«مرسى علم».. مدينة «الحوادث اليومية» تحتاج إلى مستشفى عام.. والأمهات يلجأن للولادة فى الغردقة وأسوان

كتب: محمد أبوضيف وصلاح عبدالله

«مرسى علم».. مدينة «الحوادث اليومية» تحتاج إلى مستشفى عام.. والأمهات يلجأن للولادة فى الغردقة وأسوان

«مرسى علم».. مدينة «الحوادث اليومية» تحتاج إلى مستشفى عام.. والأمهات يلجأن للولادة فى الغردقة وأسوان

لم ينس «وائل منصور» صديقه «يوسف» الذى توفى بين يديه منذ عام، داخل مستشفى جراحات اليوم الواحد بمدينة مرسى علم، بعد ست ساعات من دخوله المستشفى بسبب حادث طريق، أخرج الرجل من جيبه هاتفه، وعرض صورة «يوسف» مع أطفاله وهو يروى قصته قائلاً: «كان عنده نزيف داخلى.. وكان محتاج تدخل جراحى»، استقبله المستشفى وظل راقداً على أحد الأسرّة دون اهتمام 3 ساعات، حاول «منصور» وأصدقاء «يوسف» تحويله من المستشفى للقصير أو الغردقة، ولكنهم ظلوا 3 ساعات أخرى منتظرين تحرك الإسعاف به والذى رفض دون تنسيق مسبق مع المستشفى فى الغردقة أو القصير، حتى فارق الحياة بين أيديهم.

{long_qoute_1}

مأساة «يوسف» تكررت مرة أخرى قبل أيام من مولد أبوالحسن الشاذلى الذى يبعد عن مرسى علم 150 كيلومتراً، حادث ضخم أودى بحياة اثنين وتم نقل عدد كبير من المصابين إلى المستشفى، ولكن هذه المرة توفى أحد المصابين فى الحادث، بين يدى الطبيب «وائل عطية» الذى لم يستطع أن يسعفه أو يحوله لمستشفى آخر يستطيع التعامل مع حالته بسبب الإجراءات المعقدة التى تلزمه بضرورة التنسيق بين مستشفى مرسى علم ومستشفى القصير أو الغردقة قبل نقل المريض.

وظل الطبيب «عطية» أربع ساعات كاملة يحاول التنسيق مع المستشفيات فى الغردقة والقصير بعد أن دخل المريض للمستشفى يعانى من نزيف فى المخ ويستوجب إجراء أشعة مقطعية وهى غير موجودة بالمستشفى، وتم وضعه فى العناية المركزة، ولكن دون جدوى ورفضت المستشفيات هناك استقباله وظل الطبيب يحاول مع الإسعاف نقله إلى أى مستشفى، ولكنهم رفضوا أيضاً التحرك دون تنسيق بسبب التعليمات التى تجبرهم على ذلك وتوفى المريض: «حالة زى دى كانت تستوجب نقلها على وجه السرعة ولكنه مات الله يرحمه».

الطبيب «عطية» الذى يشغل منصب نائب مدير المستشفى، يقول: هناك نقص حاد فى المستشفى رغم أهميته، فهو يقع وسط ملتقى طرق لا تخلو من الحوادث بشكل يومى، والمستشفى يعتمد على أطباء متعاقدين غير ملزمين بشكل كامل أمام المستشفى: «تخيل مستشفى بدون أطباء.. لا يوجد برفقتى سوى طبيب أسنان وطبيب صيدلى فقط المعينين وثلاث ممرضات»، ورغم الكثير من الشكاوى التى ترسل للوزارة لا أحد يجيب: «عشان نمشى الموضوع بنتعاقد مع ناس مساعدين تمريض بس وطبعاً ده غير قادر حتى إنه يدى حقنة».

