سامية خضر: نحتاج إلى «كرباج» علشان كله يمشى عِدل.. والتحول السلبى بدأ مع «انفتاح السبعينات»
سامية خضر
الأسرة هى الحلقة الأهم داخل أى مجتمع، إلا أن الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، المتخصصة فى العلاقات الأسرية، قالت إن الأسرة المصرية تراجع دورها إلى حد كبير، ولم تعد تقوم بوظيفتها الأساسية، ووصفتها بأنها «نقطة الضعف الأكبر» فى المجتمع، وأضافت فى حوارها لـ«الوطن» ضمن سلسلة حوارات تتناول التغييرات التى طرأت على المجتمع، أن التحول الكبير حدث فى حياة المصريين منذ أواخر السبعينات مع الانفتاح الاقتصادى الذى حول المجتمع إلى «سوق استهلاكى كبير» .. وإلى نص الحوار.
خبيرة العلاقات الأسرية: الأسرة المصرية أصبحت «أكبر نقطة ضعف»
فى رأيك، ما نقاط الضعف التى أصبح يعانى منها المجتمع؟
- أكبر نقطة ضعف حالياً فى مجتمعنا هى الأسرة المصرية التى تراجع دورها إلى حد كبير.
وكيف تراجع دور الأسرة المصرية؟
- لأنها لم تعد تهتم كما كانت من قبل بالتربية والتعليم، قبل عقود كانت هذه هى الوظيفة الأساسية للأسرة، وللأم على وجه التحديد، تربية وتعليم جيل جديد من الأطفال وبالتالى عندما يكبر هذا الجيل تكون لديه قواعد وأساسيات هى أرضية مشتركة للمجتمع كله تحقق لُحمته وتتابع أجياله، لكن هذه الميزة لم تعد موجودة الآن، وترتب عليه حالة تفكك أسرى وعدم وجود ترابط بين الأجيال.
ولماذا لم تعد الأم أو الأسرة ككل تقوم بهذا الدور على النحو الأمثل؟
- لأسباب عديدة، أولها هو اهتمام الأمهات بالحياة العامة على حساب الأسرة، وبرغم تشجيعى لتعليم وعمل المرأة بلا شك، لكن يجب على كل أم أن تفهم وتعلم أن دورها الأساسى أو مهمتها الأولى هى الأبناء فى حالة إقدامها على خطوة الإنجاب، تربية الأبناء هى الواجب الأول فى حياة الأم، لكن للأسف العديد من الأمهات حالياً ينجبن ثم يتركن أبناءهن للحضانة أو المربية أو الجدة، فيما يخرجن هن إلى سوق العمل، والأب بطبيعة الحال فى عمله أو مسافر فى بعض الأحيان، فيصبح الأبناء بلا أسرة حقيقية مترابطة. العيال مش بيلاقوا حد يربيهم، هذه حقيقة وليست مزحة، فلما بيكبروا بنشوف اللى احنا شايفينه دلوقتى من تشوه نفسى وتربوى لبعض الأجيال الحديثة بكل أسف.
هل يمكن أن نقول إن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة هى التى خلقت هذه الحالة؟
- أؤكد لك من جديد أننا نحن الذين نصنع هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية، ونزيد الضغوطات على أنفسنا، ثم نشتكى، إحنا اللى بنقول لازم الشبكة ولازم المهر ولازم الشقة تكون إيه وإزاى ومستواها قد إيه، تحولنا إلى مجتمع ضاغط، ونضغط بعضنا بعضاً.
الأم لم تعد تقوم بواجبها الأساسى المتمثل فى تربية الأطفال.. ووصلنا إلى مرحلة «العيال مش لاقيين حد يربيهم»
وهل هذا الأمر غريب على المجتمع المصرى؟
- بالطبع غريب، كنا دائماً نمتاز بأننا مجتمع يهون على بعضه البعض، بدلاً من ممارسة مزيد من الضغوط الحياتية، وإذا عدنا للتاريخ القريب سنجد أننا شاركنا فى 5 حروب من 48 إلى 73 مروراً بـ56 و67 وحرب الاستنزاف، وهذه الفترات كانت صعبة اقتصادياً جداً، ومع ذلك كنا نتكاتف ونتحامل وبنمد رجلينا على قد لحافنا، دلوقتى بنمد رجلينا أكتر بكتير من لحافنا.
متى حدث هذا التغيير تحديداً؟
- من دراستى وتخصصى أستطيع القول إن هذا التغير السلبى الكبير بدأ تحديداً مع الانفتاح أواخر السبعينات، خاصة بعد عودة العاملين الذين سافروا إلى دول الخليج وعادوا من هناك بثقافة استهلاكية جديدة على الأسرة المصرية، وأصبحت رفاهيات مثل المروحة والتليفزيون والغسالة ثم السيارة ثم التكييف ثم الهواتف المحمولة جزءاً أساسياً فى الحياة، وليست مجرد كماليات أو رفاهيات، بل توغلنا فى الاستهلاكية وأصبحنا نتابع ونتسابق على الموديلات الأحدث من الأجهزة المختلفة.
هل التحول لمجتمع استهلاكى أثر سلباً على طبيعة الأسرة؟
- طبعاً أثر بالسلب جداً، ولم تعد الأسرة المصرية مؤسسة قوية كما كانت فى الماضى، بل معرضة للتفكك فى أى لحظة، وهذا هو ما يفسر النسب الكبيرة فى حالات الطلاق لدينا، لأننا عقّدنا كل حاجة وجعلنا الماديات هى الجانب الأهم فى الزواج وبناء الأسرة، وليست الدعائم المصرية الأصيلة.
ما الدعائم المصرية الأصيلة؟
- التكاتف، التحمل، الإخلاص.
وهل تراجعت هذه المعانى؟
- نعم تراجعت، بسبب هذا التحول الذى تحدثنا عنه، وللأسف أصبحنا ننظر بشكل فيه طمع ولا أريد أن أقول فجع لكل ما هو مادى على حساب المبادئ التى تحمى صلابة المجتمع ووحدته الأساسية التى تتمثل فى الأسرة.
هل مسألة الكثافة السكانية أثرت أيضاً بصورة سلبية فى المجتمع؟
- بالفعل، هذا الزحام الأسرى والمجتمعى أثر سلبياً بلا شك، خاصة مع حالة التوغل فى المادية والاستهلاك، وبالتالى تزداد الضغوطات الحياتية ومعها تزداد الأمراض والظواهر النفسية السلبية من تشاؤم وذاتية وعدم مراعاة الغير والرغبة فى الخلاص سواء بطلاق أحياناً أو سفر أو هجرة أو الشروع فى أعمال منافية للقانون، وبالتالى تزداد الجريمة.
هل نعانى حالياً من خلل فى منظومة القيم والسلوكيات العامة؟
- نعم، بكل أسف، وهذا يدخل ضمن مجمل التغييرات السلبية والتشوهات التى طالت المجتمع، المجتمع المصرى تعرض لزلزال سلوكى وأخلاقى أثر عليه سلباً، وهذا الزلزال كان فى صورة موجات متتابعة.
وكيف نعالج المجتمع من هذا الخلل؟
- المعالجة على مستويين، الأول أنه لا بد من إعادة وضع قواعد جديدة، وتفعيل الرقابة والقانون. فمن يخطئ يخضع لعقوبة رادعة، نحتاج إلى كرباج صارم يعاقب كل من يخطئ وبالتالى يردع الجميع عن الخروج على القواعد العامة والقوانين وكله يمشى عِدل.
المستوى الثانى هو التربية، لكى نخرج أجيالاً جديدة لا تكون فى حاجة للكرباج أى العقوبة الرادعة، ولكنها نشأت وكبرت وتعلمت وتربت على مفاهيم وقواعد وقيم تحترمها وتلتزم بها، وهنا نعود إلى دور الأسرة، ومن ثم نعود إلى مؤسسة الزواج التى تحتاج إلى تغيير مفاهيم قبل تغيير القوانين والتشريعات.