الخط الأول لمترو الأنفاق.. "علبة سردين" و"شحاتين" و"ماكينات عطلانة"

الخط الأول لمترو الأنفاق.. "علبة سردين" و"شحاتين" و"ماكينات عطلانة"
خمسة أشهر مرت على الزيادة التي طبقها مجلس الوزراء، إلا أن الزحام والتكدس الصباحي ما زال السمة الطاغية على مترو أنفاق الخط الأول، فبمجرد الولوج إليه صباحا تشاهد زحاما كبيرا على شباك التذاكر الخاص بكل محطة، وبعد شراء التذكرة والذهاب لاستقلال المترو توجد الكثير من المحطات التي لا تعمل بها ماكينات التذاكر حتى يقوم أحد العاملين بشركات الأمن بقطع التذكرة ما يعني أنك قد مررت من بوابة الدخول.
{long_qoute_1}
يذهب مصطفى محمد، الرجل الستيني، صباحا إلى عمله، وهو الذي لم يتوقف عمله بعد سن الستين لمجابهة غلاء المعيشة ومحاولته تحسين أوضاعه المادية، يقول إن مترو الأنفاق يستخدمه منذ دخوله الخدمة وحتى الآن، مرت عليه فترات ساءت فيها الخدمة وأخرى تحسنت فيها، كان آخرها إدخال المترو المكيف إلى الخدمة، بينما تظل المشكلات التي يعاني منها مستقلو المترو تتمثل في التكدس الصباحي والباعة المتجولين والمتسولين "كل يوم الصبح لازم يكون فيه زحمة ومتسول ينكد عليك ويقولك إنه بيغسل كلى أو واحدة بتشحت على جوزها.. ده مترو مش وزارة التضامن".
يعتبر "محمد" مترو الأنفاق هو عصب المواصلات في القاهرة، يتذكر حينما أضرب عاملوه عن العمل منذ سنوات خلت "كانت أياما صعبة" حيث إنه لم يستطع فيها الوصول إلى محل عمله بسبب التكدس والزحام في الشوارع بعد الإضراب، موضحا أن الزيادة الأخيرة للمترو لم تواكب التطوير الذي حلم به مستقليه بعد تصريحات المسؤولين "قالوا هيطوروه وهيحدثوا المكن ويلموا المتسولين والبياعين بس مفيش أي حاجة جديدة حصلت غير زيادة سعر التذكرة".
{long_qoute_2}
تخصص العربتان في منتصف المترو للسيدات، حيث يمنع استخدام الرجال لإحداهما حتى التاسعة مساءً والأخرى حتى ما بعد التاسعة ولكن يسمح للسيدات باستخدام كل عربات القطار، تقول أميرة أحمد الفتاة العشرينية، إنها تستقل الخط الأول للمترو صباح كل يوم ما عدا الجمعة والسبت وهما إجازتها الأسبوعية، توضح أن للمترو العديد من المميزات ولكنه ينقصه الاهتمام من قبل المسؤولين في توفير قطارات سريعة صباحا للحد من التكدس والزحام.
"المترو الصبح بيبقي عامل زي علبة السردين.. الناس كلها بتبقي لازقة في بعض وممكن يعدي عليك 3 متروهات متعرفش تحط رجلك فيهم" كلمات أوضحت بها "أميرة" الزحام الذي تعانيه صباح كل يوم مع مستقلي المترو، مضيفة أن التأخير عن عملها بسبب زحام المترو كثيرا ما يتكرر دون تغيير "بنزل قبل معادي بنص ساعة علشان أركب ومتأخرش عن الشغل".
تتمنى الفتاة العشرينية أن يهتم المسؤولون بالخط الأول ويدفعوا بالقطارات المكيفة في أوقات الظهيرة وارتفاع درجة الحرارة، وتحسين الخدمة صباحا والضخ بعدد كبير من عربات المترو لاستيعاب الأعداد الهائلة من المواطنين، بخلاف تغيير الماكينات وذلك لأن أغلبها لا يعمل ومحاولة وضع تصور أفضل للحيلولة دون حدوث تكدسات أو وجود بائعين متجولين ومتسولين.
