الضوء على الفساد الحكومى، فوفقاً لمؤشرات مدركات الفساد سجلت إيران المرتبة 131 من إجمالى 176 دولة شملها تقرير المؤشر لعام 2016، ما يمثل تكلفة على الكفاءة الاقتصادية، السؤال هل تدفع إيران فاتورة الحرب بالوكالة لفرض نفوذها بالمنطقة؟

يقول الدكتور رائد العزاوى، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن إيران بالفعل تدفع ثمن تمددها الخطير بالمنطقة، وتدخلاتها الكثيرة، التى ألقت بعبء اقتصادى عليها، خاصة بعد فرض عقوبات دولية عليها منذ سنوات بسبب البرنامج النووى، ويضيف أن الشعب الإيرانى حاول خلال 2009 تنظيم احتجاجات إلا أن النظام قمعها، ما يعكس براجماتيته، إلا أن الحراك الشعبى تزايد خلال الفترة الأخيرة بخاصة مع التوقف شبه الكامل للاقتصاد الإيرانى الذى يسيطر عليه رجال الدين ورجال الحرس الثورى، وتابع «العزاوى» قائلاً إن احتجاجات الشعب الإيرانى الأخيرة انعكاس لرفض فئات كبيرة من الشعب للانهيار الاقتصادى الداخلى وصراع الطبقات، ما يجعل هذه الاحتجاجات أشبه بما حدث فى الربيع العربى، الذى انتفض فى البداية بسبب أزمات اقتصادية تحت شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، وفى حال تراجع القمع الإيرانى لهذه التحركات الشعبية من الممكن أن تؤتى ثمارها وتحدث تغييراً فى النظام السياسى، خاصة أن «خامنئى» لم يعد مسيطراً على السلطة الإيرانية وهناك قوى أخرى داخلية تحرك السياسة الإيرانية.

ويوضح الدكتور محمد عباس ناجى، رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية، التابعة لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن المشهد السياسى الإيرانى تطور من التظاهرات الاقتصادية إلى السياسية، لافتاً إلى أن النظام الإيرانى يدفع فاتورة استنزاف خزينته فى دعم التنظيمات الإرهابية بالخارج، ما أدى لزيادة معدلات البطالة والتضخم، ورغم ذلك ما زال يصر على إعطاء أولوية للخارج، وأضاف «ناجى» أن النظام الإيرانى ما زال حذراً فى تعامله مع الاحتجاجات حتى لا يكرر سيناريو عام 2009، عندما قمع المظاهرات واستنكر العالم ذلك، وهو ما بدا فى مشهد مقتل المناضلة «ندا سلطان» فى الشارع، التى تصدرت صورتها وسائل الإعلام العالمية، وانتقد «ناجى» التصريحات الأمريكية التى أيدت التظاهرات، لافتاً إلى أنها تؤيد ادعاءات النظام الإيرانى بأن التحركات الشعبية الحالية ممولة ومدفوعة من أمريكا وقوى خارجية، وكانت تصريحات الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بشأن الاحتجاجات بمثابة «هدية» للنظام الإيرانى، الذى ادعى أن مقتل بعض المحتجين فى الغرب الإيرانى كان على يد عملاء أمريكان.

«لم يلق بأوراقه الثقيلة بعد»، هكذا يحذّر «ناجى» من تصاعد المواجهات بين المحتجين والنظام الإيرانى، حال استمرارها خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا أقدم الحرس الثورى الإيرانى على قمع المتظاهرين، ما ينذر بوقوع حرب أهلية بين الميليشيات العسكرية الإيرانية والمعارضة إذا تسلحت.

وقال فيصل المجيدى، المحلل السياسى اليمنى، إن إيران تدفع ثمن محاولاتها إسقاط أنظمة عربية فى لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتعدت أهدافها التأثير على دول الخليج، ما أدى لاستنزاف مواردها المالية، التى تنفق بشكل كبير على منظمات مسلحة مثل حزب الله فى لبنان.

وأضاف «المجيدى» أن الاستنزاف المالى لإيران فى حروبها بالوكالة لم يأت بعائد على الاقتصاد الإيرانى، وفشلت محاولاتها لتحسين أوضاعها الاقتصادية من خلال استثمارات فى سوريا بعد سيطرة روسيا على المشهد، كما أنها فوجئت بالوضع فى العراق بأن حقول النفط تحت وصاية دولية.


مواضيع متعلقة