أزمة المرشد مع مكتب الإرشاد (٣)

د. محمد حبيب

د. محمد حبيب

كاتب صحفي

(١) ذكرنا فى المقال الفائت، أن المرشد «عاكف» -غفر الله لنا وله- أصابه الذهول عندما حكيت له أن الجماعة بكافة مؤسساتها تدار من الخلف وأنه لا يدرى عما يجرى شيئاً، وصارحته بأنه كان السبب فى ذلك، فقد قام بتسليمها إلى صهره الدكتور محمود عزت «تسليم مفتاح».. لقد «غاب القط فلعبت الفئران».. بل إن القط لم يترك قططاً أخرى تقوم بدورها فى تصويب وتصحيح الأوضاع ووقف حائلاً ومانعاً دون ذلك بشكل مثير للريبة والشك والقلق.. الأخطر من هذا أنه لم يكن يثق فى أحد سوى صهره الذى أعطاه صك التصرف وإدارة الأمور وفق رؤيته وهواه، وقد رأينا كيف أنه استلب سلطة مكتب الإرشاد، وتواصل مع مؤسسات الجماعة؛ سواء بنفسه أو عبر الأمناء المساعدين له لينقل إليها معلومات لم يتفق عليها مكتب الإرشاد(!!!).. لقد كان المرشد ينأى بنفسه عن أى مشكلة تقوم بين أى عضو وآخر، حتى وإن كانت أثناء جلسة مكتب الإرشاد.. كان يتسلل من الجلسة ولا يعود إليها إلا بعد تصفية المشكلة والانتهاء منها.. وقد عتبت عليه هذا التصرف غير المسئول، حيث يقتضى دوره كمرشد أن يعالج أى نزاع ينشأ بين الأعضاء وأن يقوم بتصفية الأجواء بينهم، فضلاً عن واجب إشاعة الألفة والمحبة بين قلوبهم.

(٢) أفاق المرشد من حالة الذهول التى اكتنفته، وتساءل: وما العمل الآن؟ قلت: ما يهمنا هو إنقاذ الجماعة من التدهور والانهيار الذى وصلت إليه.. إن أفراد الصف الآن فقدوا أى قدرة على القيام بالدعوة، وأصبح جسم الجماعة متكلساً؛ حيث أصابته شيخوخة قبل الأوان.. وهناك تراجع فى منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية، والهمس الذى كان يحدث فى الماضى تحول الآن إلى لغط يسرى فى جسد الجماعة كما النار فى الهشيم.. قال المرشد: سوف أكتب لك رسالة تصلك بإذن الله يوم السبت ١٧ أكتوبر ٢٠٠٩، بالقيام بعمل المرشد فى الفترة الباقية.. وهى عموماً شهران ونصف تقريباً.. والحمد لله أنى أخذت هذا القرار بعدم الترشح لولاية ثانية.. وبالتالى سوف يكون الأمر طبيعياً، فالذين يخرجون إلى المعاش فى الحكومة لهم أن يستريحوا قبلها بشهرين أو ثلاثة.. قلت: أرجو ألا تفعل، فذلك أمر له عواقبه.. قال: أنا مصر على رأيى.. قلت: عندى حل، وهو أن تذهب غداً صباحاً إن شاء الله إلى المهندس حلمى عبدالمجيد وتناقش معه الأمر برمته، والذى تتفقان عليه سيكون فيه الخير، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال.. ثم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

(٣) فى العودة من المزرعة، كان المرشد «عاكف» يفكر بانفعال وغيظ شديدين، وإذا به فجأة يسألنى: هل من الممكن أن نقيل الأمناء المساعدين للدكتور محمود عزت؟! وجدت السؤال غريباً وعجيباً، فقلت: المسألة أكبر وأبعد من ذلك، وتحتاج إلى تفكير هادئ وعميق ولا داعى لاتخاذ إجراء متسرع وغير مدروس.. هؤلاء المساعدون ما هم إلا مجرد همزة وصل بين «عزت» ومؤسسات الجماعة، وإذا جاء الأخير بغيرهم، فسوف يقومون بنفس العمل.. ثم إن ما حدث من تشويه وتخريب فى الجماعة جرى على مدى سنوات طويلة، ومن غير الممكن إحداث إصلاح بدرجة معقولة فى خطوة واحدة، وبهذا الشكل.. دعنا نفكر فى خطة عمل، لها بدايتها ومسارها ووجهتها ومراحلها ووسائلها وأدواتها، والوقت الذى تستلزمه، وهكذا.. وافترقنا.

