القوة والحرية.. عن الزعيم الخالد أحمد عرابى باشا

(1)

قال الاحتلال البريطانى.. إنها «هوجة عرابى» وأن ما جرى مجرد «غاغة» فارغة.. وقال تيار الأحرار فى أوروبا.. إنَّها ثورة حضارية.. وهى تحمِل قيماً توازى قيم الثورة الفرنسية.. والثورة العرابية بمبادئها.. هى ثورة عالمية.. كما أن الثورة الفرنسية هى ثورة عالمية.

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» حاول أن يبدو قائداً قوياً.. لكنّه مجرد «فأر» يجب سحقه وإعدامه. وقال الأديب الأشهر فيكتور هوجو صاحب «البؤساء»: إن عرابى باشا يقود أمّة ويمتلك رسالة.. ومن العار على الحضارة الغربية أن تعدم زعيماً بهذا الوزن.

(2)

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» كان شخصاً فاشلاً، وأن ثورته كانت سبب وجودنا. وقال السفير الأمريكى فى القاهرة وقتها: إن بريطانيا تخطط لغزو مصر قبل (7) سنوات من الثورة العرابية، وأن الثورة لم تكن سبباً ولا أداة للاحتلال. وقال المؤرخون: إن بريطانيا احتلت معظم العالم.. ولم تغرب الشمس عن أراضيها، ولم تكن مصر استثناءً من ذلك.

وقال المؤرخون أيضاً: إن «عرابى» باشا أبلى بلاءً حسناً فى معارك الاستقلال والتحرير.. ولكنّه واجه عدداً من الخونة.. على رأسهم عميلان كبيران: السلطان العثمانى العميل، والخديو توفيق العميل.

(3)

قال الاحتلال البريطانى: إن أحمد عرابى خرج على الخديو من أجل المجد والشهرة.. وقال الوطنيون المصريون والمؤرخون غير البريطانيين: إن عرابى باشا خرج على الخديو من أجل الحرية والقوة.. فقد أراد تحجيم نفوذ الأجانب فى مصر، وأراد إعادة بناء الجيش المصرى.. ورفع عدد القوات المصرية إلى (18) ألف جندى.

(4)

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» كان جاهلاً بالعالم.. ويتصرف كشخص محلّى محدود المعرفة بالخارج. وقالت صحيفة «بوسطن ديلى جلوب» فى 9 يوليو 1882: إن عرابى باشا يدرك موازين القوى فى العالم.. وإنه حاول أن يستثمر المبادئ الأمريكية الجديدة لصالح بلاده.. وكان عنوان الصحيفة فى الصفحة الأولى فى ذلك العدد: «عرابى باشا يأمل فى دعم معنوى من أمريكا».. وذلك للضغط على إنجلترا من أجل التفاوض مع الحركة الوطنية المصرية.

(5)

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» بلا قوة سياسية ولا إطار تنظيمى.. وكل حركته مجرد أشخاص من العُصاة والمتمردين. وقال المؤرخون: إن أحمد عرابى أسس «الحزب الوطنى». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: إن «الحزب الوطنى» بزعامة عرابى باشا يتشكل من «طبقة متعلمة».. ويضم مسلمين وأقباطاً، وتجاراً وشيوخ قرى.. كما يضم ضباطاً من الجيش وأعضاء من البرلمان.. وعدداً من دارسى الأزهر وخريجى المدارس.

(6)

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» شخص منافق.. يعمل من أجل نفسه.. ولا يعرف مخاطر ما يفعل. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» فى 19 يوليو 1882 على لسان القنصل الأمريكى: «لقد جلست مع عرابى باشا كثيراً.. إنه رجل صادق وذكى، تلقى تعليماً رفيعاً.. يعرف كل شىء عن أمريكا.. تاريخها وصراعاتها.. ويعرف قدر المنصب الذى يعتليه».. إن السلطان العثمانى يقف مع الإنجليز ويقف عرابى ضد الاستعمار.. والخديو توفيق ليس فى ألمعيّة جده محمد على باشا، ولا ذكاء والده الخديو إسماعيل.. إن الخديو الذى ينحدر من سلالة «نابليون المصرى» -محمد على باشا- يعمل لصالح الغزاة بدلاً من طردهم.. ويعمل عرابى باشا على طرد الغزاة واستقلال بلاده.

(7)

قال الاحتلال البريطانى: إن «عرابى» كان غوغائياً.. لم يدرس أيّة تجربة للاستفادة منها، ولم يعمل طبقاً لأىّ نموذج.. مجرد هوجة حمقاء لا دراسة فيها. وقال المؤرخون: إن عرابى باشا درس تجارب عديدة.. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» فى 12 سبتمبر 1882.. عن مهندس إيطالى كان يعمل فى توصيل خطوط الهاتف إلى قصر الخديو: لقد التقيت عرابى باشا.. وسألنى عن أنظمة العمل فى الهاتف والكهرباء.. وتحدث معى فى تفاصيل دقيقة. ولمّا عرف أننى إيطالى.. سألنى عن الزعيم الإيطالى «غاريبالدى».. تحدث معى كأنه إيطالى.. يعرف جيداً تجربة «غاريبالدى» فى حرب الاستقلال.. ودوره الكبير كبطل التوحيد الإيطالى. (كان غاريبالدى نموذجاً فى إدارة الضعف.. ونجح عبر جيش من الثوار الذين لا يملكون القوة ولا التدريب الكافى.. ولا الدعم المالى.. فى الانتصار وتحقيق الحلم الإيطالى.. رحل فى يونيو 1882).

(8)

كان أحمد عرابى زعيماً أسطورياً.. وكانت الثورة العرابية ثورة مجيدة.. انهزم «عرابى» عسكرياً وانتصر حضارياً.. انهزمت الحركة وانتصرت الفكرة.. ولم يعد التاريخ يذكر قادة الاستعمار وأعوانه.. ولكنه لا يزال ينحنى أمام قامة عظيمة.. كانت على رأس ثورة مجيدة.. الزعيم الخالد أحمد عرابى والثورة العرابيّة الحضارية.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر