بالصور| قصة الحاخام اليهودي الذي رفض مغادرة مصر وانتقد "الصهيونية"

كتب: أحمد تيمور

بالصور| قصة الحاخام اليهودي الذي رفض مغادرة مصر وانتقد "الصهيونية"

بالصور| قصة الحاخام اليهودي الذي رفض مغادرة مصر وانتقد "الصهيونية"

فى 21 من ديسمبر 1965، أصدر حايم نحوم الحاخام الأكبر لليهود فى مصر بيانا يندد فيه بالعدوان الثلاثى على مصر، ونشرته جريدة الأهرام، جاء فيه:

"إننا نود مرة أخرى أن نشارك مواطنينا فى استنكار الاعتداء البريطانى الفرنسى الإسرائيلى الغاشم على وطننا العزيز مصر، وإننا نرفع إلى المولى عز وجل أحر الدعوات لمجد مصر ورفاهيتها وسعادة أبنائها جميعا.

وتابع "أن اليهود المصريين جزء لا يتجزأ من الأمة المصرية، وهم يتمتعون بكل ما يتمتع به المواطن المصرى الصالح، وعلى ذلك، فليس لأى دولة أجنبية، سواء أكانت هذه الدولة هى إسرائيل أم غيرها، أى صفة للتحدث باسمهم، إذ أن اليهود المصريين هم مصريون أولا، وهم يشاركون مواطنيهم جميعا فى شعورهم الوطنى النبيل".

كان هذا الحاخام شخصية محبوبة ومحترمة فى مختلِفِ الأوساط السياسية والثقافية والشعبية، وعندما أعلِن قيام ما يعرف بـ"إسرائيل"، رفض الهجرة إليها، وكان رأيه أن الذين هاجروا من مصر هم اليهود الأجانب، أما اليهود المصريون فليسوا مطالبين بالهجرة، ولا معنى للهجرة بالنسبة لهم.

وكان يقول فى أحاديثه الصحفية المختلفة فى مصر وخارجها، إن "الصهيونية شيء واليهودية شيء آخر؛ فالصهيونية حركة سياسية تحرض على الهجرة إلى إسرائيل، أما اليهودية فهى دين كأى دين آخر، والدين لله والولاء للوطن".

ولد حاييم ناحوم أفندى (1873-1960) فى تركيا ببلدة صغيرة قرب أزمير، ودرس فى إسطنبول وفى باريس بجامعة السوربون، ثم ذهب إلى إثيوبيا فى عام 1908 ليقدم تقريرا عن اليهود الفلاشا.

اختاروه فى عام 1922 لمنصب الحاخام الأكبر فى تركيا، وهو المنصب الذى شغله لمدة 12 عاما، كما شغل منصب مستشار لرئيس الوزراء التركى عصمت باشا وزير (عصمت اينونو) فى مؤتمر فى لوزان.

وقال إنه دعى إلى القاهرة فى عام 1925 وعين الحاخام الأكبر لمصر والسودان فى 2 مارس 1925.

حصل على الجنسية المصرية فى عام 1929، وعين فى مجلس الشيوخ المصرى كما تم تم تعيينه عضوا فى مجمع اللغة العربية بمرسوم ملكى آخر فى 13 ديسمبر 1932.

عرف حايم نحوم كشخصية محبوبة ومحترمة فى الأوساط السياسية والثقافية لمواقفه الوطنية وتحفظه تجاه الصهيونية وهجرة اليهود المصريين إلى إسرائيل آنذاك.

كان حاييم ناحوم صاحب دراسات ومؤلفات كثيرة باللغة العربية، منها (حارة اليهود وأخلاق سكانها ومحفوظاتها)، ومنها دراسة عن اليهود المصريين واليهود المغاربة.

وقد قام بكتابة تعليقات ومقدمات ومراجعات لكثير من الدراسات التى أعدَّها غيره من الباحثين تحت إشرافه عن موضوعات عديدة متنوعة، منها؛ تاريخ الأطباء اليهود والعرب، والعلاقات بين العبريين والعرب، والأصول العامة للحروف الهجائية، وبحث مقارن بين اللغتين العربية والعبرية، وتاريخ يُوسُف الصديق كما ورد فى الآثار العربية.

 

وكان حاييم ناحوم حريصًا على لقب "أفندي" الملحق باسمه، والأفندى لقب تركى يعنى السَّيد، وكان حرص ناحوم على لقب أفندى نوعًا من الوفاء لذكريات صباه وشبابه فى تركيا.

وتروى وثائق "الجنيزة" اليهودية الجدلية التى وردت فى حوار مثير وتاريخى بين المليونير اليهودى ألبرت موصيرى والحاخام الأكبر للطائفة اليهودية فى مصر حاييم ناحوم أفندى الذى كان عضوا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، عندما وجه موصيرى سؤالا لناحوم قائلا «كيف يمكن للإنسان أن يكون مواطنا مخلصا لبلد مولده فى حين يكون مواليا للوطن القومى اليهودي؟» ولم يرد ناحوم بشيء ربما بماعرف عنه من دهاء وسياسة تجعله فى حرج لارتباطه بصداقة مع عدد كبير من الشخصيات السياسية المصرية وصلت إلى الملك فاروق والرئيس محمد نجيب.

وهناك العديد من الصور الشهيرة لهذا الحاخام وطرائف ومساجلات أدبية تجمع الحاخام بشيوخ أدباء ذلك العصر بل ان الدولة المصرية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عالجت الحاخام ناحوم على نفقتها الخاصة وكان يصدر مجلة باسم «الكليم» يكتب فيها مقالات عن التعددية الدينية وتسامح مصر بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل أنورالسادات وحسين الشافعى وكمال الدين حسين.

كتب عنه الأديب توفيق الحكيم قائلا:

"إن فى حياتنا المصرية المعاصرة حادثة تدل على أننا لم نجعل بين الأديان فواصل أو حواجز، فقد كان ضمن أعضاء المجمع اللغوى الذى يتحمل مسئولية الحفاظ على اللغة العربية عضو ربما يبدو غريبا، هو الحاخام الأكبر لليهود فى مصر حايم نحوم أفندي، وهو معروف بعلمه الغزير فى أصول اللغة العربية".

عندما تُوفِى حاييم ناحوم أفندى سنة 1960، عقد المَجْمَعُ اللُّغَويُّ جلسة لتأبينه، وكان الذى اختاره المَجْمَعُ من بين أعضائه للحديث عن العضو الراحل هو الأديب الكبير عباس محمود العقاد، وقد ألقى العقاد كلمةً بديعةً فى وداع زميله اليهودي.

ومما جاء فى كلمة العقاد: "لقد كان حاييم ناحوم حاخام الطائفة اليهودية، وكان نموذجًا لأتباعه الذين تعلموا على يديه أن انتماءهم إلى اليهودية لا يعنى الانتماء إلى إسرائيل والصِّهْيَوْنِيَّة…إنَّ الزميل الراحل قد صَحِبَ مَجْمَعَ اللغة العربية بهذا العلم وهذا الخلق منذ بدأ المَجْمَعُ حياته، وكان قدوةً فى أدب الزمالة، وحقِّ العلم، وديدن المثابرة. ولم ينقطع عن المشاركة فى الجلسات وهو قادرٌ على مبارحة داره وأداء عمله، وقد كان مجبولا منذ نعومةِ أظفاره على حبِّ المعرفة والعلم والاطلاع".


مواضيع متعلقة