آدم من طين.. جولة المنسى قنديل فى واقعنا الاجتماعى والسياسى
- أبطال حرب أكتوبر
- أسرة فقيرة
- أعمال مشبوهة
- أمن دولة
- الثورة الإسلامية
- السلطات العراقية
- القصة القصيرة
- القوات العراقية
- المرحلة الثانوية
- آثار
- المنسي قنديل
- أبطال حرب أكتوبر
- أسرة فقيرة
- أعمال مشبوهة
- أمن دولة
- الثورة الإسلامية
- السلطات العراقية
- القصة القصيرة
- القوات العراقية
- المرحلة الثانوية
- آثار
- المنسي قنديل
كانت ولا زالت فترة السبعينيات من القرن الماضى فترة محيرة للمفكرين والكتاب؛ فقد أصيب العالم بخلل ما لكنه أدرك أنه على أعتاب فترة جديدة لابد من استغلالها، وبالفعل بدأت المجتمعات تتغير اجتماعيا وسياسيا للأفضل بتجنبهم لأخطاء الماضى، إلا واقعنا العربى بصفة عامة؛ فظل يعانى الحروب والنزاعات السياسية، وعن مصر بصفة خاصة؛ أخذ واقعها المجتمعى فى التراجع أخلاقيا وماديا بشكل ملحوظ ومازلنا نعانى آثار تلك الفترة حتى الآن.
يتحدث ويناقش بعض هذه التغيرات الكاتب «محمد المنسى فنديل» فى مجموعة قصص صدرت منفصلة ما بين عام 1970 وحتى عام 1989، حتى قرر الكاتب إعادة كتابة وإصدار تلك المجموعة المكونة من خمسة قصص وروايتين قصيرتين فى كتاب واحد بعنوان «آدم من طين»، الصادر عن دار الشروق عام 2016.
تبدأ المجموعة بـ «احتضار قط عجوز»، وهى رواية قصيرة تدور أحداثها حول يوميات «عبدالتواب»، رجل يسكن منزل قديم بعد زواج ابنته الوحيدة ووفاة زوجته وبلوغه سن المعاش؛ ليصبح فريسة للوحدة ومراهقة ذلك العمر الذى تتقد فيه الروح بالمغامرة وتتراجع صحة الجسد فى عناد ليعانى تمزق الروح الأشد والأصعب، حتى يلتقى فتاة تصغره بسنوات فى علاقة غير سوية لا يعلم أى منهما نهايتها أو الهدف منها.
«دولت» فتاة فى المرحلة الثانوية تنتمى إلى أسرة فقيرة لا تمتلك أى حقوق آدمية فى الحياة، جاء بها الكاتب ليدخل بنا من خلالها إلى حياة العشوائيات التى تحولت بتجاهل الحكومات والمجتمع إلى عالم منفصل مجرد التفكير فى دخوله محاولة غير آمنة.
كما يرصد لنا الكاتب من خلال سلوك الفتاة؛ كيف يتم استغلال الفتيات صغيرات السن فى أعمال مشبوهة ومخلة بالشرف؛ لإرضاء أصحاب المال والنفوذ بالإضافة إلى تدهور أخلاقيات المجتمع التى بدأت من تدهور حال التعليم فى تلك الفترة كما أشار الكاتب من خلال الأحداث.
تستمر العلاقة بين «عبدالتواب» و«دولت»، حتى يقرر مساعدتها للخروج من عالمها المظلم ولكنه يلقى نهاية مأساوية، تلك النهاية التى تليق بمحاولات الحكومات التى تأتى متأخرة دائما بعد أن تحول المجتمع بكل قدراته إلى عجوز لا يملك من أمره شيئا سوى انتظار الموت فى هدوء.
ثم ينتقل بنا الكاتب إلى «عصر الحديد الخردة» وهى قصة قصيرة تتحدث عن أحد أبطال حرب أكتوبر «عليوه» الذى حوله المجتمع إلى مجرد ضحية، حتى إصابته فى الحرب التى تسببت فى إعاقته تحولت إلى دافع للضحك والسخرية منه؛ فيعبر من خلاله الكاتب عن معاناة الأبطال حين يتحولون إلى ضحايا للنسيان والجحود.
يعمل «عليوه» لدى أحد تجار الخردة المهربون الذين يتفننون فى تحويل كل شئ ذات قيمة إلى سلعة، ويتجرأون على كل شئ، فلا يشغلهم شاغل سوى إتمام صفقاتهم التى يعلمها البطل دون أى قدرة على الاعتراض، حتى جاء ذلك اليوم الذى عقدت فيه صفقة لبيع دبابة من مخلفات الحرب التى شارك فيها «عليوه»، وأثناء عملية التفاوض يكتشف أحد رجال التاجر وجود جسمان جندى شهيد داخل الدبابة فى مفاجأة أسكتت جميع الحاضرين فهم فى حضرة أشرف لحظات التاريخ.