(٤) فى صبيحة الأربعاء ١٤ أكتوبر ٢٠٠٩، قمت برئاسة جلسة مكتب الإرشاد، وأخبرتهم بما يلى: أولاً: إصرار المرشد على تصعيد الدكتور عصام العريان إلى مكتب الإرشاد، وفى حالة إصرارهم على الرفض، فسوف يبعث برسالة يوم السبت ١٧ أكتوبر إلى كاتب هذه السطور، بصفته النائب الأول، للقيام بمهام المرشد خلال الفترة المقبلة، وأنه لن يحضر إلى المكتب مرة أخرى، وثانياً: ذهاب المرشد إلى المهندس حلمى عبدالمجيد للتشاور معه.. إزاء ذلك كرر أعضاء مكتب الإرشاد ثباتهم على موقفهم الرافض لتصعيد الدكتور «العريان» إلى عضوية المكتب، مع ضرورة متابعة ما تسفر عنه زيارة المرشد للمهندس «عبدالمجيد».

(٥) كان من المفترض أن أتصل بالمهندس حلمى عبدالمجيد يوم الأربعاء، لكنى تمكنت من الاتصال به صبيحة يوم الخميس ١٥ أكتوبر.. جاء صوته عبر الهاتف مرحباً متهللاً كعادته.. قلت: أريد أن آتى إليك.. قال الرجل الذى تخطى الثانية والتسعين: لا.. لا.. أنا الذى آتيك ولو حبواً.. فقط قل لى متى وأين؟ قلت: لقد زارك البارحة المرشد «عاكف»، فقال (مقاطعاً): نعم.. ثم أردف قائلاً: ألم يمر عليك؟ قلت: لا.. قال: لقد حكى لى المرشد عما فعله الأخوة معك من تصرفات صغيرة.. وعموماً نحن اتفقنا على أن تحمل أنت العبء كله، وسيكون المرشد قريباً منك لتذليل أى عقبة تعترض طريقك، بحكم المشروعية.. قلت: سوف أتصل به لمعرفة التفاصيل، وإن وجدت شيئاً يحتاج لأخذ رأيك، فسوف آتيك.. قال اتصل بى وأنا أحضر إليك فوراً.. لكن للأسف، لم أستطع لمرضى أن أتصل بالمرشد «عاكف» يومى الخميس والجمعة.. وفى صبيحة السبت ١٧ أكتوبر، تغيب المرشد، فلم يحضر إلى دار المركز العام، وقمت برئاسة هيئة المكتب وأخبرتهم بما كان.. ولم يبعث الرجل بالرسالة التى كان قد وعد بإرسالها، كما أنه لم يتصل بى منذ زيارته للمهندس حلمى عبدالمجيد.

(٦) وفى يوم الأحد ١٨ أكتوبر، حضر المرشد إلى دار المركز العام ودلف إلى غرفة الاجتماعات مباشرة بعد أن أحضر معه الشاب عبدالجليل الشرنوبى، رئيس تحرير موقع «إخوان أون لاين» بحاسوبه كى يكتب ما يمليه عليه.. كان ضمن الحاضرين: النائب الأول للمرشد، د. محمود عزت، د. محمد بديع، د. محمد مرسى، سعد لاشين، عبدالرحمن البر، محمد رحمى، محمد عبدالقدوس، أشرف بدر الدين، حجازى إبراهيم، جمال نصار، جمال ماضى، وآخرون.. وكان واضحاً أنه قام بنفسه -أو كلف آخر- بالاتصال ببعض هؤلاء للحضور، حيث لم يكن معتاداً وجودهم فى دار المركز العام فى مثل هذا اليوم.. ألقى المرشد كلمته المفاجئة فى الحاضرين، وافتتحها بعبارة «سعياً للوفاء بما قطعت».. رسالة من: محمد مهدى عاكف، المرشد العام للإخوان.. فماذا تضمنت الرسالة؟ هذا ما سوف نذكره فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.