{long_qoute_3}
"أنا كل يوم بيقطعولي التذكرة وأنا رايح وبروح بيها في آخر اليوم يعني بركب الرحلة بجنيه، الماكينات العطلانة دي نعمة من عند ربنا" كلمات قالها محمد عادل أحد مستخدمي الخط الأول يوميا، والذي يقوم بشراء التذكرة صباحا حتى يقطعها له أحد العاملين وما إن يصل إلى وجهته لا يقوم بتسليم التذكرة في محطة الوصول، ويقوم في نهاية يوم عمله بإدخال التذكرة المقطوعة سالفا في ماكينة التذاكر فتمر بسلام دون حاجته لشراء أخرى.يقول عادل إن محاولته تلك جاءت بعد رفع سعر العديد من السلع والمنتجات ووسائل المواصلات في مصر ما جعله يقوم بشيء مستحدث يوفر به ما يقرب من 250 جنيها شهريا، "كل حاجة زادت ولو أنا هقطع تذكرتين مترو كل يوم بـ2 جنيه هضيع أكثر من 500 جنيه شهريا.. لازم تشغل مخك".
وسط تكدس ركاب المترو، صعد رجل ريفي صنع به الفقر وتقدم العمر ما صنع، مرتديًا جلبابا تبدو عليه علامات الاتساخ، بصحبة ابنته، في مشهد يُظهر اتكاءه عليها، قبل أن يتفاجأ الجميع بعد ظهور ابنته على وجهها علامات المرض، لتتضح الرؤية بأنها تتكئ على العجوز وليس العكس، "تعالي يا بنتي نقعد على الأرض، محدش عايز يقوملنا" قالها العجوز وهو يفترش "الشال" الخاص به على أرض المترو لتجلس ابنته عليه بجواره، قبل أن يستكمل حديثه الجانبي مع أحد الركاب الذي أراد مواساته "معلش يا حاج كلهم عاملين مش واخدين بالهم"، ليرد العجوز "لو عليا أنا هستحمل.. لكن أعمل إيه في بنتي الصغيرة دي"، ويكمل بعد أن نامت على "حجره" الفتاة من التعب "أنا بايت من إمبارح قدام مستشفى أبو الريش عشانها، وكنت عايزها تستريح، بعد الحقن اللي خرمت جسمها".
{left_qoute_1}
"التكيف شغال.. شوية وهنحس بيه" قالها رجل خمسيني ناهرًا أحد الركاب بعد محاولة فتح الشباك، بعد أن تأفف الجميع من حرارة الجو داخل العربة الأولى بالمترو المكيف المتجه إلى حلوان، وأشار إلى الوصول لمحطة السيدة زينب، ثم تابع عند تحرك القطار "المحطة القادمة الملك الصالح، سيتم فتح الأبواب جهة اليسار"، قبل أن يقف القطار فجأة محدثًا صوتًا أشبه بفرقعة، اهتزت العربة، وفزع الركاب، وكاد رجل مسن أن يسقط، وصرخت إحدى السيدات، ثم جاء صوت السائق "القطار اتعطل، فيه مشكلة في الكهرباء، أرجو الهدوء وهنتحرك بعد شوية"، اعتقدوا في البداية أن الأمور ستُحل في غضون دقائق لكن الوقت مضى دون أن يحدث شيء "ما هي كانت ناقصة" قالها شاب عشريني توجه ناحية الباب الفاصل بين العربة وقمرة القيادة، قبل أن يتدخل عمال الصيانة بالمترو لحل الأزمة، ونزل الركاب ليستقلوا مترو آخر، وسط فزع واضح على وجوهههم، ليكتب كلمة النهاية على مشهد مأساوي يعانيه الركاب بصورة شبه يومية.