شعب متحرش بالفطرة

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

فى عام 2015، صدرت دراسة تقول إن «مصر أسوأ دولة عربية بالنسبة للمرأة، وذلك بسبب التحرش الجنسى وارتفاع معدلات ختان الإناث وزيادة العنف وصعود التيار الدينى بعد ثورات الربيع العربى، وكلها عوامل جعلت من مصر أسوأ مكان بالعالم العربى يمكن أن تعيش فيه المرأة»، طبقاً للدراسة التى أجرتها مؤسسة «تومسون رويترز»، واستعانت فيها بخبراء متخصصين فى مجال قضايا المرأة.

وذكرت الدراسة عدة أسباب لذلك، انتفض المجتمع آنذاك لرفضها، منها القوانين التى تميز بين الجنسين، وزيادة معدلات الاتجار بالنساء مما ساهم فى إنزال مصر إلى قاع قائمة تضم 22 دولة عربية!

وقالت زهرة رضوان، مسئولة برنامج الصندوق العالمى للمرأة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «هناك قرى بأكملها على مشارف القاهرة وفى أماكن أخرى يقوم معظم النشاط الاقتصادى فيها على الاتجار بالنساء وإكراههن على الزواج».. أما بيانات صندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، فأكدت أن ختان الإناث ظاهرة متفشية فى مصر، حيث تعرضت له 91 فى المائة من الفتيات والسيدات أى 27٫2 مليون أنثى.. وهى الظاهرة التى بدأت تتلاشى الآن.

وما بين عام 2015 وعام 2017 كانت أوضاع المرأة المصرية فى تدهور، أنا لا أتحدث هنا عن الوزيرات والمحافظة والمستشارة، لا أتحدث عن رعاية القيادة السياسية للمرأة وتكريمها وتمكينها، بل أتحدث عن المرأة فى الشارع، فى مجال العمل، فى وسائل الإعلام، فى فتاوى (نكاح المتوفاة، وإرضاع الكبير، ومفاخذة الطفلة، وإعطاء رخصة شرعية للتحرش بالنساء لأنهن سافرات)!!

أتحدث عن «جانا» التى لم تبلغ عامين وتم هتك عرضها نتيجة فتاوى «الهوس الجنسى»، عن الاغتصاب الزوجى بزعم أنه «واجب شرعى»، والدعوة إلى «تجارة الرقيق» وملك اليمين.. أتحدث عن جريمة «مسكوت عنها» تسمى «زنا المحارم».. ولا نسمع عنها إلا حين تتحول إلى جريمة تتداولها المحاكم!

أب (أو هكذا يسمونه) هتك عرض بناته الثلاث.. الأولى لم تبلغ 16 سنة، نزع عنها ملابسها وعاشرها معاشرة الأزواج، وكرر مواقعتها جنسياً مرات كثيرة على مدار سنوات مستغلاً صلته بها كأب ومهدداً لها بسلاح أبيض.. وكرر الجريمة نفسها بنفس الشذوذ والجنون وموات الضمير وغياب الوازع الدينى والأخلاقى مع ابنتيه الأخريين (12 عاماً، و18 عاماً).. وظل يضاجع بناته مثل كلب مسعور أو مصاص دماء فى الفترة من عام 2004 وحتى عام 2015، أما العقوبة التى حكمت بها المحكمة فهى السجن المؤبد!!

ولأنه لا يجوز التعليق على أحكام القضاء، فكان حرياً بالنيابة أن تترك هذا الحيوان الذى تجرد من الرجولة والشهامة والإنسانية.. ولا أقول مشاعر الأبوة.. فقط تتركه فى «ميدان التحرير».. ولأننا «شعب متدين بالفطرة» كنا سنتولى إقامة «الحد» عليه فيرجم بالأحذية قبل الحجارة حتى الموت، لأنه ارتكب جرائم «هتك عرض واغتصاب» من «مؤتمن»؛ مما يستوجب مضاعفة العقوبة.

فهل تصدق أننا «شعب متدين بالفطرة»؟.. لقد أصبحت هذه مقولة ساخرة بالنسبة لى.. نحن «شعب متحرش بالفطرة»، وفى أحدث استبيان دولى شمل 19 مدينة كبرى يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين شخص، حول استخدام النساء للمواصلات العامة، احتلت القاهرة المركز الأول بصفتها «الأكثر خطورة» بالنسبة للنساء.

وقد اعتمد الاستبيان على آراء خبراء فى شئون المرأة، أجابوا عن أسئلة تتعلق بمدى الحماية الموفرة للنساء من أن يقعن ضحايا للعنف الجنسى.

وربما لا يعرف الخبراء الأجانب أن «العنف الجنسى» فى مصر مشرعن وممنهج، وأن لدينا فقهاء لا يكتفون بمعاشرة المسلم لزوجته القبطية كالمغتصبة بل يبررون ما جاء فى كتب التراث عن «معاشرة البهائم»!

لا يعرف الأجانب أن لدينا بعض العمائم تصادر وجود المرأة وتنفيها من الأساس، لتبرر التحرش وضرب النساء وهتك أعراض صبايا الأقباط، باجتزاء آية من القرآن أو توظيف حديث ضعيف فى غير موضعه بنفس منهج شيخ القرية فى فيلم «الزوجة الثانية»، الذى نزع الآية الكريمة: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (59 سورة النساء).. ليزوج امرأة متزوجة بآخر!

أما الدولة فترجع إلى الخلف أمام ضربات التيار السلفى وخفافيش الظلام، فالقانون غائب والدولة الدينية هى التى تحكم بكل شذوذها الفكرى.. حتى أصبحت المرأة إما مغتصبة أو مُتحرشاً بها أو خاضعة للابتزاز الجنسى.. أو هى نفسها «رشوة جنسية» تمنح جسدها مقابل منصب أو منفعة أو مال.. وكل هذه مظاهر متنوعة لدعارة مقنعة تُستحدَث لها مبررات فقهية وتسكن تحت جلد المجتمع.

إنه المجتمع المحافظ الذى يتغنى بالفضيلة والأخلاق ويطنطن دائماً أنشودته الكاذبة: نحن «شعب متدين بالفطرة»!