ويعيش فى مدينة مرسى علم 12 ألف نسمة، ويقصدها الآلاف كل عام من مريدى الشيخ أبوالحسن الشاذلى، الذى يرقد فى قرية تتبعها تسمى على اسمه، وبها مستشفيان، الأول مركز طب الأسرة وملحق به استقبال طوارئ، والثانى مستشفى جراحات اليوم الواحد.

{long_qoute_2}

وخلال جولتنا فى وحدة طب الأسرة لم يعترض أحد طريقنا ولم يساعدنا أحد، فالمستشفى مكون من طابق الواحد خاوٍ على عروشه إلا من بعض أسرّة المرضى المدمَّرة، وعدد من عربات الإسعاف المتهالكة التى تقف على عجلة واحدة تغطيها الرمال، وأكوام من الكراسى المحطمة، وثلاجات الأدوية المتهالكة تملأ أرجاء المكان، ولا يوجد سوى طبيب واحد فى إحدى الغرف، وممرضة واحدة فقط.

وبجوار مستشفى طب الأسرة، يقع مستشفى اليوم الواحد، وهو متخصص فى جراحات اليوم الواحد، جراحات صغيرة لا يرقد داخلها المريض سوى يوم واحد فقط، وإذا استلزم الأمر أكثر من ذلك يحول لمدينة القصير على بعد 135 كيلومتراً، أو الغردقة على بعد أكثر من 300 كيلومتر، وهو ما جعل هذه المستشفيات مجرد «ترانزيت» لنقل المصابين فى حوادث الطرق، مما يعرض الكثير منهم للوفاة قبل التحرك من باب المستشفى غير المجهز.

بجلبابه الأبيض وبشرته السمراء، جاء «محمود مرسى» من جنوب الصعيد للعمل والاستقرار فى مرسى علم، وبدأ حديثه معنا قائلاً: «مراتى كانت حامل والمفروض أعمل متابعة حمل فى مستشفى طب الأسرة.. مفيش طبيب أمراض نساء نهائى»، وعدم وجود طبيب نساء يحتم عليه التوجه لمسقط رأسه فى الصعيد بسوهاج من أجل ولادة زوجته ثم العودة سريعاً برفقتها وهى فى مرحلة النفاس والرضيع فى المهد حتى يستطيع تسجيل المولود من مواليد مرسى علم.

والتقط منه «محمد خالد» رفيقه فى العمل، طرف الحديث قائلاً: «كانوا هيموتولى مراتى فى جراحات اليوم الواحد»، فالشاب الثلاثينى توجه بزوجته حين ظهرت عليها علامات الحمل، للتأكد من حملها: «قالولى مش حامل واللى عندها ده تكيسات على الرحم»، وتحتاج لعملية لتستطيع الحمل، لكنه توجه إلى طبيب فى مدينة القصير واكتشف أن زوجته حامل، وخاطبنا باستغراب: «تخيل بقا لو كنت عملت لها عملية هنا وابنى جواها كان حصلها إيه هى والطفل».

أما «مؤمن زكريا» فهو شاب عشرينى، يعمل «نجار مسلح» فى المدينة، وأثناء عمله أصيب شقيقه «كريم» فى قدمه بجرح غائر، وكانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة صباحاً، وتوجه على الفور إلى المستشفى، ظل يحاول إيقاظ الممرضين والطبيب لإسعاف شقيقه الذى يتأوه من الألم: «رجله كانت بتجيب دم من كل حتة».

وعندما طالب «زكريا» ممرض المستشفى بإحضار الطبيب من السكن، رفض قائلاً: «لو عايز تصحيه روح صحيه انت»، فتوجه الرجل للطبيب وقاله له: «أخويا بيموت»، فما كان منه إلا أن صاح فيه: «أيوه يعنى أعملك إيه مش مشكلتى»، دخل الرجل فى مشادة وأجبر الطبيب على إسعاف شقيقه المصاب، ويقول: «الدكتور إلى بييجى هنا جاى يتعاقب من غلط طبى ولا مصيبة عملها ونقلوه عقاب متخيل مستواه عامل إزاى هو جاى مدة عقاب بيقضيها بالطول والعرض ويمشى».

