العناية المركزة

خديجة حمودة

خديجة حمودة

كاتب صحفي

بعيداً عن التشاؤم والخوف من اسم المقال أؤكد لكم أصدقائى أن كلاً منا فى حاجة لوحدة للعناية المركزة، مع اختلاف التخصصات ودرجاتها، فعلاقاتنا العاطفية والزوجية والعائلية وعلاقات العمل والجيرة والنسب والمواطنة جميعها تنهار ولا بد من إنقاذها، ومن أجل البداية لا بد أن نتحدث أولاً عن احتياجاتنا ومواردنا وخطة العمل وفترتها الزمنية، فقد أصبحنا نعيش فى زمن المشروعات القومية والخطط الخمسية، وعلينا أن نرمم نفوسنا وعلاقاتنا ونشيد مشروعنا الشخصى قبل أى شىء آخر، ولكن أجد لزاماً علىّ أن أؤكد أيضاً أنه ليس لدىّ أى نية للتحريض على الإضراب أو عدم التبرع للمشروعات الإنسانية أو للصناديق الوطنية بتلك الدعوة الأخرى (أن ينشئ كل منا وحدة للعناية المركزة خاصة به).

وللجميع أقول إن فكرة هذه المقالة هاجمتنى بعد تجربة خاصة داخل تلك الغرفة التى أدعوكم لإنشائها، فقد كان الإلحاح قوياً كالهجوم المباغت فقررت أن أبدأ على الفور.

وقد لاحظت مؤخراً هجوماً عنيفاً وشديداً على الرجال، هجوماً فنياً وثقافياً، وأخشى ما أخشاه أن يصل للمجال العلمى أيضاً، فمن أجمل ما استمعت إليه أغنية تحريضية بصوت الفنانة أصالة، تكاد تدعو كلماتها النساء للبعد تماماً عن الرجال، تحت أى مسمى وأى درجة من درجات الحب. ويكفى اسم الأغنية الساخر لمن يتذوق الكلمات (حيقولك انت الأولى.. وكمان الأخيرة)، وتستطرد الأفكار بصاحب الكلمات حتى تتحول المرأة لمركبة لقلب الرجل وجزيرة أيضاً يرسو عليها ويتعرض للموت من بعدها لا قدر الله، مما يضطره لتسليمها قلبه وإلا، وآه من إلا فسرعان ما تتحول المشاعر وتنتهى القصة بالوجع للمرأة، وليبدأ الرجل قصة جديدة سعيدة له وحده بالطبع، ويقول علماء النفس والاجتماع إن الرجل عادة ما ينظر إلى علاقته بالمرأة على أنها اتصال بين أفراد قبل العلاقة الرومانسية أو الزوجية أو حتى علاقة الطفل بأمه، ويصفون العلاقات بين الأشخاص بأنها أنظمة حيوية تتغير باستمرار أثناء وجودها مثلها مثل الكائنات الحية، إذ إن لها بداية وعمراً زمنياً وأيضاً نهاية، وقد طرح العالم النفسى (جورج ليفينجر) أحد النماذج الأكثر تأثيراً لنمو العلاقات، وتمت صياغة هذا النموذج لوصف العلاقات الرومانسية، ووفقاً لهذا النموذج فإن التطور الطبيعى للعلاقة يمر بخمس مراحل من التعارف والبناء والاستمرار ثم التدهور والإنهاء، وبرغم أن العالم النفسى أكد أن هنالك علاقات لا تنتهى ولا تمر بهذه المراحل كلها، إلا أن أغلب المدارس فى علم النفس تؤكد مسئولية الرجل، إذ يتحدثون عما يسمى علم النفس الإيجابى الذى يصف العلاقات السليمة بأنها بنيت على أساس من الارتباط الآمن، كما يتم الحفاظ عليها بالحب وسلوكيات العلاقة الإيجابية الهادفة، وتسير على منهج يسمى (مثلث الحب)، ويعنى أن هناك خليطاً من ثلاثة مكونات، وهى العاطفة والارتباط الجسدى ومشاعر المودة التى تجمع الأزواج، وتكون سبباً رئيسياً إن توافرت فى علاقة زوجية مثالية، وقد استخدم علماء النفس تعبير (العلاقات المزدهرة) لوصف ما يحدث بين الأشخاص بصورة طبيعية، حيث تنمو العلاقة وتتسم بالمرونة، ومثل هؤلاء تكون لديهم القدرة على التوازن والتركيز فى الحياة العملية أيضاً.

