نهاية العالم

خمسة أيام تفصلنا عن «نهاية العالم». لا تضحك فذلك هو ما يشغل بال البعض، وأخبار الحدث متواترة فى نوافذ إعلامية عديدة، من بينها بعض الصحف الأجنبية، ولا تجد أروج هذه الأيام من كلام المنجمين الذين يتوقعون أن ينتهى العالم يوم 23 سبتمبر المقبل، فيحدثك أحدهم عن الكوكب الغامض الذى سيضرب الأرض فى هذا اليوم، ولا ينسى أن يعطف على هذا الموضوع بكلام عن إعصار «إيرما»، والعمليات الإرهابية التى تحدث هنا وهناك، وغير ذلك من كلام. طبعاً الحديث عن يوم معين تنتهى فيه الحياة على الأرض ليس جديداً، إنه حديث قديم للغاية، ولو أنك قرأت كتاب «الأيام» (السيرة الذاتية لعميد الأدب العربى طه حسين) فستجد مشهداً يحكى حالة الهلع التى أصابت أهل «عزبة الكيلو» التى كان يعيش فيها العميد وهو طفل، وكيف خرج الصغار والشيوخ مستجابو الدعوة إلى الشوارع يهتفون بعبارة «يا لطيف.. يا لطيف»، على هامش هذا المشهد ظهر شيخ الكتاب الذى كان يبيع الأحجبة للناس حتى ينجيهم الله من «القيامة»، وهو مشهد تكرر عندما ضرب وباء الكوليرا القرية. فأى حديث عن «هلاك مقبل» ينعش بضاعة المنجمين والدجالين وبائعى الأحجبة.

يحكى أن ناساً كانوا على ظهر مركب تعرض فجأة لريح عاتية زلزلته زلزالاً شديداً، فصرخ الناس، وأصبحوا يتوقعون أن ينقلب بهم المركب الذى تلعب به الريح فى أى لحظة، الكل بدأ يطلب النجاة من الله، ويستغفر ويسترجع، ويستذكر أبناءه وأحباءه ويبكى، إحساساً باقتراب لحظة الهلاك. واحد فقط كان يجلس فى أحد أركان المركب فى هدوء وسلام، ينظر إلى حالة الرعب والفزع التى رسمت وجوه من على ظهر المركب باستغراب. عجب أحدهم لأمره، فذهب إليه يسأله: «كيف تجلس هادئاً على هذه الصورة ونحن مشرفون على الموت؟»، فأجابه الرجل فى هدوء: «لماذا أخاف ومعى ما يحمينى من الهلاك؟»

سأله الأول: وما هو ذاك؟ فأجابه: حجاب صنعته بيدى (وهو يشير إلى صدره): ووضعته فى صدرى، يحمينى من كل سوء ومُلمة. فسأله محدثه: هل لك أن تصنع لى حجاباً مثله؟ فأجابه: ولِمَ أصنع لك، ومعى فى تلك الحقيبة عدد كبير من الأحجبة العجيبة. فطلب منه الرجل واحداً، فأعطاه نظير أن يدفع ثمنه، ففعل. هنالك سارع كل ركاب المركب إلى شراء الحجاب طمعاً فى النجاة. هدأت الريح بعد ذلك واطمأنت المركب فى سيرها فوق صفحة الماء، فذهب الرجل الذى اكتشف سر الراكب «المحجّب» وشكره، وامتدح حجابه وسره الباتع، فما كان من صانع الأحجبة إلا أن قال له: لا باتع ولا يحزنون.. إنه مجرد ورقة فارغة، قال له الرجل: لقد نصبت علينا؟. فرد عليه: لم أنصب على أحد، أنتم الذين نصبتم على أنفسكم، لقد وجدتكم فى حالة ذعر، فقررت استثمار الموقف، وبيع قطع الورق الفارغ لكم، فإن نجونا كان فى جعبتى المكسب الكبير، وإذا متنا فالموتى لا يسألون ولا يتكلمون. كل نصاب لا بد له من مغفل.. وكل دجال لا بد له من خائف.