بعد «القدس».. الأسوأ قادم

إذا مرّر العرب قرار «ترامب» باعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، واتخاذ إجراءات نقل السفارة الأمريكية إليها، فعليهم انتظار ما هو أدهى وأمرّ. من السذاجة أن تصدّق ما يردده حكام العرب من أن القرار الأحمق سوف يؤدى إلى نسف عملية السلام وتوقف أية مفاوضات مستقبلية فى هذا السياق. هذا الكلام يضحك به الحكام على الشعوب، لأن الاعتراف الأمريكى بالقدس كعاصمة لإسرائيل خطوة من خطوات مخطط السلام الذى استقرت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وفصّلته على «مقاس إسرائيل». كثير من الحكام العرب يعلمون ذلك، ولا أريد أن أشتط فى القول، وأقول لك إنهم يشاركون فيه.

سرقة «القدس الشرقية» من فلسطين خطوة أولى فى مسلسل «سرقة الأرض»، وهو النهج الذى تأسست عليه الدولة العبرية، وسوف تعقبه لعبة إمساك السكين وتقطيع أوصال وأراضى الدول المجاورة لإسرائيل، لتحل المشكلة الفلسطينية بعيداً عن مطامع إسرائيل والخريطة التى رسمتها لدولتها الاستيطانية المغتصبة. من العبث أن ننظر إلى خطوة إعلان القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بعيداً عن مخططات «صفقة القرن». الأمريكان والصهاينة يرون أن العرب سيرغون ويزبدون لبعض الوقت ثم يتقبلون الأمر الواقع، ومن يرضى بالتفريط الكامل فى القدس سوف يرضى بتقطيع الأراضى فى غيرها.

اعلم أن فى يد الحكام العرب الكثير من الأوراق للرد على (الأمريكي/ الصهيونى). كل الدول العربية والإسلامية ترتبط بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية مع الولايات المتحدة، وبعضها له علاقات مماثلة مع الدولة العبرية، لديهم البترول، ولا يزال هذا السائل الأسود أداة يمكن اللعب بها مع الأمريكان والدول الداعمة للقرار الأمريكى، لديهم أيضاً مليارات الدولارات التى يسيل عليها اللعاب الأمريكى والإسرائيلى. فى يد الحكام العرب أوراق كثيرة للضغط، لكن الجميع يتوقع أن استخدام أى منها غير وارد بالمرة، لأن هؤلاء الحكام لا يهمهم وضع الولايات المتحدة وإسرائيل عند حدهما، قدر ما يحركهم حماية كراسى الحكم التى يجلسون عليها، وذلك ما يضعف موقفهم أمام «ترامب ونتنياهو». ولو أنهم علموا أن استمرارهم أو وصولهم إلى كراسى الحكم مرهون برضاء الشعوب لأدّوا على غير هذا الشكل، لكن الشعوب العربية قيمتها صفر فى معادلات الحكم فى المنطقة. والقرار الأحمق الذى اتخذه «ترامب» يؤكد أنه يتفق مع الحكام العرب فى تقييم هذه الشعوب.

الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطينى، فى حالة اختبار حقيقى. إذا مر هذا القرار دون رد فعل حقيقى منها فعليها أن تنتظر الأسوأ. وأعنى برد الفعل إجراءات تؤدى إلى إجبار الحكومات العربية على التحرك الحقيقى لإرغام «ترامب» على التراجع عن هذا القرار. وإياك أن تتصور أن إرغام «ترامب» على التراجع يدخل فى عداد المستحيلات. إنه ليس إلهاً على الأرض، وأمريكا ليست سماء الدنيا التى تقرر على الأرض ما تشاء، وتفرض إرادتها على أهلها. الشعوب وحدها هى القادرة على فرض ما تريد، لأن إرادة الشعوب -كما كان يردد الإمام محمد عبده- من إرادة الله. إرادة الشعوب، وليس إرادة الحكام. الكرة الآن فى ملعب الشعوب، وإذا كان «ترامب ونتنياهو» قد تجاوزا كل الخطوط الحمراء، فقد أصبحت كل السيناريوهات مفتوحة أمام الشعوب لتضعهما عند حدهما.