يقف «عليوه» ضد إتمام الصفقة بإرادة قوية غيرت نظرة الحاضرين من الاستهانة به إلى الخوف والمهابة، وكأنه استعاد أمجاده فى لحظة؛ فهو فى حماية وحضرة بطل من أبطال الحرب حتى لو كان مجرد جسد فارقته الروح ولكن تظل قيمته برغم جحود كل جاهل بتضحيته، وتنتهى الأحداث بفشل الصفقة، ولكن «عليوه» ظل يتوعد التاجر وشركائه بالانتقام، فهم الأعداء الحقيقيين الأشد خطرا على الوطن، من يستبيحون كل شئ حتى التاريخ.
يأخذنا الكاتب فيما بعد إلى أصعب الفترات التى عاشها وطننا العربى فى 20 سبتمبر عام 1980 حين شنت القوات العراقية هجوما عسكريا على إيران مستغلة بذلك الفوضى التى خلفتها الثورة الإسلامية التى عرفت فيما بعد إعلاميا ب «ثورة الخمينى» ، تلك الحرب التى بحثت فى أسبابها كثيرا ولم أجد ما يبرر تهديد دولة لأمن دولة أخرى ويظل شعبي العراق وإيران يعانين ويلات الحرب لثمانى سنوات، شأنى فى ذلك شأن «فيصل»، بطل «قتيل ما فى مكان ما» القصة القصيرة التالية الذى رفض تنفيذ الأوامر العسكرية وأعتبرته القوات العراقية خائن لا يصح الأعتزاز به أو تشييع جثمانه فى جنازة عامة.
بالفعل أصدرت السلطات العراقية الأوامر بدفنه فى هدوء دون أى مظهر للحزن، الأمر الذى جعل الجميع من الأهل والجيران ينفض من حول عائلته ولا يشاركون فى مواراة جسده التراب، حتى الابن الوحيد الباقى لأسرة «فيصل» يتركهم فى نفس اللحظة ويذهب ليؤدى دور أخيه؛ ظنا منه أنه بذلك قد يخلص أسرته من عار الخيانة الذى خلفه «فيصل» حين رفض أن يشارك فى مزيد من عمليات القتل والخراب.
تنتهى القصة بالأب يقف وحيدا بجانب الصندوق الذى يحمل جسد ابنه وأمامه الابن الثانى يسرع للمشاركة فى الحرب والأهل والجيران يفرون من صحبته، حتى حرمة الموت وحق الميت فى أن يوارى جسده التراب لم تثنيهم عن قرارهم، فى مشهد عبر الكاتب من خلاله عن عقول تنفذ الأوامر فقط دون تفكير حتى لو كانت خاطئة وشعوب تكرر المآسى وهى أول متضرر منها، وبالفعل كررت العراق الاعتداء والحرب مع دولة الكويت فيما بعد، وكانت تلك بداية النهاية لشعب العراق الذى يمتلك جزء أصيل من حضارتنا ولكن ما فائدة تلك الحضارة إذا لم تحكم قرارات العقول والضمائر؟!
ثم يذهب بنا الكاتب إلى «آدم من طين» وهى رواية قصيرة تتناول تفاصيل حياة بدائية ظالمة يعيشها «آدم» فى قريته؛ فقد ولد مجهول الأب فى أحد حظائر أكبر عائلات القرية التى تمتلك السلطة وزمام الأمور؛ فيتحول بمرور الأيام إلى خادم لديهم لا يشعر بوجوده أحد، حتى أختصرت كل أحلامه فى أمنية واحدة؛ وهى أن يملك قطعة أرض يعمرها من جديد بحياة خاصة لا يتحكم بها أحد غيره.
تستيقظ القرية ذات يوم على اكتشاف «آدم» جزيرة فى وسط النهر، ويعلن أنها ملك له فهى اكتشافه وحده، فجأة تتحول أنظار القرية إليه كأنهم اكتشفوا وجوده مع الجزيرة ويبدأ فى تلقى العديد من العروض للتخلى عنها أو مشاركته فيها، تلك العروض التى تلقاها من كبار القرية وتجارها، إلى أن تركها فى النهاية بحيلة من أمرأة مجهولة الهوية لا تنتمى لشئ سوى أطماعها ومن يستطيع ان يحقق لها مصالحها.
تنتهى الرواية بتجرد «آدم» من حقه فى الجزيرة حين أستسلم لفكرة التفاوض تلك الفكرة التى أشار الكاتب من خلالها إلى أن؛ الأهم من أن تملك شئ ذات قيمة أن تملك القدرة والشجاعة للدفاع عنه وحمايته مهما واجهت من ضغوط ومصاعب، فحق الوجود والحياة لا يقبل أبدا التهاون فيه أو التفاوض عليه.
وبعد الانتهاء من قراءة محتوى الكتاب كاملا تأكدت أننا ندعى كذبا حين نتعرض لمحنة ما؛ أن التاريخ شخصى كان أو عام من حولنا يكرر نفسه، لا التاريخ يذهب ولا يتكرر بل نحن لا نجيد قراءته ولا نراجع أنفسنا بموضوعية فنكرر الأخطاء نفسها بل نأتى بالأسوأ منها.