وهنا يمكن أن نتابع باقى خطط الهجوم الفنية على الرجال التى تتركز فى مسلسلات اجتماعية بدأت منذ شهر رمضان، وقد اتفقت جميعها على أن الرجل هو السبب فى أى مشاعر سلبية تهاجم المرأة وتدفعها إما للقضاء على العلاقة أو القضاء على نفسها، وللأسف أن هذا الرجل ليس الحبيب أو الزوج فقط، فهو دائماً، أياً كانت درجة القرابة، مسئول عما يحدث، كما أن هناك ما يسمى (علم العلاقات) ففى أثناء تسعينات القرن الماضى عرف هذا العلم الذى يميز نفسه عن طريق بناء الاستنتاجات على البيانات وتحليلها بصورة موضوعية وتعد الروابط بين الأشخاص أحد محاور علم الاجتماع.

وبعد إجراء دراسة على مجموعة من الأزواج لعدة سنوات طرح العالم النفسى (جون جوتمان) نظرية (المعدل السحرى) للزيجات الناجحة، واشترطت هذه النظرية لنجاح الزواج أن يكون الزوجان فى متوسط خمسة تفاعلات إيجابية إلى تفاعل سلبى واحد، أما إذا انتقل المعدل إلى ١: ١ فإن الطلاق يصبح أكثر احتمالاً وتشتمل التفاعلات بين الأشخاص المقترنة بعلاقات سلبية على النقد والتجريح والتحقير والحيل النفسية واحتكار الكلام وبمرور الوقت يهدف العلاج إلى تحويل الاستراتيجيات بين الأشخاص إلى أخرى أكثر إيجابية، التى تشتمل على الشكوى والتقدير وقبول المسئولية والتهدئة الذاتية.

ولهؤلاء المعرضين لأزمات حياتية وصحية قد لا تنتهى بسلامة، أقول أنشئوا سريعاً وحدات العناية المركزة، كل حسب تخصصه، فهناك زوجات فى حاجة لجرعات مركزة من الحنان وأخرى لدفعات من التشجيع، وأمهات أجهدها الاشتياق وآباء وأجداد يكاد الإهمال ونسيان احتياجاتهم يقتلهم، وأبناء كادوا يتحولوا إلى قنابل موقوتة. افتحوا أذرعكم وأحضانكم لكل هؤلاء وتذكروا أن وحدة العناية المركزة تقدم أقصى أنواع الرعاية الممكنة، وأن نسبة الممرضين فيها إلى المرضى تساوى ١: ١ أى إنه عليك أن تزيد تركيزك وعواطفك لمن يحتاجك وتشعره أنه الأول فى اهتماماتك، ومن المعلومات المتوفرة أيضاً عن تلك الوحدات أن العالم عرف لأول مرة مفهومها الطبى الحقيقى عام ١٨٥٤عندما قامت (فلورنس نايتينجيل) بتصنيف مرضى حرب القرم إلى مجموعتين، إحداهما الإصابات الشديدة وعن طريق العناية المركزة استطاعت خفض نسبة الوفيات كثيراً عن المعدل المعتاد فى مثل تلك الحروب الكبرى، وفى عام ١٩٥٣ ازداد استخدام هذه الوحدات لدعم الحياة خاصة مع تطور التكنولوجيا الطبية، وفى عام ١٩٩٢ قامت الجمعية الطبية لوحدات العناية المركزة بالتعاون مع اتحاد المستشفيات الأمريكية بالتوسع فى إنشائها وتزويدها بكافة الاحتياجات، عافاكم الله وأحبتكم وأبعدكم عن وحدات العناية المركزة الخاصة والعامة الطبية والأسرية.