فى غرفة الاستقبال بمستشفى طب الأسرة، جلست «سامية محمد» رئيس التمريض، لم تكمل شهوراً على وجودها فى «مرسى علم» بعد نقلها من مستشفى سفاجا، قائلة: «النظام هنا مش مظبوط»، لأن التمريض يرفضون علاج المرضى والمصابين فى الاستقبال، وهى لا تستطيع السيطرة عليهم: «عشان هما أقدم منى وأنا جديدة عليهم»، وتستطرد: «أى حد مصاب بييجى متعور بنقول له مفيش تغيير ولا علاج عشان مفيش شاش وقطن».

وتؤكد «سامية» أن طقم التمريض لا يقوم بواجبه ولا يساعد المرضى رغم وجود شاش وقطن ويمنعونه عن الناس، وتتعجب من وجود استقبال فى ظل رفض الممرضين علاج المصابين من الجروح الغائرة ومعظمهم من العمال والصنايعية الذين تعج بهم المدينة، مشيرة إلى أنهم يتهربون من مسئوليتهم أمام المواطنين بقولهم: «مفيش مستلزمات طبية».. ويتركون المستلزمات فى المخازن حتى تفسد قائلة: «بيسيبوا الشاش والقطن فى المخازن لحد ما يبوظ».

وتستطرد «سامية»: «يعنى مثلاً مفيش مشرط»، وتقول إن أسهل شىء على الممرض فى الاستقبال تحويله على مستشفى جراحات اليوم الواحد: «طب لو المريض معهوش فلوس يدفع فى اليوم الواحد يعمل إيه».

ونوهت «سامية» بأنها عانت من الإهمال فى المستشفى الذى تعمل به، حينما تعرض عمها للدغة عقرب وتوجه للمستشفى فلم يجد من يعطيه المصل؛ لأن وقتها كانت الساعة قد تعدت الثامنة ومواعيد العمل حتى الثامنة مساء قائلة: «تخيل الواحد بيموت من العقرب وييجى مكتب الصحة يلاقيه مقفول»، والأمصال غير متوفرة إلا فى مستشفى طب الأسرة وغير موجودة بمستشفى جراحات اليوم الواحد التى تعمل 24 ساعة بالمدينة.

من جانبه قال الدكتور رمضان كمال، مدير الإدارة الصحية بمرسى علم، إن عدم وجود أخصائى أمراض نساء، دفع أهل المدينة بالكامل للرحيل للولادة فى الغردقة والقصير وأسوان، وبالطبع لا يستطيع العودة بسرعة لتسجيل الطفل مؤكداً «خلال سنة ماسجلتش عندى غير مولود واحد قيصرى ولده دكتور كان فى قافلة طبيبة فى المستشفى بالصدفة».

ويضيف أن هناك نقصاً حاداً فى الأطباء بمرسى علم، فالمحافظة بأكملها لا يوجد بها سوى ثلاثة أطباء، ولا يوجد أخصائى عظام، بخلاف عدم وجود أشعة مقطعية، وهو ما يدفع لتحويل جميع حالات حوادث الطرق لبقية المستشفيات، مشيراً إلى أن المستشفى يعانى من نقص أخصائيى رمد، وأنف وأذن، ويعتمد المستشفى فى هذه التخصصات على الممارس العام لأنه «بيأدى الغرض».

ويؤكد «كمال» أن نسبة من 80:70% من الحالات التى تستقبلها مستشفيات مرسى علم تحول لمستشفيات القصير والغردقة، و20% فقط تعالج هنا، مضيفاً أن مرسى علم تحتاج مستشفى عاماً مجهزاً بسبب حوادث الطرق.

 

مستشفى جراحات اليوم الواحد يستقبل الكثير من ضحايا حوادث الطرق


مواضيع متعلقة