صدمة «الشواذ»

يمكن وصفه بـ«الصدمة» ذلك الشعور الذى أصاب المجتمع المصرى عندما سمع أخبار الحفل الذى نظمه مجموعة من «الشبان» الشواذ، وشهد ممارسات غريبة على المصريين، مؤكد أن الناس تسمع منذ فترة طويلة عن الشواذ، والنماذج المعبّرة عنهم كانت حاضرة فى بعض الأعمال السينمائية. الإعلام انشغل بالمسألة، وقدّم للمصريين نماذج من الشباب الذى أراد الشذوذ عن الطبيعة البشرية. ومن الناحية القانونية كلّف النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق، نيابة أمن الدولة العليا، بمباشرة التحقيقات فى واقعة الاحتفال الذى أقامه مجموعة من المثليين بالتجمع الخامس فى القاهرة الجديدة.

منطقة التجمّع الخامس التى شهدت الواقعة من المناطق الحديثة عمرانياً، تمتاز بفيلاتها وقصورها وتنوعها العمرانى، ويسكنها أسر تمثل الشريحة العليا من الطبقة الوسطى، وتمثل فى أحوال الطبقة المخملية الأعلى. مثلت هذه المنطقة خلال السنوات الأخيرة مصدراً للكثير من الصدمات للمصريين. لعلك تذكر واقعة إقامة حفل «البول بارتى» بها، الذى تناقل الكثير من المواقع أحد الفيديوهات الخاصة به، التى تتضمن مشاهد رقص لشباب وفتيات شبه عراة. حدثت هذه الواقعة عام 2016. والآن تأتى الصدمة الجديدة المتمثلة فى حفل الشواذ. منطقة التجمع الخامس يمكن النظر إليها كنموذج لدولة صغيرة تعبّر عن تحولات جسيمة تضرب شبابنا من اتجاهات كثيرة، وتصيب المجتمع بالصدمة تلو الأخرى.

«التجمع الخامس» دولة تقدم لنا نموذجاً على نوعية جديدة من الشباب ينتمى إلى أسر محترمة، يتوزع أولياء أمورهم على الكثير من الوظائف المهمة، وعالم المال والأعمال، وعالم الإعلام، وغيرها. نحن أمام نماذج شبابية تشرّبت رياح العولمة وأصبحت صلتها بالمجتمع المصرى شبه منقطعة. وإذا كان الناس ينظرون إلى أحوال وأفعال هذا الشباب باستغراب، فلست أستبعد أن هذا الشباب أيضاً ينظر إلى من يعيب عليه أفعاله بالقدر نفسه من الاستغراب. تواصل هذا الشباب مع قيم وثقافة الغرب أكبر بكثير من تواصله مع مجتمعه. شباب تعلم فى مدارس أجنبية، تعكس مقررات اللغة فيها ثقافة المجتمعات التى أنتجتها، وربما كانت تعترف بالشذوذ، وتعتبره حالة إنسانية واردة، شباب لا يسمع ولا يشاهد سوى الأغانى والأفلام الأجنبية، التى لا توجد حدود على ما تطرحه من موضوعات ومعالجات، حتى لو كانت تتعلق بالشواذ، شباب يتواصل مع نظرائه فى دول العالم المختلفة عبر الأدوات التكنولوجية التى أصبحت تُيسر ذلك كل اليسر. بمرور الوقت، من الطبيعى أن ينقطع هذا الشباب عن قيم وثقافة مجتمعه، ويفكر طبقاً لقيم ثقافات مغايرة، بما يترتب على ذلك من مفاجآت سلوكية تدهم المجتمع من حين إلى آخر.

علينا أن نعترف بأن أدوات التربية والتثقيف لدينا أصبحت معطلة منذ زمن بعيد. ففى غمرة مواجهة المدارس للمشكلات الكثيرة، التى تواجه العملية التعليمية أصبحت التربية فى خبر كان، والإعلام مشغول بالهرى السياسى أكثر مما هو مشغول بالقيام بأدواره التثقيفية، والدراما لدينا أصبحت استنساخاً للمسلسلات الأجنبية، بعد أن عزف صنّاعها عن التفاعل مع الواقع المحلى للمشاهد المصرى، وعميت قلوبهم وأبصارهم عن شغف المشاهد المصرى بالمسلسلات التركية والكورية التى تعكس الواقع المحلى فى هذه البلاد. إنهم لا يفهمون أن الدراما «محلية». مع تعطل الكثير من روافد التكوين الفكرى والوجدانى والثقافى عن القيام بعملها، كيف نستغرب أن تظهر وتتمدّد مثل هذه الأفكار والممارسات بين شبابنا؟!